السوريون كتبوا تاريخهم بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة و«جنيف» لن يصنع وطناً ولا يُلغي أمة
اياد موصللي
التاريخ عندما يسجل وقائع وأحداث او مآثر لأمة ما.. يكون ما يسجله هو ناتج عمل أو فكر أو أثر في حقل أو ميدان.. ومما يكون قد سجله التاريخ نعرف طبيعة هذه الأمة وخلقها ومناقبها..
فتاريخ سورية عندما تقرأ ما حواه تبرز أمامنا حقيقة جلية واضحة هي أننا أمة أبت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لنا في الحياة..
فتاريخنا حافل بمواقف العز، لذلك لم نخش ان تحوّلنا النكبات من أمة قوية الى أمة ضعيفة، والأحداث الأخيرة التي شهدتها بلادنا من الشام الى العراق مع كلّ مآسيها لم تجعلنا في حالة يأس وقنوط من مصير مظلم مجهول الأبعاد تصل اليه بلادنا بفعل التآمر..
يوم جاء الفتح العربي بقيادة خالد ابن الوليد وحاصر دمشق وطال الحصار.. وكان يحكم الشام في ذلك الوقت البيزنطيون.. تحرك يوحنا الدمشقي.. فأرسل للقائد العربي الذي يقود جيشاً إسلامياً يريد احتلال دمشق والانتقال لبقية المدن ونشر رسالة الدين الإسلامي..
أرسل يوحنا الدمشقي لخالد ابن الوليد يقول له لا يمكن احتلال دمشق من حيث انتم تحاصرونها.. انقل جنودك الى الباب الشرقي وسنعمل على مساعدتكم لدخول المدينة وحدّد له يوماً يمكن فيه تحقيق الهدف حيث تشغل السلطة والبلاد احتفالات رسمية.. وفي الموعد المحدّد كان أتباع يوحنا قد صنعوا سلالم من الحبال ألقوها الى الجيش العربي فتسلّق عليها جنوده وقفزوا فوق الأسوار وبمساعدة من السكان سيطروا على الأبواب وفتحوها ودخل الجيش وتمّ احتلال دمشق..
سئل يوحنا كيف تقوم بما قمت به وتساعد جيشت آتياً لاحتلال بلادك ونشر دين الإسلام وانت مسيحي.. فأجاب انهم عرب مثلنا..
ولم يشعر أهل دمشق بأنّ الفاتحين قوة غريبة ولا مستبدّة ولا طاغية وقالوا للسكان لكم دينكم ولنا ديننا ولا تزال جميع معابد ذلك الزمن قائمة الى اليوم..
وعندما احتلت فرنسا الشام ولبنان بموجب اتفاقية سايكس بيكو.. عمد القائد الافرنسي الجنرال غورو حاكم البلاد الى تقسيم الشام إلى أربع حكومات على أساس طائفي.. وهي حكومة حلب السنية، حكومة جبال العلويين العلوية، حكومة دمشق السنية وحكومة جبل العرب الدرزية.. وجعلوا على رأس كلّ حكومة رئيساً بلون طائفي من لون طائفة المنطقة التي ألفت منها هذه السلطة..
رفض الجميع هذا الأمر وأعلنوها ثورة بدأت بجبال العلويين حيث ثار رئيسها المعيّن شاهين العلي وقاد المعارك ضدّ الافرنسيين مطالباً بوحدة البلاد، وكذلك فعل الدروز في جبل العرب والسنة في حلب ودمشق، وانتصروا… عندها تراجعت فرنسا وأعادت للبلاد سلطة واحدة تحكم شعباً واحداً..
ويذكر السوريون في الشام جيداً ثورة 1925 ضدّ فرنسا.. فأثناء ثورة سلطان باشا الأطرش وابراهيم هنانو وحسن الاشمر شعر الثوار في دمشق بحاجتهم للذخائر والعتاد فتشوا فلم يجدوا مصدراً وجاء من يبلغهم انّ ما يحتاجونه متوفر في منطقة حماة ولدى العشائر هناك.. وبدأ السؤال كيف يمكن الحصول على احتياجاتنا وكيف سنتمكن من نقلها الى دمشق والجيوش الافرنسية منتشرة في كلّ البقاع..
وجاء من يهمس في الآذان انّ المطران حريكة مطران الروم الارثوذكس ابن بلدة محردة في ريف حماة يمكنه مساعدتنا.. وهذا ما حصل أبلغ المطران القائد الافرنسي انّ الأديرة في محيط مدينة دمشق بحاجة لمواد تموينية وغذائية. وانها متوفرة لديه في الدير ولكنه يخشى إرسالها ونقلها لئلا يهاجمها الثوار ويستولوا عليها.. فأبلغه القائد الافرنسي جهّز ما تريد واعلمني وسأتولى تأمين حماية ما ترسل وهذا ما حصل ملأت ظهور الايل بأكياس المواد التموينية وبداخلها دست الذخائر وسارت بحراسة الجنود الافرنسيين حيث سلمت لمن ينتظرها من الرهبان.. وبعد الاطمئنان سرّبت الى الثوار.
هذا ما سجله التاريخ من وقائع وأحداث لشعب سورية رغم كلّ ما تعرّضت له هذه الأمة.. فكانت السمة التي تميّزها في كلّ مراحل حياتها.
هذا تاريخ هذا الشعب الذي يريدون عبر مجموعات مأجورة مستأجرة عميلة مضللة يريدون تدميره وتفتيته وإثارة النعرات بينه وفتح المجال امام أعدائه ليعبروا..
هذا الشعب الذي كان من أبرز قادته فارس الخوري زعيم وطني ورئيس حكومة وميخائيل اليان زعيم بارز شعبي في حلب..
اليوم تجري مفاوضات ومباحثات في استانة وجنيف لنشر حبال الودّ والوئام، وأقول للسوريين الأصيلين… عوا مهمتكم بكامل خطورتها وحافظوا على هويتكم وحقيقتكم، فأنتم أهل هوية وإيمان وتاريخ ولا تفسحوا الطريق أمام المتآمرين الذين يريدون بكم ولكم الأذى إذا كنتم تختلفون على الحكم وأسلوبه فالحكم يتغيّر والشعب والوطن يبقى ولا يذهب بالوطن الا الخيانة والغدر..
وإذا تأمّلنا تاريخ اليهود.. لوجدناه مليئاً بالذلّ والخداع والدجل والتوسّل.. والزحف لنيل دولة على حساب أرض غير أرضهم وشعب غير شعبهم.. كانوا ولا زالوا شذاذ آفاق لن تجعل منهم الدول المغتصبة دولة فالدول والشعوب تبنى بالقيم والأخلاق والمناقب..
انّ آلاماً عظيمة… لم يسبق لها مثيل في التاريخ تنتظر كلّ ذي نفس كبيرة فينا.. كونوا لبلادكم وأمتكم واكتبوا تاريخها بجرأة الأحرار.
تتباين الآراء والأفكار والنظرة الى الأمور، وتتلاقى اذا صفت النوايا ونظفت النفوس فبلادكم قيل فيها:
ربي هذهِ جنةُ
الدنيا عبيراً وظلالا
كيف نمشي في رُباها
الخُضر تيهاً واختيالا
وجراحُ الذلّ نخفيها
عن العزّ احتيالا
ردها قفراءُ إن
شئت وموجهّا رمالا
نحن نهواها على الجدبِ
إذا أعطت رجالا
جنيف لن تعطي وطناً ولا حقاً ولا تزيل وطناً ولا حقاً.. أنتم الذين سوف يكتب التاريخ ما فعلتم.. عوا مهمتكم بكامل خطورتها وعودوا الى صدر وطنكم واشبكوا زنودكم وقفوا وقفة العز..
لم تعرف بلادنا من الشام، لبنان، العراق، فلسطين، الاردن إلا الوحدة والتعاون والتضافر بوجه كلّ معتد وطأت قدماه ارضها. فلا يجوز ان يشوّه تاريخها بعض ممّن باعوا انفسهم لأعداء الأمة ويشوّهوا حقيقتها ومبادئها وعقديتها الروحية والقومية..
المؤتمرات واللقاءات لا تصنع أمناً وسلماً، هي مؤامرات مقنّعة، فالذي أعلن انّ إسرائيل هي الولايات المتحدة والولايات المتحدة هي «إسرائيل».. لا يضمر الخير والسلام لبلادنا وهو يبحث عن عملاء أجراء لا أصدقاء وحلفاء..
كونوا أحراراً من امة حرّة وإلاّ فحريات الأمم عار عليكم..
هنالك مثل عامي يقول: «إذا ما متت، انظر لمن مات.. ها هو اليمن شعب يقتل ذبحاً ومرضاً وجوعاً والقاتل جار قريب واخ في الدين والأرض، وشريك القاتل غريب بعيد في الانتماء عدو الأرض والسماء. وها هم أبناء أمتنا مهدّدون بالموت في سجون عدو اغتصب الأرض والحرية يتغطرس ويتجبّر ويقف أولئك الذين يدّعون أنهم حماة الحرمين، يعدّون كلّ ما يستطيعون لتدمير أمتنا عبر صرف الأموال وإعداد الرجال من أجل قتل أبنائنا متحالفين مع عدو قال الكتاب الكريم عنهم:
«واعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل…» بدلاً من ان يعدّوا القوة لمحاربة هذا العدو الذي لعن حيثما جاء.. اعدّوا كلّ ما استطاعوا من أجل محاربة أمة تشكل معهم جبهة عربية على أرض عربية. هؤلاء الذين نحارب من أجل ان ننتصر بهم ونعزّهم يحاربون من اجل ان يدمّرونا ويزيلونا… في تحالف واضح مع عدو أمتنا، أولئك الذين لعنوا حيثما جاؤوا. لذلك تذكروا دائماً انه ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا الا اليهود ومن انضمّ اليهم من العملاء..
هؤلاء الذين يرفعون راية الإيمان ستاراً خداعاً نسوا القول الكريم «لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.. المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. هؤلاء يناصرون «إسرائيل» في كلّ ميدان.. احذروا.
وعوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل…