كتب فريد جيروم لموقع Huge Breaking News
ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق
غسيل الأموال
في ما يتعلّق بقانون النوايا المادية، أيّ قانون غسيل الأموال والذي ينصّ على رفض «كلّ ما يُنقل، أو كلّ محاولة نقل لأداة نقدية أو للأموال من أيّ مكان خارج الولايات المتحدة، بقصد تعزيز التصدّي للأنشطة غير القانونية، مع العلم أنّ الصكّ النقدي أو الأموال المعنيّة، تعتبر عائدات لأيّ شكل من أشكال النشاط غير المشروع. ومن المعروف أنّ جميع وسائل النقل باختلاف أنواعها مصمّمة بالكامل أو من خلال أجزاء تأتي متماهية مع الطبيعة، الموقع، المصدر، والملكية أو السيطرة على عائدات الأنشطة غير القانونية المحدّدة أو لتجنّب شروط الإبلاغ عن معاملات بموجب قوانين الولاية أو القانون الاتحادي، حيث لا تتجاوز قيمة الحكم الصادر مبلغ 500 ألف دولار أميركي، وقد يزيد هذا المبلغ قليلاً في بعض الأحيان، أو قد تأتي على شكل عقوبة سجن تصل الى عشرين سنة، أو الحكمين معاً.
تقول دعوى التميمي v.s أديلسون في الصفحة 94، إنّ جميع المدّعى عليهم مذنبون بتهمة تحويل الأموال عن طريق البريد أو الأسلاك عبر الحدود الدولية الى مختلف المستوطنات، علماً أنّ تلك الأموال ستُستخدم عن طريق التسوية لتسليح السكان المستوطنين المحليين كما كان يسعى مع الجيش الإسرائيلي مع القوى الأمنية إلى التدمير الغاشم للممتلكات وإلى التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، وكذلك المنظمات الخيرية كمنظمة «أصدقاء» جيش الدفاع الإسرائيلي، التي قد يلحقها أيضاً فرض بعض الغرامات ما يؤدّي إلى ضرورة تحويل أموالها إلى الخارج.
ومن بين مدّعين آخرين، في قضية التميمي v.s أديلسون، يبرز إيرفينغ موسكوفيتش، الذي يعدّ من بين أبرز المعفيّين الرئيسيّين من الضرائب، وبالنسبة لصحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، في تقريرها الصادر في 6 أيار عام 1996، فقد ركزت على أنّ «تمريرة» المنظمات المصمّمة، تصبّ في مصلحة تمويل التوسّع في المستوطنات الفلسطينية المحتلة وشراء العقارات في القدس الشرقية، بما في ذلك وكما أشرنا سابقاً تدمير المسجد الأقصى وقبّة الصخرة.
وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد موّل موسكوفيتش هذه «التمريرة» لبناء مستوطنة «اليشيفا» وهي عبارة عن معهد ديني بكلفة 785000 من الأموال المغسولة التي يعود ريعها الى إنشاء جيوب يهودية فقط في القدس الشرقية. أما اليوم، فإنّ المستوطنين يحاولون إزاحة آخر عائلة فلسطينية من هذه الأماكن عبر الضغط عليها من خلال قطع التيار الكهربائي بالقوة، وإزالة وحدات تكييف الهواء، ما يجعل تلك الأسرة خاضعة للقوانين الإسرائيلية العنصرية.
قانون الغائبين
من بين العديد من المؤسسات التي تستفيد من هذا التمويل والدعم غير المشروع، جمعية «اليشيفا» التي أسّسها الحاخام المسلّح زلمان ميلاميد، الذي لا يتوقف عن حثّ الجنود الإسرائيليين على عصيان الأوامر بإخلاء المستوطنات، أو عن المجادلة بشأن قضية المثليين باعتبار أنّ ميولهم الجنسية المثلية نابعة من الأنظمة الغذائية التي يتبعونها. أما جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، فهو من المتبرّعين والمانحين الرئيسيين في هذه المؤسسة، ويبدو أنّ ترامب نفسه قد تبرّع عام 2003 بمبلغ 10000 لصالح جمعية «اليشيفا» عبر رئيسها فريدمان الصديق المقرّب لترامب.
وبعد أن تبوأ منصب الرئاسة، وأدّى اليمين الدستورية كرئيس، عيّن ترامب فريدمان سفيراً للولايات المتحدة لدى «إسرائيل». ويشير فريدمان الى أنّ السفارة الأميركية لم تكن قد انتقلت الى القدس، وأنه لا يزال بالإمكان تصريف الأعمال التجارية في القدس الشرقية، كونه يمتلك منزلاً هناك.
حائط الصمت
وربما يكون السؤال التالي من أهمّ أسس هذه الدعوى ذاتها: لمَ لم يسمع الكثيرون عن هذه الدعوى؟ لمَ تحيط «نيويورك تايمز» ووسائل الإعلام الرئيسية في البلد هذه القصة بجدار مرتفع من الصمت والسكون؟ وعندما أشرع في تفسير الأمر لأصدقائي من أنّ هؤلاء المليارديريّين وبعض الشركات التي كانت تعمل بشكل غير قانونيّ مع مجموعات غير ربحية لتحصيل الملايين تمنح هذه الأموال لـ «إسرائيل»، تأتي الاستجابة الأكثر شيوعاً لهذا الخبر، اندهاشاً وصلني ولمسته من العديد بشكل يوميّ حيث كانوا دائماً يضيفون: نحن متفاجئون أننا لم نسمع عن شيء من هذا القبيل سابقاً.
ومع ذلك، فقد أرسلتُ في 15 كانون الثاني عام 2016، بريداً إلكترونياً الى رئيس تحرير «نيويورك تايمز» أتى فيه: قدّم المحامي مارتن ماكماهون 7 أيار من العام 2016 دعوى في محكمة المقاطعة الفيدرالية في العاصمة واشنطن ضدّ شيلدون أديلسون وسبعة ميليارديريّين آخرين – عدا ترامب – ممن أرسلوا الملايين من الدولارات لدعم «إسرائيل» وسياستها وبناء المستوطنات في الضفة الغربية. المدّعون في هذه الدعوى بلغ عددهم الأربعين مدّعياً من الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم وأراضيهم وأفراد من عائلاتهم، ويعيشون في الولايات المتحدة وفي فلسطين المحتلة، وذلك خلال الصراع العنيف الذي كان دائراً طوال العقد الماضي. وحسبما أذكر وبصدق لم تلقَ هذه القصة أيّ اهتمام من التايمز خلال شهر آذار، ولا حتى أيّ كلمة منذ ذلك الحين.
ولو كانت الحال كذلك، فهل من يشرح لنا الأسباب؟
وكان الردّ من التايمز ومن محرّرها العام ليز سبايد بعد ذلك بساعات قليلة، مشابهاً لردود أفعال أصدقائي حين قراءتهم لموضوع الدعوى. وقال بأنه ومساعدته قد عملا على قراءة كلّ رسالة تلقياها، غير أنهما عاجزان عن الردّ على جميع هذه الرسائل بشكل شخصيّ. ووعد بأنه سيتواصل معنا.
إذاً، يبقى السؤال: لماذا تعمّدت وسائل الإعلام الرئيسية التعتيم على هذه الدّعوى الفلسطينية؟ ومن أجل الإيجاز، دعونا نركز قليلاً على «نيويورك تايمز» التي غالباً ما تضع جدول أعمال لبقية الأعمال الصناعية. ومن الصعب لنا أن نتخيّل طبيعة السبب الكامن وراء عدم نشر صحيفة التايمز لتقرير حول الدعوى القضائية الفلسطينية والتي كان من المناسب جداً طباعتها ونشرها. وعلى الرغم من أهمية هذه القضية، إلا أنّ إدارة أوباما وكذلك الأمم المتحدة قد امتنعتا عن التصويت وإدانة بناء المستوطنات الإسرائيلية، ويبدو أنّ إدارة ترامب الحالية ستتحوّل بعيداً من هذا النهج.
