أقباط مصر جزء أساسي وحيوي… والمشروع «الإسرائيلي» تفتيت مصر
اياد موصللي
الاعتداء الذي تعرّض له بعض الأقباط المصريين وسقط بنتيجته عدد كبير من الضحايا قتلى وجرحى وليس هذا الاعتداء الذي جرى منذ يومين هو الأول.. فقد سبقته أعمال مماثلة..
هذا الحادث ليس عملاً طائفياً مجرداً تقوم به فئة متعصّبة حمقاء لا تعرف دينها بحقيقته، بل هذا العمل هو تنفيذ لجزء من المخطط الموضوع للمنطقة بكاملها، وكما تمّ وضعه من قبل «إسرائيل» لتفتيت المنطقة.. لأنّ أقباط مصر يشكلون عددياً ما لا يقلّ عن 10 من سكان مصر ويقطنون أكثر المناطق حساسية في صعيد مصر ويتمتعون بالقوة والصلابة والعنفوان.. قبل هذا الحادث الإرهابي الإجرامي الذي تمثل بمهاجمة حافلات تنقل أفراداً من الطائفة القبطية الارثوذكسية في محافظة المنيا يقومون بزيارة دينية الى دير الانبا صموئيل.. قبل هذا الحادث جرت عدة حوادث أخرى منها مهاجمة الكاتدرائية المرقصية في محلة العباسية في القاهرة ومهاجمة الكنيسة القبطية في الاسكندرية.
محاولات متعدّدة متكرّرة استهدفت وتستهدف أقباط مصر خصوصاً من أجل إحداث انقسام طائفي بين المصريين ما عرفوه في تاريخهم كله، وتفتيت الوحدة الوطنية التي حافظت عليها مصر قبل الإسلام وبعده، وإذا نجح هذا المخطط في مصر حققت «إسرائيل» مشروعها بكلّ سلاسة وهدوء وزالت من أمامها عقبات كثيرة جغرافياً وسياسياً ودينياً..
فالمشروع «الاسرائيلي» كما رسمه وحدّده بن غوريون قبل قيام «إسرائيل» يعكس بوضوح ما يجري اليوم على الساحة العربية من حروب واقتتال ومحاولات تجزئة الأمة ونشر الطائفية والمذهبية بين عناصرها المكوّنة لها، وأحداث مصر الاخيرة عنوان بارز من عناوينها. فقد حدّد ثلاثة عناصر لضمان وسلامة وديمومة «إسرائيل» وهي:
« 1 علاقات متينة مع الدول القوية التي تؤمّن الحماية الدائمة لـ»إسرائيل» مقابل أن تضمن «إسرائيل» مصالح هذه الدول. 2 تكوين جيش قوي يضمن الحماية لـ»دولة إسرائيل» من أيّ خطر يتهدّدها. 3 العمل على وتفتيت الدول المجاورة وخلق دويلات طائفية صغيرة حول «إسرائيل»، وإذا ما حققنا ذلك نضمن أمننا وسلامنا إلى الأبد».
وتأكيداً لهذا النهج الاستراتيجي الذي يشكل العمود الفقري في هيكلية بناء ما يُسمّى «الوطن القومي اليهودي»، التلمودي الروح والدم، نورد ماعرضه كتاب «إسرائيل وصدام الحضارات» تأليف جوناثان كوك ترجمة عمر عدس ونشرته صحيفة «الخليج» الإماراتية في 20/7/2008 ليتضح لنا ما سبق وذكرناه عن المستقبل الذي رسمه اليهود الصهاينة لدولتهم ونواياهم تجاه شعوبنا وأرضنا، وتوضح معالم الأحداث التي نشهدها الآن على أرضنا في سورية وبقية الدول العربية هذه النوايا والمخططات وفق المنهج الذي ذكره بن غوريون انّ معظم قادة كيانات هذه الأمة ضالعون بغباء أو عمالة في تنفيذ هذا المخطط، ولعله قدرنا أن تكون الحجاز أو السعودية مفتاح الأذى والنكبات لأمتنا منذ عهد أشراف مكة إلى عهد حماة الحرمين.
