تحديات وعراقيل تواجه «مناطق خفض التوتر»… وروسيا تحذر!
سومر صالح
مبادرةٌ روسيةٌ وقائيةٌ من خارج الاجتماعات الرسمية للضامنين في سياق أستانة للحلّ في سورية، فرضتها الطبيعة المتسارعة للمشاريع التي تحاك ضدّ سورية في الجنوب والشمال، كانت عنواناً للقاء الرئيسين بوتين وأردوغان 3/5/2017 وعنواناً للمكالمة الهاتفية بين الرئيسين بوتين وترامب 2/5/2017 ، وسريعاً ما وجدت آذاناً صاغيةً لدى تركيا التي وافقت على مضمونها، وأصبحت عنواناً للجولة الرابعة من سياق أستانة، ورغم الأجواء الكبيرة من التفاؤل التي أثارها هذا التوافق على نص الوثيقة الخاصة بمناطق تخفيف الصراع حال إعلانه، إلّا أنّ هذه الحماسة سرعان ما خبت إقليمياً، فبدأت نبرة الأردن تتغيّر سريعاً بإعلانها «الوقوف على الحياد بشأن مناطق وقف التصعيد» واستعدادها لشنّ عمليات عسكرية داخل العمق السوري، مع معلومات إعلامية تفيد بتجهيز مئات من المسلحين في منطقة التنف الحدودية مع سورية، واستنفار طائرات هليكوبتر أميركية لدعم عدوانٍ ما يُحضّر لها في الجنوب السوري، ترافقت هذه السخونة في السلوك الأردني مع بدء مناورات ما يعرف بقوات «الأسد المتأهب» بمشاركة 23 دولة واكثر من 7000 جندي للتحالف… وبدورها السعودية وقطر لم تبديا حماسةً كبيرةً للاتفاق التركيّ الروسيّ الجديد، وسيطر الحذر الإقليمي على غرار الموقف الأميركي من هذا الاتفاق مدفوعاً بتحذيرٍ روسيٍّ حاسمٍ بالردّ نارياً على مصادر انتهاك الاتفاق الجديد بانتظار جولة ترامب الإقليمية 22/5/2017 لحسم الموقف الإقليميّ وما يحمله من أبعاد تصعيدية ربما، ولكن، ورغم الانتهاكات التي حصلت في اليومين اللذين أعقبا التوقيع على نص الوثيقة الخاصة بمناطق تخفيف التوتر، إلّا أنّ نتائج مهمة بدأت تتبلور سريعاً في الداخل السوري، فتسارعت خطى التسويات في القابون وبرزة واليرموك إيذاناً بموجهة أخرى من التسويات حال نجاح الاتفاق، ناهيك عن التقدّم الحاصل شرق تدمر عسكرياً باتجاه محورين التنف ودير الزور لفك الحصار…
وبناءً على ما تقدّم يواجه اتفاق مناطق خفض التوتر في سورية العديد من التحديات وربما العراقيل التي تضعه في إطار البطء في التنفيذ، وربما إفشاله، أقلّه في الجنوب السوري، وهذا يستدعي حركةً دبلوماسيةً نشطة من الضامنين إقليمياً للدفع نحو إنجاحه، ولا تبدو الخيارات الحاسمة في الردّ على منتهكي الاتفاق خياراتٍ مستبعدةً بل تبدو أكثر نجاعةً في بث رسائل التحذير من العرقلة، ويمكن تلخيص أبرز التحديات التي تواجه هذا الاتفاق بأربعة تحدياتٍ أساسية:
التحدي الأول هو تحدي الإدامة، بمعنى تثبت وقف إطلاق النار لمدة لا تقلّ عن ستة أشهر تكون كفيلةً بنقل الاتفاق الى حيّز التطبيق بعد إنجاز ما يسمّى «المناطق الأمنية والخطوط الأمنية» ونقاط المراقبة، ونص الاتفاق واضحٌ بأنّ مناطق تخفيف التصعيد «اجراء موقت» يتمّ تمديده بتوافق الضامنين، وهو ما يعرّضه للانهيار بعد 6 أشهر إذا انقلب الموقف التركي وهو أمرٌ غير مستبعد.
التحدي الثاني هو التحدي الدبلوماسيّ، بمعنى الترويج لهذا الاتفاق دولياً وتكريسه بقرارٍ أمميّ ملزمٍ وهو الآتي – أيّ الاتفاق – من خارج اجتماعات وتفاهمات مجموعة الدعم حول سورية SSIG فالعبرة هنا بالإلزام وليس مجرد إصدار بيانٍ رئاسيّ داعمٍ من مجلس الأمن، وهذا أمرٌ لن يتمّ بتقديري ما لم تحدث مفاوضات جادّة بين روسيا والولايات المتحدة على أكثر من ملف وقضية ونقطة اشتباك، رغم المرونة التي أتاحها نصّ الاتفاق مع المصالح الأميركية، بما يجنّب الطرفين الروسي والأميركي التصعيد المباشر.
التحدي الثالث وهو الأكثر تعقيداً وهو إعداد الخرائط الخاصة بمناطق تخفيف التوتر والخطوط الأمنية بحلول 4 حزيران المقبل بما فيها فصل الفصائل المسلحة عن تلك الإرهابية الواردة تسميتها في الفقرة 5 من نص القرار بل وقتال هذه الفصائل الإرهابية في داخل المناطق الأربع وهو أمرٌ يبدو صعباً في ظلّ تحالفٍ عضويّ بين تلك الفصائل و«جبهة النصرة» وارتباط تلك الفصائل بأكثر من طرفٍ إقليميّ أيضاً، فمنذ بداية جولات استانة مطلع العام الحالي 23/1/2017 وقبلها فيينا 30/10/2015 وجوهر الإشكال هو المماطلة التركية الأميركية في فصل الفصائل المسلحة عن جبهة النصرة تحديداً، فهل تركيا قادرة بمفردها حال توافر النية، ولا أعتقد توافرها بطبيعة الحال، على إنجاز هذا الفصل؟ وفي حال أقدمت تركيا على هذه الخطوة فما موقف الولايات المتحدة والسعودية وحليفتها قطر من إجراء كهذا؟ وبالتالي خطوةٌ مثل تلك ستحفّز واشنطن أكثر فأكثر على العدوان على سورية بذرائع مختلفة لأنها بذلك تكون خسرت أداةً مهمة في الحرب على الدولة السورية وهي جبهة النصرة الإرهابية.
التحدي الرابع هو تحدٍّ تقنيّ وبطبيعة الحال سياديّ مرتبط بموافقة الحكومة السورية بعد النقاش معها، ويتعلق هذا التحدي بالتفاصيل المثيرة للجدل والحساسة التي تتضمّنه الوثيقة الخاصة بإنشاء هذه المنطقة ويمكن إبراز تحديين جزئيّين أساسيين في هذا السياق، الأول هو «المسائل الإدارية»، وبمعنى آخر تحديد طبيعة « الحكم المحلي» التي ستدير «شؤون السكان المحليين» – حسب نص الوثيقة – في المناطق الأربع، وعلى ما يبدو أنّ النسخة الرسمية لنصّ الاتفاق قد تجاهلت هذا الموضوع بعدما كان وارداً في المسودة المقدّمة للمقترح، وهو ما كان حاضراً أيضاً بقوة في اجتماعات التقنيين للدول الضامنة في اجتماع طهران مؤخراً في نيسان الماضي، فالصيغة الإدارية لهذه المناطق ليست أمراً متفقاً عليه بين الأطراف الضامنة من جهة وبين تلك الأطراف والدولة السورية صاحبة السيادة من جهة أخرى، وتتعدّد النماذج المطروحة للتفاوض بين لامركزية إدارية مخففة ريثما تستعيد تلك المناطق عافيتها وتنتهي فيها المظاهر المسلحة، وبين محاولة تركية لمأسسة الحكم القائم في تلك المناطق إدارياً بشكل مؤقت إلخ… والنقاش والتفاوض لم يحسم بعد على هذه النقطة بين الضامنين أنفسهم ومع الدولة السورية من جهةٍ مقابلة، أمّا التحدي الجزئي الثاني فهو مرتبط بإمكانية نزول قوات من الضامنين إلى المناطق الأمنية المقترحة وإمكانية نزول قوات ثالثة بتوافق الضامنين، وتبدو هذه القضية خلافيةً ومعقدةً وتحتاج إلى تفاهمات مع حكومة دمشق التي وافقت وأيّدت المقترح الروسي ولكن دعا رئيس وفدها المفاوض في استانة 4 الدكتور بشار الجعفري الدول الضامنة روسيا وإيران إلى مناقشة تفاصيلها في دمشق «في أسرع وقت ممكن»، وأعاد الوزير وليد المعلم طرحها والتأكيد على الثوابت السورية في هذه الجزئية عندما قال في مؤتمره الصحافي 8/5/2017 : «لن يكون هناك وجود لقوات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة والضامن الروسي أوضح أنّه سيتمّ نشر قوات شرطة عسكرية ومراكز مراقبة».
ورغم تلك العراقيل الكبيرة التي تواجه تنفيذ الاتفاق، إلّا أنّه جنّب سورية موقتاً عدواناً أميركياً بريطانياً من الجنوب السوري وأجّل مشروعاً تركياً في إعادة نموذج درع الفرات في منطقة تل أبيض السورية، وفتح المجال كبيراً للجيش السوري في الاتجاه شرقاً نحو دير الزور المحاصرة من قبل الإرهاب، ولكن يبقى نجاحه مرتبطاً بدرجةٍ كبيرةٍ بلقاء الرئيسين ترامب و بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ 7/6/2017 ، والتي سيسبقها جولة ترامبية في الشرق الأوسط 22/5/2017 ، وإلى ذلك الحين رسمت روسيا وسورية من رحم هذا الاتفاق معادلة نارية في مواجهة «جبهة النصرة» الإرهابية وحلفائها في حال فشل الاتفاق وأجهضته الولايات المتحدة، ليكون عنوان المرحلة المقبلة «تصفية جبهة النصرة» سواء نجح الاتفاق أو فشل، ولكن الاتفاق أتاح للدول الداعمة لجبهة النصرة مخرجاً واقعياً لتجنّب تداعيات المواجهة المقبلة بين حلف مقاومة الإرهاب وبين الإرهاب وداعميه والمستثمرين فيه.