وقد يكون من السهل التورية عن مثل هذه الأمور في الوسائل الإعلامية حيث أغلقت عمليات الاندماج عدداً من الوسائل الإعلامية، في حين تحوّل آخرون الى العمليات عبر الإنترنت. ومن المعروف أنّ صحيفة التايمز قد عمدت مؤخراً الى خفض عدد موظفيها، وقد يكون هذا سبباً في عدم وجود مراسلين لتغطية بعض الأحداث. وإذا كانت هذه هي الحال، فإنه يمكن للقرّاء أن يفتقدوا نشر المزيد من المقالات، كما حدث أوائل العام 2017، حيث من المتوقع الإعلان عن جولة جديدة من إيقاف عمل بعض الموظفين بسبب الانخفاض المطلوب في عدد النسخ المطبوعة المُباعة، وخصوصاً تلك المرتبطة بالدعاية والإعلان.
وربما تكون التايمز قد فشلت في تغطية قصة «دعوى البليونيريين»، بحجة التخوّف من مقاطعة «إسرائيلية» للصحيفة أو للمحرّرين. وفي كتابي «أينشتاين حول «إسرائيل» والصهيونية»، أورد الكثير من التفاصيل حول مساهمة التايمز في خلق الشبيه والبديل لأينشتاين، الذي استمات في الدفاع عن إنشاء دولة «إسرائيل»، في الوقت الذي أمضى فيه أينشتاين المبدع، ثلاثين عاماً من حياته يتكلم علناً ضدّ قيام دولة يهودية. وربما، وبهدف تجنّب المواجهة العلنية مع أينشتاين، انتظرت التايمز الى حين وفاة هذا العالِم العظيم، حتى أصدرت النسخة الجديدة لورقة نعيه! أنظر «كيف نصنع أسطورة»، ص 225-232 من كتابي «أينشتاين حول «إسرائيل» والصهيونية» .
ومن المؤكد أنه عندما تكون لدى وسائل الإعلام أيّ تحيّز من أيّ نوع، فإنها نادراً ما تقوم بتداول المذكرات لتخبر موظفيها عما يكتبونه وما لا يكتبونه. غير أنّ أيّ صحافيّ عمل في صحيفة يمكن له أن يخبرك أنّ تدريب فريق العمل على النشر المتحيّز للقصص المحبوبة لم يعُد يستغرق وقتاً طويلاً. وعندما كانت القصص تطبع وتُنشر على الورق، فإنّ قطعاً معدنية كبيرة، غالباً ما كانت توضع على مكتب المحرّر السياسي، ومهما حاول المحرّرون التمنّع عن النظر الى هذه القطع فإنهم دون شك سوف يحصلون على بعض فتاتها.
ولحسن الحظ، فإنّ «واشنطن بوست» و«التايمز» وغيرها من الوسائل الإعلامية الكبيرة في البلاد، لم تعُد هي الوسائل الوحيدة التي تدير اللعبة برمّتها هناك. وفي ما يلي بعض أبرز العناوين المهتمة بقضية الدعوى الفلسطينية من قبل بعض «وسائل الإعلام البديلة» والتي ركزت الاهتمام على هذه المسألة طيلة العام الماضي:
– كيف للجمعيات الخيرية في الولايات المتحدة أن تكسر قوانين الضرائب لتمويل المستوطنات الإسرائيلية؟ «الانتفاضة الإلكترونية»
– لماذا يدفع دافعو الضرائب الأميركيون للمستوطنين الإسرائيليين اليمينيين؟ Mother Jones
– «الكفاح من أجل السكان الأصليين يمتدّ الى الفلسطينيين» ThinkProgress.org
– «أصدقاء صندوق الدفاع الإسرائيلي يرتفع الى 27 مليون دولار رغم أنف وسائل الإعلام» Counterpunch
– «دعوى قضائية تهدف إلى تحقيق مجموعات اتحادية في مجموعات تمويل الولايات المتحدة» Mondoweiss
لكن، ماذا عن ردود الأفعال حيال هذه الدعوى في «إسرائيل»؟ من المؤكد أنّ النظام الصهيوني هناك لا يمكن أن يكون سعيداً في أيّ دعوى قضائية من شأنها أن تستهدف الملايين من الدولارات التي ترِد سنوياً اليه.
ويبدو أنّ غالبية المسؤولين الإسرائيليين قد أغرقوا رؤوسهم في الرمال: متّبعين سياسة التجاهل والتغاضي.
لكن، وعندما وُثّقت هذه القضية للمرة الأولى في آذار عام 2016، فإنّ خبيراً قانونياً في «إسرائيل» ويُدعى نيتسانا دارشان لايتنر، وهو مؤسس مركز القانون الإسرائيلي «شورات هادين»، قد وصف هذه الدعوى بـ «التافهة»، وأن «لا أمل في بقائها على قيد الحياة»، كما توقعت أنه سيتمّ رفضها بسرعة.
وفي الواقع، فإنّ القاضي الاتحادي تانيا شوتكان، في محكمة العاصمة واشنطن، كانت قد صرّحت رسمياً بأنها ستعيد النظر في القضية مرةً أخرى.
وفي الواقع، فإنّ دعوى الفلسطينيين التي أقامها ماكماهون ضدّ المليارديريين تأتي في وقتٍ حرجٍ للغاية في مسار السياسة الأميركية. وقد عبّر المسؤولون الأميركيون عن ذلك في بعض تحليلاتهم عبر العديد من وسائل الإعلام الحديثة، بما فيها عدد تحليل شهر كانون الثاني من مجلة السياسة الخارجية، وأكدت شعور المسؤولين الأميركيين بأنّ الحفاظ على علاقاتهم مع الأردن وغيرها من «حلفاء النفط» في الشرق الأوسط، يُفترض أن يأتي ضمن نطاق توسعٍ إسرائيليّ محدود في الوقت الحالي إنه بالكاد موقف يعارض السياسة الإسرائيلية، علماً أنّ العديد من الصهاية سينظرون اليه على هذا النحو فقط لا غير.
صراعٌ مستمرّ
إنّ قصة المدّعين الفلسطينيين المدرجين في دعوى التميمي v.s أديلسون، هي قصة المئات والآلاف من فلسطينيّي اليوم، إنها قصة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والكفاح ضدّ الاستعمار. لقد وُصفت قصتهم أحسن وصف في كتاب لبين إهرينيتش بعنوان «الطريق نحو الربيع: الحياة والموت في فلسطين،» وبشكلٍ أكثر وضوحاً من خلال ثلاث مقاطع فيديو مدتها عشر دقائق نشرتها عائلة التميمي على موقع اليوتيوب:
Nabi Saleh 28-8-2015 – 2011-12-9 Mustafa Tamimi – Rushdi Tamimi Nabi Saleh Nabi Saleh 24-8-2012
قد يؤكد باسم التميمي أنّ الدعوى ضدّ الميليارديريين هي خطوة جيّدة جداً. ومن المؤكد أنّ جميع الفلسطينيين المدّعين يوافقون على أهمية هذه الخطوة.
أما ماكماهون، فهاكم كيف يرى الى هذه القضية: «لا بدّ من أنّ جميع الأوقات مؤاتية للقيام بمثل هذا التحرّك. فالفلسطينيون يعانون من الاحتلال الوحشي منذ أكثر من خمسين عاماً، وما هذه القضية سوى خطوة واحدة في سبيل تحسين ظروفهم وواقعهم. هؤلاء سُرقت ممتلكاتهم، ترك أكثر من 400.000 ألف فلسطيني منازلهم في الضفة الغربية، ودُمّر أكثر من 49.000 منزل، وتقبع البقية الباقية اليوم هناك في «سجون مفتوحة». والمدّعى عليهم في هذه القضية قد جنوا بلايين الدولارات جرّاء هذا الاحتلال الغاصب لأراضي الفلسطينيين.
لكن، ما هي فرص نجاح مثل هذه القضية؟ يقول ماكماهون: «يكفي أننا نعرض لجرائم «إسرائيل» المموّلة بأموالنا ونجعلها تحت أنظار العالم».