انّ الأحداث المرعبة التي تجري في سورية من قتل وذبح وتدمير وهدر للقيم وقلب للمفاهيم الدينية والقومية والأعمال الإجرامية باسم الدين، وما جرى في لبنان من تفجيرات وأعمال إرهابية في الضاحية الجنوبية لبيروت وطرابلس والبقاع، كله جزء من هذا المخطط، تأمّلوا هذا… لا صوت ولا طلقة في اتجاه «إسرائيل» ولا ردّ فعل لحماية المسجد الأقصى فيما المليارات الخليجية تصرف بسخاء من أجل تدمير ما تبقى من إمكانيات هذه الأمة.. والمليارات تصرف باسم شراء أسلحة حربية نحارب بها من؟ فإذا كنا لن نحارب «إسرائيل» ونعقد معها اتفاقات سلام وتطبيع علاقات فلمن هذا السلاح… أَلمحاربة إيران وإذكاء الصراع المذهبي؟
لو انّ هذا الذي يجري على الأرض العربية جرى جزء منه في الكيان الإسرائيلي» هل كان بقي واستمر كما هو إلى اليوم.. منذ ست سنوات ونيّف ودماء أبناء هذه الأمة تسفح وبناها تدمّر والفتن توقظ، فيما «إسرائيل» تبني المستعمرات وتوسّع ما كان قائماً وتتمدّد خارج حدودها عبر الحلفاء والعملاء.. وكلّ هذا يجري بعلم وتواطؤ ومباركة من الأعراب الذين لا دين لهم ندعوهم للعودة اليه ولا انتماء قومياً ندعوهم للمحافظة عليه.
يجب اليقظة والانتباه من الخطر المتوجّس بأمتنا ومنطقتنا العربية وأمنها عبر الطائفية والمذهبية لتقويض المناعة الوطنية وتفتيت الوحدة القومية والاسلام.. في أمتنا صان وحدة شعبنا في تنوّع إيمانه وكان سياج الأمان والحصانة طيلة مسيرة شعبنا.. وحدّد في القرآن الكريم الآية 82 سورة المائدة:
«ولتجدن أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اأربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا أنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وإنهم لا يستكبرون». الاسلام الذي قال: «الخلق كلهم عيال الله أحبهم إليه أنفعهم لعياله».
ما جرى في مصر هو قرع جرس من أجراس التآمر بعد زيارة ترامب للسعودية و»إسرائيل» ودول الخليج وإخراج إيران من محيطها الروحي وجوارها الجغرافي واستبدال العناوين فتصبح «إسرائيل» حليفاً وإيران عدواً.. وإيقاظ الفتنة وعدم إطفاء شعلتها..
فإذا كانت أرض الحجاز مهد الدعوة النبوية والرسالة ومنها طرد اليهود حيث كان نفوذهم ممتداً في كلّ الجزيرة العربية فلن يفلح قادتها اليوم بتشويه تاريخها وتغيير مسار رسالتها عبر خنق العالم العربي بالفتن والاقتتال..
مصر اليوم هي وريثة مصر الأمس وأقباط مصر اليوم هم أحفاد أقباط مصر الأمس وهم أخوال المسلمين، أهل زوجة النبي محمد ماريا القبطية، أمّ المؤمنين، عاشوا كما عاش المسيحيون في مختلف البلاد والأقطار العربية في أمان ووئام وصحّ فيهم القول: كلنا مسلمون لرب العالمين منا من أسلم لله بالقران ومنا من أسلم لله بالانجيل ومنا من أسلم لله بالحكمة وليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا ووطننا إلا اليهود».
انّ مجتمعاتنا العربية المتخلقة بأخلاق الإسلام والمسيحية هي مجتمعات فوق موبقات التفرقة الدينية والمذهبية مهما تعدّدت الانتماءات الحزبية والقبلية والعشائرية، ومهما تنوّعت المعتقدات، فإنّ وحدة الأمة فوق كلّ اعتبار.
القبطية كانت في تاريخها عباءة الإسلام من الحبشة بنجاشيها الى مصر وحاكمها المقوقس القبطي، تذكروا يا أهل مصر، تذكروا يا عرب ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون المجلد الأول: «عقيدة هذا الشعب المختار انه يستطيع ان يفسد العالم ويعطله ويخرّبه ليقيم على أنقاضه ملكاً يهودياً داودياً يتفرّد بحكم العالم بأسره وما الأمم والشعوب إلا حيوانات متخلفة العقل والذهن والفهم…»
معرفتنا ماذا يريد عدونا تشكل صمام الأمان من أية سقطة أو ذلة، وعلينا ان نعي دائماً انه في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة.
