أردوغان: العودة إلى رئاسة الحزب وإلى الاتحاد الأوروبي
د. هدى رزق
عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى رئاسة حزب العدالة والتنمية بموجب استفتاء 16 نيسان الذي يسمح لرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي الجديد بتبؤ رئاسة حزبه. كان المرشح الوحيد الذي تمّ التصويت له. من المتوقع أن يستخدم أردوغان هذا التفويض للقيام بإصلاحات داخل الحزب بعد ان كان جزء من أعضاء الحزب قد أعرض عن تأييد النظام الرئاسي.
لن يدخل الجزء الأكبر من صلاحياته الجديدة حيز التنفيذ إلا بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرّر إجراؤها في الوقت نفسه في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. من اجل ذلك يريد أردوغان تعزيز قبضته على البلاد والحزب لضمان فوزه في الانتخابات بشكل كبير، وليس كما جرى في 16 نيسان الماضي، حيث يعتقد كثيرون بأنه جرى التلاعب بالنتائج. يعلّق الرئيس آماله على دعم قاعدته القومية ويستقطب المحافظين الأكراد الذين يرتبطون مع الحكم بمصالح شخصية وهو بنى تحالفاته مع زعماء القبائل الذين يعارضون حزب العمال الكردستاني، حيث أثبت هذا التحالف فعاليته الانتخابية. أعرب أردوغان في المؤتمر عن أمله في أن يستأنف محادثات السلام مع سجين اميرلي اوجلان، إلا أنه في فحوى خطابه قال انه يعتزم مواصلة سحق ومقاضاة وسجن منتقديه، بمن فيهم أعضاء حزب الشعب الديمقراطي وأشاد بحراس القرى. وهم ميليشيات كردية من جذور قبلية مدفوعة الأجر أنشئت لمحاربة حزب العمال الكردستاني، جرى منحهم المزيد من الامتيازات في هذا المؤتمر وتمّ تغيير ثلث أعضاء المجلس. وتشير معطيات بأن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو سيكون من بين الذين سيتم استبدالهم في الحكومة وعن نية أردوغان تعيين صهره برات البيرق وزيراً للخارجية، ويُتّهم هذا الأخير بالتدخل في شؤون الدولة والحزب ما يثير غضب أعضاء في الحزب يُشار إلى أنهم من فريق مؤيد لأحمد داوود أوغلو فيما يحاول آخرون اتهام المعترضين بأنهم مقربون من غولن.
يبدو اذاً التغيير الوزاري قريب، فإذا كانت هناك انتخابات مبكرة بعد تشرين الثاني 2017، فلن يتمّ النظر في تغييرات جوهرية. ولكن إذا كانت الانتخابات المقرّرة ستُعقد في عام 2019، فسيكون هناك تغييرات شاملة وسيتم تغيير ما لا يقلّ عن سبعة أو ثمانية وزراء.
باتت خريطة الطريق واضحة سيسعى أردوغان إلى الفوز في 2019 عن طريق العودة الى مجد العدالة والتنمية أي اعتماد نموذج موجّه نحو النمو في الاقتصاد، وترتيب إرساء الديمقراطية، ومحاولة الحدّ من المشاكل في السياسة الخارجية. وكأنه يريد إعادة عقارب الزمن إلى الوراء أي إلى بدايات العدالة والتنمية. أكثر الجوانب صعوبة في إرساء الديمقراطية هي حالة الطوارئ المعلنة.
تمّ الاعتراف في مؤتمر الحزب بصعوبة الحصول على 50 زائداً واحداً. لذلك سيحاول أردوغان التركيز على العلاقة مع الإسلاميين والأكراد المحافظين والليبراليين، ويعاود طرح مشاريعه في المناطق الكردية بعد أن تدخل حزب العمال الكردستاني وفشل مبادرته السابقة. وسيحاول استقطاب المجموعات الكردية التي أدارت ظهرها لحزب العمال الكردستاني ولحزب الشعوب الديمقراطي. ولن يأخذ المبادرة في المناطق الكردية سينتظر حتى جلاء نتائج تحالف وحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي مع الأميركيين في سورية.
أما التعديلات فى قانون الأحزاب السياسية فستطال تخفيض عتبة الانتخابات البالغة 10 في المئة الى 7 في المئة. أما في شأن النظام الانتخابي فسيستهدف تعزيز اللجان البرلمانية كما سيتمّ اعتماد التنمية الاقتصادية من أجل نمو العمالة، وتعزيز القطاع السياحي ودعم المشاريع من خلال الوكالات الإنمائية وتعزيز المشاريع الضخمة مثل المطار الثالث في اسطنبول، وجسر تشاناكالي وطريق الحرير، وسيتمّ سنّ حزمة إصلاح الإنتاج. يهدف الحصول على نمو لا يقلّ عن 5 في المئة.
بعض المحللين يرى أن أردوغان يعوّل على أصوات اللاجئين السوريين الذين يتمّ إعطاؤهم جنسيات تركية ويتراوح عدد الذين يحصلون على الجنسية أكثر من مليوني سوري.
من أجل تحقيق خارطة الطريق هذه سيلجأ أردوغان الى الحدّ من التوترات في السياسة الخارجية الذي سيكون عنواناً للمرحلة المقبلة فهو انفتح على السوق الروسية، وبدأ بسياسة الاعتدال في سورية وبدا بإعادة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وتخفيف حدة التوتر بينهما التي طبعت مرحلة ما بعد الانقلاب والاستفتاء.
أما عمليات التطهير في داخل الدولة فسيستمرّ، كما أن الكوادر التي تمّ طردها من مؤسسات الدولة سيتمّ كما يجري حالياً ملؤها بكوادر قريبة من السلطة وغير معارضة.
يبدو الحزب الحاكم بحاجة إلى كوادر جديدة، وخاصة في الأجهزة الأمنية. لذلك اختار القوميين المتطرفين ليحلّوا مكان الغولينين، لكن العدو الرئيسي لهذه المجموعة هم الليبراليون والديمقراطيون والمفكرون اليساريون الذين يفقدون وظائفهم رغم أنه لا توجد روابط لهم مع غولن.
يبدو جدول أعمال السياسة الخارجية التي خفضت توقعاتها وطموحاتها محدوداً، فجدول أعمال تركيا للمحادثات مع ترامب كان قد اقتصر على القضايا الصغيرة: الرقة، منظمة فتح الله غولن، والمطالبة بإطلاق سراح رضا زراب بعد أن كانت تركيا تناقش المسائل الدولية والإقليمية. معظم الصحف التركية اعتبرت زيارة أردوغان لواشنطن فاشلة، لكنه في الحقيقة ومن وجهة نظره يرى ان الزيارة كانت ناجحة، لأن صورته مع ترامب قد أضفت الشرعية على قيادته في النظام الغربي. لا يريد أردوغان أن يكون جزءاً من عالم القيم الغربية. هو يريد إقامة علاقة الأخذ والعطاء، حاول الاتحاد الأوروبي العمل على أن تكون تركيا جزءاً من الغرب، لكن هذه المحاولة انهارت. ما تريده أنقرة من الغرب هو علاقة تبادل وألا يتدخّل في شؤونها الداخلية وألا تتعرّض لضغوط على حقوق الإنسان والديمقراطية وأن يكون الحكم في تركيا مقبولاً كما هو. هذا هو نوع العلاقة التي يريد أردوغان إقامتها مع ترامب، ومع الاتحاد الأوروبي حدث ذلك بالنسبة له مع ترامب ويريد المواصفات مع الاتحاد الأوروبي.
يعي أردوغان أن الاتحاد الجمركي الذي تتبناه تركيا مع الاتحاد الأوروبي وقف على بقاء محاولتها الانضمام الى عضوية الاتحاد، وإلا سيتعيّن عليها التفاوض على صفقة جديدة للتجارة الحرة مع الاتحاد. وليس من ضمانة أن تكون المزايا هي نفسها التي تتمتع بها تركيا اليوم إذا ما أرادت التوصل الى اتفاق جديد. فالعدالة والتنمية منذ وصوله الى الحكم 2002 حصل لتركيا على ما يزيد على 600 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي في اعتمادات وتتعاون تركيا مع الاتحاد في مسائل سياسية واجتماعية وأمنية وهي مسائل حيوية كمسألة اللاجئين والإرهاب. من المرجّح بقاء التعاون في ظل التعاون مع الدول الإسلامية ضد الإرهاب. لكن لتركيا مآخذ على تعاون الاتحاد الأوروبي مع حزب العمال الكردستاني. أما الودّ المفقود في العلاقة مع أردوغان، فلن يوقف التعاون مع تركيا لأن للاتحاد ولأنقرة مصالح لا يمكن تجاهلها كما أن ارتفاع الإسلاموفوبيا في أوروبا، التي لديها الملايين من المواطنين المسلمين، فهو يرغم أوروبا على إقامة علاقات سوية مع تركيا الجارة المسلمة من اجل عدم اثارة الحساسية والإسلاموفوبيا اتجاهها. كل هذا جعل اجتماع أردوغان مع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل حاسماً. فهو عدل من لهجته وأعرب عن رغبة تركيا في الحفاظ على طلب عضويتها ووصفها بأنها هدف استراتيجي يقوم على الاحترام المتبادل والمساواة للطرفين. حرص الاتحاد الأوروبي على عدم إغلاق الباب على تركيا، مفضلاً بدلاً من ذلك فقط الاشارة الى المبادئ التي وافقت عليها انقرة أيضاً. يبقى أن تركيا هي من ستقرر إن كانت ستبقى بعيدة عن هذه المبادئ او تقترب منها. ومن الواضح أنه الرغم ذلك، هناك إدراك من الجانبين بأن العلاقات يجب أن تستمرّ لأسباب عملية ولتمكين التعاون على المستوى العملي.