كتاب مفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية: هل تصبح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قيد التنفيذ؟

لور أبي خليل

فخامة الرئيس،

نكتب إليكم في موضوع «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قيد التنفيذ»، ونقترح آلية تشكليها، لأهميته الملحة في بنية الدولة الحديثة التي تزمعون قيامها، فهل سنشهد في عهد انطلاق تأسيس الدولة المدنية العتيدة، التي تتأسس على القانون وتقوى بالمحاسبة وتتجدد بالتخطيط ومكافحة الفساد؟

يظهر الإطار المؤسسي لمكافحة الفساد في القطاع العام على أساس أربع دعائم: ديوان المحاسبة، الهيئة العليا للتأديب، مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي. وتدخل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الإطار المؤسساتي كإحدى الدعائم التي تُفترض إضافتها لتعزيز الشفافية والحكم الرشيد. إنّ دور كلّ من هذه المؤسسات يحدّد ماهية تفعيل السلطات الرقابية. وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقسم مهمات الهيئات الرقابية إلى ثلاث دعائم «وقائية واستقصائية وتثقيفية»، إذ يفترض إرساء خطة تشمل الدعائم المذكورة على الشكل التالي: تقوم المدارس والجامعات والمعاهد الفنية بالدور التثقيفي حول مخاطر الفساد وكيفية الوقاية منه. اما السلطة التنفيذية فتقوم بالدور الوقائي عبر مناقشة الخطط الخاصة بمكافحة الفساد وهي الدراسات التي تقدّمها الوزارة عند رسم سياستها العامة ويفترض إلزام كلّ وزارة بإدراج خطة خاصة فيها لمكافحة الفساد وهنا تبدأ معالجة الفساد الإداري من الداخل عبر الجهاز الخاص بكلّ وزارة. أما الدور الاستقصائي فيرتبط بدور السلطة التشريعية التي يفترض بها إقرار مشاريع القوانين تتعلق بمكافحة الفساد لخلق الإطار التشريعي المساعد للهيئة من الناحية النظرية، لأنه يضع القوانين التي يمكن أن تستند الهيئة عليها عند إجرائها التحقيقات اللازمة. وهنا تجدر الإشارة على أنه يجب إشراك المجتمع المحلي والقوى الحية من بلديات وجمعيات ونقابات واتحادات في المساعدة لرسم السياسات العامة، بحسب حاجة المجتمع المحلي.

فخامة الرئيس

إنّ فرضية إضافة وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هي أحدث الآليات التي يفترض تأسيسها لمكافحة الفساد في لبنان وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لهذه الآلية فهناك معايير عدة من أهمّها تحديد سياسات مكافحة الفساد، مراقبة تنفيذ هذه السياسات، وتقييم فعاليتها. فهنا نستطيع طرح الإشكالية التالية: ما هي المعايير التي تدخل في دائرة رسم السياسات العامة والتي تساعد في إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟ وما هو دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟

يا صاحب الفخامة

تعتبر ظاهرة الفساد آفة اجتماعية اقتصادية تطال المجتمع بكافة مؤسساته وإداراته وتقيّد التنمية البشرية المستدامة وتحدّ من تحقيق حاجات المواطنين والنمو والتطوّر الاقتصادي. فالخطوة الأولى التي قام بها الرئيس ميشال عون بإنشاء وزارة لمحاربة الفساد يفترض أن تستكمل بتأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بقرار صادر عن رئيس الجمهورية ضمن الأسس التالية: يجب ان يكون رئيس الهيئة بمرتبة وزير وله نائبان يتمّ تعيينهما بالطريقة ذاتها يقومون برفع تقارير دورية لرئاسة الجمهورية فقط، لتسهيل الاعتمادات اللازمة لحسن العمل. وهنا ننتقل من لغة الطموحات والاقتراحات الى لغة التنفيذ لأنّ الهيئة بحاجة لدعم سياسي قوي وباستقلال تامّ لتأمين الشفافية والنزاهة في عملها. يجب على الهيئة أن تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي كما هو حال المؤسسات العامة على أن تخضع فقط للرقابة المالية المستقلة. إذ يتمّ اختيار أخصائيين، ايّ موارد بشرية فاعلة، ضمن معيار لاطائفي مبني على أساس الكفاءة والجدارة، لأنّ عدم التمييز في التعامل والعمل بمبدأ المساءلة لكلّ مسؤول مهما كان موقعه لا يستطيع أن يتخذه الا النخب اللاطائفية التي تنظر في معالجتها للأمور من منظار وطني لا طائفي، فيفعّل هذا الأمر دور الهيئة ويزيد في مصداقيتها. تبدأ المهمة الأولى للهيئة بإنشاء لجان متخصصة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية والسياسية والإدارية لتكوين جهاز إداري تخصّصي يتمّ اختيار مرشحيه ضمن السير الذاتية الأفضل وضمن امتحان ينتقى فيه المرشحون الأكثر ثقافة، وممن يملك أفضل المؤهلات العلمية نظراً لوجود أنماط عديدة من الفساد في لبنان ولحاجة سريعة للإصلاح المؤسسي الشامل الذي لا يمكن إرساؤه إلا عبر رسم سياسات عامة تشمل إعداد استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في القطاع العام وفي تطوير جهود وقائية، فهذا مشروع وطني يُفترض أن يشترك فيه المجتمع الأهلي والمدني لإرساء معايير الحوكمة الرشيدة.

فخامة الرئيس

وهكذا نبلغ سؤالاً أساسياً: ما الذي يجب أن تقوم به الهيئة؟

يفترض أن تعي الهيئة الوطنية واجبها في حماية النزاهة، وفي تعزيز مبدأ الشفافية ومكافحة الفساد المالي والإداري، فيجب أن تبدأ في تنظيم قاعدة للمعلومات لحماية النزاهة ومكافحة الفساد على جميع الوثائق الإدارية ورصد المعلومات والبيانات والإحصاءات الدقيقة وتصنيفها وتحديد أنواعها وأسبابها وآثارها وأولوياتها ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً، وهكذا عند حصول أية مخالفات أو تجاوزات تُحال الجهة إلى الأجهزة الرقابية المعنية، بحسب اختصاصاتها لتطبيق الأنظمة والإجراءات المرعية، وفقاً لما يقضي به النظام. كما يجب إنشاء جهاز قضائي للهيئة ليراقب عمل الهيئات الرقابية كافة ولإرساء معايير الشفافية والنزاهة، لأنّ المراجعة الدورية للأنظمة المتعلقة بمكافحة الفساد من قبل الهيئة أمر أساسي لتحديد الصعوبات التي يمكن أن تواجهها الهيئات الرقابية الأخرى ولإعطاء المقترحات اللازمة لتذليل الصعوبات ولمتابعة استرداد الأموال العامة الناتجة من جرائم الفساد. انّ تطوير وتقويم الأنظمة الرقابية والإدارية والمالية يأتيان لضمان وضوحها وسهولة تطبيقها وفعاليتها. طبعاً، إن الهيئة يفترض أن تكون واعية أهمية المحافظة على المال العام والممتلكات العامة باعتبارها ملكاً لجميع المواطنين، كما يجب عليها إجراء التحقيقات اللازمة في الحالات التي يشتبه فيها او في الشكاوى المقدمة اليها وإعداد الدراسات ومشاريع القوانين لمكافحة آفة الفساد.

قد يبدو للوهلة الاولى أن هذه المهمة تكاد تكون صعبة بل مستحيلة في ظلّ الواقع اللبناني، إلا أنّ هذه الهيئة تسمح للمواطن اللبناني أن يأمل في البدء في مكافحة الفساد وفق نظرية إصلاحية وآلية معالجة مرتبطة بسياسة عامة. ولقد سبق أن نجحت هذه الآلية في بلدان عدة مثل ليتوانيا وتشيكيا، حيث اعتمدت آلية تحفّز المواطن على المشاركة الفاعلة في محاربة هذه الظاهرة.

والسؤال الذي يُطرح متى سيتمّ إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ظلّ النظام السياسي الطائفي والمذهبي في لبنان؟

دكتورة في العلوم السياسية والإدارية

باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى