مختصر مفيد الأميركيون في آخر حروبهم
رغم الضجيج الكثير عن تغيير جوهري في التعامل الأميركي مع الملفات الساخنة لحساب خيار القوة منذ مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يستطيع المراقب الهادئ العقل أن يسجل سببين كافيين لاعتبار ذلك لغو كلام. فالرئيس الأميركي الجديد أضعف من كل سابقيه بقياس قدرته على دفع الأميركيين وأحزابهم وإعلامهم ومخابراتهم وقادتهم العسكريين للإجماع على أي خيار يتخذه. وهذا شرط مانع لخيار القوة بعدما امتنع أسلافه الأشدّ قدرة عن التعامل مع هذا الخيار للاعتبار الثاني. وهو فقدان أميركا القدرة على المخاطرة بحروب لم تعُدْ مضمونة، ونتائجها عموماً تورّط في نزاعات طويلة مكلفة وغير محققة النتائج، في ظل صعود قوتين دولية وإقليمية هما روسيا وإيران تشاركان الجغرافيا الاشتباكية مع الأميركيين. وما قالته هيلاري كلينتون يوم كانت وزيرة للخارجية لـ»الإسرائيليين» يصح في حال اميركا، إن زمن الحروب الخاطفة والنصر الحاسم قد صار شيئاً من الماضي. ومع رئيس يحقق الإجماع يصعب خوض المخاطرة، فكيف مع رئيس يقسم البلاد من حوله لأكثر من نصفين؟
خرج الأميركيون من حرب العراق ولم يخرجوا من العراق، وخرجوا من حرب أفغانستان ولم يخرجوا من أفغانستان، وخرجوا من حرب سورية ولم يخرجوا من سورية. وهذا الوجود في الجغرافيا لم يعُد يؤهلهم لخوض الحروب الكبرى لتعديل الموازين. فكل شيء تغيّر ضدهم، بل باتت أمامهم فرصة خوض الرهان على حرب صغيرة تؤهّلهم لمفاوضات تفتح باب تسويات ندية، وليس من حرب صغيرة ذات قيمة وتأثير إلا حرب الحدود السورية العراقية كحاجز يمسكونه بين عمق آسيا وضمنه الصين وإيران نفطاً وأمناً وتجارة، وبين البحر المتوسط وضمنه سورية والمقاومة وأمن إسرائيل .
آخر الحروب الأميركية هي التي تخاض اليوم على دير الزور والميادين والبوكمال والقائم، وهي حرب فاصلة لترسيم صيغ التسويات وخريطة الشرق الأوسط الجديد، والقمة التي ستعقد في السعودية ويحتشد لها كل جماعة أميركا هي قمة هذه الحرب من جهة، وما بعدها في حالتي النجاح والفشل، حشد الحلفاء لحرب وحشدهم لقبول التنازلات في آن واحد وإعادة ترسيم الأدوار من السودان إلى باكستان. وفي المركز التراجع السعودي عن الأدوار الكبرى والبديل زيارة تاريخية..
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.