لماذا تناصر إيران سورية في وجه المؤامرة؟ 4
ترجمة فاطمة ضاهر
قدّمت إيران المساعدة لسورية لتمكينها على الأقل من مقاومة العقوبات التي فرضت عليها. كما أنّها ساعدت دمشق في تصريف نفطها عير العراق وأمنّت لها لها باخرة لتصدير النفط إلى الصين، إضافة إلى تزويدها بالكهرباء والحبوب لدعم الأسواق المحلية والحدّ من النقص الغذائي. وعقد البلدان اتفاق تبادل حرّ سمح للبضائع السورية بالدخول إلى إيران بخضوعها لضريبة متدنية جداً. لكن الجمهورية الاسلامية كانت أكثر نشاطاً من الناحية المالية. فقد ذكرت وسائل الاعلام نقل مليارات الدولارات إلى سورية. وبحسب صحيفة «تايمز»، أنفقت إيران ما لا يقل عن 10 مليارات دولار تشرين الأول على حليفها السوري، بحيث أدّى هذا العبء المالي إلى خلق توترات داخل السلطة بين الدليل والحرس الثوري، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب للجمهورية الإيرانية. ووقّع البلدان مذكرتَيْ تفاهم بحيث تتعهد طهران بفتح خط ائتمان إلى دمشق بحوالى 1.3 مليون دولار. وكان هذا أول إعلان رسمي بمنح خط ائتمان من إيران إلى سورية. وفي أيار التالي، أعلنت وسائل الاعلام السورية فتح خطّيْ ائتمان إضافيين من إيران بـ 4 مليارات دولار. وأعلنت إيران عن خط ائتماني ثالث لمساعدة سورية بعد أن فرض عليها حظر دولي. وبفضل هذه المساعدة متعددة الأشكال سياسية، عسكرية، اقتصادية ومالية منذ بدء الأحداث في سورية، تأمل الجمهورية الاسلامية إنقاذ حليفها وحلفها.
بعد انتخابه في أيار 2013 ، لم يعتمد الرئيس روحاني الخطاب الذي اعتمدته الدولة الاسلامية في عهد سلفه في ما يخصّ سورية. إذ صرّح في المؤتمر الصحافي الأول له عن شرعية الرئيس السوري بشار الأسد معلناً أنّه ضدّ أيّ تدخل أجنبي في سورية، وأكّد أنّ الشعب السوري هو الذي يستطيع وحده حل أزمة بلده. لكن طهران تابعت في مساعدتها دمشق. أنهى الطرفان في نهاية حزيران 2013 فتح خط ائتمان بعد أن تمت مناقشته في أيار للسماح للنظام السوري بشراء المنتجات النفطية. وبقي الدعم الإيراني لسورية مستمراً على رغم الضغوطات الكثيرة في نهاية صيف 2013.
على رغم الشكوك الكثيرة حول استخدام السلاح الكيماوي في منطقة الغوطة آب 2013 حتى ولو اعترف حسن روحاني باستخدام خبراء كيماويين، فقد رفض تحديد أي مسؤول. ولمواجهة النقمة الدولية والتي شاركت فيها إيران أيضاً قال روحاني: «انّ الجمهورية الاسلامية والتي كانت ضحية السلاح الكيماوي في حرب إيران ـ العراق، تطلب من الجمعية الدولية بأن تفعل ما بوسعها لمنع استخدام مثل هذه الأسلحة في العالم». ورحّب المعلقون الدوليون بهذا الموقف التفسيري حتى ولو لم يغير شيئاً في دعم طهران لدمشق.
وفي خطاباته، يستخدم حسن روحاني لهجة الجمهورية الاسلامية القديمة اللاذعة. واعتبرت إدارته أنّ المسلحين مسؤولون عن الهجوم المميت، وحذّرت واشنطن من أيّ تدخل في سورية. ومنحت طهران سورية دعمها السياسي لمواجهة احتمال إجراء عملية عسكرية دولية ضدّ نظام الرئيس الأسد. وضاعفت التحذيرات والتهديدات المبطنة لردع الغرب وحلفائه العرب من ضرب دمشق، واستنكر روحاني موقف جامعة الدول العربية.
اندفعت طهران لمساندة الاقتراح الروسي الذي يدعو إلى وضع الأسلحة الكيماوية في سورية تحت إشراف دولي. فلم يستطع روحاني إلّا أن يرحب بهذا الاقتراح لأنّه خفف الضغط الدولي عن دمشق وجعل مساندة النظام ضرورياً من قبل المجتمع الدولي إلى أن يتم تفكيك هذه الأسلحة. كما أنّه استبعد احتمال تدخل عسكري أميركي ضدّ دمشق والذي سيكون له نتائج لا تحتسب على إيران. وكان التشديد على المسار الدبلوماسي الوحيد ودور الأمم المتحدة في حلّ المسألة السورية تطوراً إيجابياً للجمهورية الاسلامية لأنها تركت لها عدة احتمالات.