انّ المؤامرة التي كان من فعلها ونتيجتها قيام دولة «إسرائيل» اليهودية والتي شعارها من الفرات الى النيل.. هذه الدولة لن تترك وسيلة الا سوف تستعملها من اجل تحقيق مشروعها..
وأهمّ عناوين المشاريع الاسرائيلية هو وحدانية القوة والسيطرة، ويظهر المخطط الصهيوني بوضوح خلال الاطلاع على الصورة التي رسمها ارييل شارون واهمّ عناصرها انّ ارييل شارون، قبل القيام بغزو لبنان، كان قد كتب خطاباً رسم فيه تصوّراً جديداً لدور «إسرائيل» في الشرق الأوسط . وكان هذا التصوّر يمثل تحوّلاً جذرياً عن الفهم التقليدي لحاجة «إسرائيل» الى حماية نفسها من محيكها المعادي لها، ولا يمكن تحقيق تصوّر شارون من دون تفرّد «اسرائيل بامتلاك الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، أو إقامة تحالف وثيق مع الولايات المتحدة.
وقد نُشر الخطاب في صحيفة معاريف «الإسرائيلية». وطرح فيه شارون فلسفة أمنية جديدة «إسرائيل»، لم تعد بموجبها تفكر بشروط السلام مع جيرانها، أو بمحاربة خطر المواجهة المباشرة مع الدول العربية، وبدلاً من ذلك أصبحت تسعى الى توسيع دائرة نفوذها لتشمل المنطقة بأسرها.
يقول شارون في خطابه: «وراء الدول العربية، في الشرق الأوسط وعلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، يجب علينا ان نوسع مجال اهتمامات «اسرائيل» الاستراتيجية والأمنية في الثمانينات لتشمل دولاً مثل تركيا، وإيران وباكستان، ومناطق مثل الخليج العربي وأفريقيا، ودول شمال أفريقيا بخاصة..
ويعتمد نجاح «إسرائيل» في ذلك، كما قال شارون، على «تفوّق نوعي وتكنولوجي حاسم» في الأسلحة العسكرية، وبخاصة عزمنا على منع دول المواجهة أو الدول التي قد تصبح دول مواجهة من الحصول على أسلحة نووية..
هنا في هذا المشروع كانت إيران عصباً حياً في المشروع الاسرائيلي وخططها الاستراتيجية عندما كانت تحت حكم الشاه وترفع الشعار الفارس وعندما رفعت شعار التقارب مع جيرانها بروابط روحية وصارت عدواً لإسرائيل تغيّرت الاستراتيجية الإسرائيلية والسعودية وأصبحت إيران العمائم عدواً لأهل العباءات البدوية في السعودية وعدواً لإسرائيل..
فأحداث مصر لا يمكن ان نفصلها عن المشروع الصهيوني الرامي الى إحداث فتنة في أرض النيل يمتدّ لهيبها الى المنطقة كلها في مصر قبطي سني. وفي إيران العراق لبنان الشام فاليمن سني شيعي…!
ويوضح الصحافي الاسرائيلي في مقال كتبه في شباط 1982 المشروع الاسرائيلي حيث كتب: «على إسرائيل بدلاً من الانسحاب من سيناء ان تفضح مصر ونبيّن أنها «نمر من ورق»، وتحرمها من الموارد الاقتصادية، وتزعزع استقرار دولتها ببذر بذور الشقاق بين المسلمين والأقباط من مواطنيها. ويعتقد يينون أنّ وجود دويلة إسلامية في الشمال، ودويلة مسيحية في الجنوب، سيكون «خير وسيلة لإضعاف الدولة المركزية في مصر، وحرمان العالم العربي من الدولة الوحيدة التي تستطيع أن «تجمع شمله». وبتهميش مصر، يصبح بإمكان «إسرائيل» أن تفتت بقية الشرق الأوسط بسهولة نسبية».
من هنا نرى الصورة واضحة جلية لما جرى في مصر مؤخراً… وما يفكرون في تحقيقه..