وعلى الصعيد العسكري، تابع نظام الأسد عملياته محققاً انتصارات عسكرية تمكّنه من التفاوض مع «معارضة متشعبة جداً». ويعتبر القرار الأميركي الذي أدّى أخيراً إلى تخفيف العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بمثابة نجاح كبير لا يستهان به لطهران في الحرب الباردة بينها وبين الرياض في الشرق الأوسط منذ بداية ما سمّي «الربيع العربي».
أطلق الرئيس روحاني هجوماً حقيقياً نحو الدول الغربية وذلك بعد القرار الأميركي وتخفيف الضغوطات الدولية على سورية. وأكّد في مقابلة له على التلفزيون الأميركي في أيلول 2013 أنّ بلاده لا تسعى إلى الحصول على السلاح الكيماوي، والتقى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وتواصل عبر الهاتف مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكانت هذه المبادرة الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ عام 1979. وغيرت مبادراته صورة الدولية لإيران وسمحت له بالعودة إلى الساحة الدبلوماسية، كما أنّها طمأنت الغرب نظراً إلى تجدد العلاقات بين البلدين، ولفتت انتباه المجتمع الدولي إلى موضوع النووي واضعة مسألة مساندة سورية في المحّل الثاني.
من جهتها، اقترحت واشنطن في تشرين الأول 2013 أنه من الممكن أن توافق على مشاركة إيران في محادثات السلام المحتملة بشأن سورية «جنيف 2» بشرط أن توافق على «بيان جنيف 1» الذي يدعو إلى تأليف حكومة موقتة في البلد. لكن طهران لم تقبل القرار معتبرة أنه انعكاس لرغبة الولايات المتحدة للتخلص من الرئيس بشار الأسد. ورفضت طهران أيّ شرط مسبق لحضورها المفاوضات.
بعد عدّة ايام، صرّح قائد الحرس الثوري أنّ بلاده ستواصل دعمها المادي والمعنوي لسورية وحكومتها.
في خريف 2013، استمرت إيران بالتعامل مع النظام السوري بشكل سرّي، ولتوحيد مواقفها في البلد، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. وناقشت مع دمشق إمكانية تطوير السكك الحديدية التي تربط البلدين عبر العراق، إضافة إلى التعاون في مجال الكهرباء. وأُعلِن عن تأسيس إذاعة تلفزيونية مشتركة بالعربية لمحاربة الوهابية. إلّا أنّ مسألة وجود الحرس الثوري في سورية لم تُطرح بأيّ شكل من الأشكال. ومن جهته، أكّد قائد حزب الله دعمه نظام بشار الأسد. وفي الواقع، لا يتبين أنّ الحد من المساعدة الإيرانية لسورية هو من برنامج الادارة الإيرانية الجديدة. وعملت طهران بجهد لجعل وضع نظام الأسد أفضل على الساحة في حال جرت مفاوضات، وتكون قد وضعت بذلك نفسها كفاعل أساس لحلّ الأزمة.
على الصعيد الدبلوماسي، طرح روحاني فكرة الانفتاح على جاره التركي والتهدئة مع أنقرة. وقام وزير الخارجية الإيراني بزيارة إلى العاصمة التركية لطرح القضية السورية. إن الوجود المتزايد للجماعات المتشدّدة في سورية التي تهدّد أيضاً سلامة تركيا، والنتائج السلبية للحرب الأهلية على أنقرة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخطر تفاقم الصراع المذهبي بين السنّة والشيعة، كلّ ذلك فتح آفاق التقارب بين البلدين على رغم استمرار وجود نقاط اختلاف حول موضوع سورية.
وبالنسبة إلى طهران، تعتبر الانفتاحات على تركيا وسيلة لانقسام الدعم بين المعارضة السورية. وأدى توقيع الاتفاق المشترك حول النووي في «جنيف 2» إلى خلق مناخ دولي جديد مع محاولة ورغبة في رؤية إيران تلعب دوراً في الأزمة السورية، وسمح ذلك بالنظر في فتح قنوات دبلوماسية جديدة وإمكانية تواصل أسرع بين إيران والقوى الإقليمية التي تناولت قضية المعارضة السورية. ومن جهة أخرى، رحبّت عمان، التي كانت تلعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران في الملف النووي، إضافة إلى دول الخليج وعلى رأسها السعودية. وبدأ البعض في التساؤل حول احتمال التدخل الذكي في طهران بينما استغلت الخارجية الإيرانية من جهتها المناخ الدولي الايجابي في ما يخص مسألة توقيع الاتفاق لتجديد العلاقات مع الخليج الفارسي. وقام وزير خارجية إيران بزيارة في تشرين الثاني بداية كانون الأول 2013 إلى أربع من أصل ست دول من الخليج العربي قطر والكويت، الامارات العربية المتحدة، وعُمان، مستثنياً البحرين والسعودية . وحاول في مؤتمر صحافي، عقب زيارته أمير الكويت، طمأنة ممالك النفط بشأن موضوع النووي، وأعلن عن رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية.
المصادر: «غارديان» و«تايمز»