سورية… الجرح النازف والاقتصاد الضحية الاكبر!
محمد ح. الحاج
ثلاثون شهراً واللعبة الدموية تستمرّ، قتل، هدم، تخريب، تحريض، تمويل خارجي، والمزيد ينخرط في اللعبة من كلّ الجنسيات، الحرب متعددة الجنسيات أشبه بلعبة لا يتصور أحد نتائجها سوى العدو الذي وضع المخطط، إجماع رأي على أنها مرفوضة، وأن أحداً لن يخرج رابحاً، حتى الذين يوقدون نارها، والمشاركون الأدوات، لكن الكلّ عاجز عن التوقف لأنّ القرار ليس هنا.
الفريق الأكبر المشارك في تدمير البلد نال أخيراً لقب إرهابي، وصدر قرار مجلس الأمن الدولي بمحاربته، أما الجهة االتي تكفلت التنفيذ التحالف فهي جهة المنشأ والمصدر، الأب الروحي لأغلب هذه التنظيمات، أما لماذا، وكيف؟ فالجواب في عالم الغيب وبحاجة إلى قراءة ما بين السطور ونتائج الفعل على أرض الواقع.
الشكوك التي أحاطت بجدية التحالف في محاربة تنظيمات «داعش» و»النصرة» وتوابعها، لا ينقصها أدلة أو إثباتات، فالنوايا والتلميحات أكثر من كافية، كذلك مواقف بعض دول التحالف ومنها قطر وتركيا التي ماطلت كثيراً في إعلان موقفها والتزامها القرار الدولي حتى قبل يومين، ويقرأ كثير من المحللين في هذا الإعلان مجرّد التحاق بالركب على مرأى ومسمع العالم الذي يراقب وينتظر، يتابع ويحلّل ويخلص إلى نتيجة وحيدة هي التشكيك بجدية الحرب رغم هجمات الطيران المتعدّد الجنسيات على مواقع ضمن الأراضي السورية يعتبرها مراكز لتنظيم «داعش»، البعض يهلل، والبعض يردّد: أن تصل متأخراً خير من أن لا تأت أبداً! لكن أغلبية المراقبين والمحللين، يطرحون السؤال الأهمّ: هل تتناسب خسائر التنظيمات الإرهابية مع حجم التدمير الذي يلحق بالبنية التحتية السورية، واستطراداً: هل يتمّ إبلاغ قيادات «داعش» بلائحة الأهداف وتوقيت مهاجمتها، وعن أي طريق؟ ليتمّ الإخلاء والانتشار وجعل الخسائر في حدّها الأدنى، بشرياً وآلياً وتصبح العمليات الجوية مجرّد تدريبات ضمن حقل لا خطورة فيه، الأهداف ثابتة، ولكن، ما حجم الخسائر السورية في البنية التحتية؟
هل يكفي اعتذار أوباما عن سوء تقدير إدارته لحجم خطورة التنظيمات الإرهابية في سورية، وهل نصدق أنّ الاستخبارات المركزية لم تتابع قيادات وعناصر «القاعدة» الذين خرجوا من العراق وتسللوا إلى سورية؟ والحقيقة غير ذلك، فالمتوقع أنه تمّ توجيه القيادات للتجمع في تركيا تمهيداً لتنفيذ مخطط هدم الدولة السورية الذي بدأ تنفيذه منذ ثلاثين شهراً، منْ يصدق أنّ أميركا كانت غافلة عن تحرك تنظيمات بهذا الحجم؟ الأرجح أنها كانت ضالعة في العملية وهي من وضع المخطط وقام بالتدريب والإمداد اللوجستي وفرضت على دول عربية عمليات التمويل والتغطية الإعلامية… التنظيمات جاءت من خارج الأراضي السورية بعد فتح الحدود من الدول المجاورة، دخلوا جماعات وليس أفراداً، لكن المخططات تتبدّل ـ ويتمّ الانتقال مرحلة مرحلة، من الألف إلى الياء، ولأنّ المخطط لم يكتمل، كان لا بدّ من الاستدارة للبقاء على رأس العملية، من التبني، إلى التوصيف، ثم الانتقال إلى إعلان حرب وهمية… مسرحية متكاملة الفصول.
من غير المعقول أن تجتاح «داعش» مناطق واسعة من الأراضي العراقية في غفلة من العين الأميركية، وأن تضع يدها على عتاد فرقتين عراقيتين، وأن يتم نقل وتوجيه أغلب هذا العتاد إلى سورية، أن تعبر أرتال الآليات وبضمنها دبابات محمولة مسافات طويلة ضمن أراض مكشوفة بعيداً عن رقابة الأقمار العسكرية، وحتى المدنية هو ادّعاء غير واقعي، ولأنّ المخطط يقتضي وصولها إلى محيط الأماكن الموضوعة على لوائح بنك الأهداف لغاية في نفس يعقوب، كان على العين الأميركية أن تغمض.
الخراب والدمار اللذان لحقا بسورية، ليس كافياً على ما يبدو، وما لم تحققه العصابات بأدواتها، يمكن أن يتحقق تحت شعار محاربة هذه العصابات، وهكذا أخذت العملية منحى أقرب إلى الهزلية، إذ تحت هذا الشعار يمكن تدمير الكثير ما يسرع عملية الانهيار الاقتصادي واستكمال تدمير البنية التحتية من دون تصفية التنظيمات تماماً، وإنما إضعافها كما أعلن أوباما، وبما لا يسمح للرئيس بشار الأسد أن يزداد قوة، بل استمرار محاولة تقويض حكمه عن طريق استبدال «داعش» دولة الإسلام في العراق والشام بـ»دافش» دولة الإسلام في الشام ولكن بمسمّى «المعارضة المعتدلة»!
طائرات التحالف دمّرت اثني عشر مجمعاً نفطياً وكلّ منها مركز تجميع حقل من الآبار وليس بينها مصاف نفطية إلا أن يكون المقصود بعض المنشآت البدائية التي أقامتها التنظيمات، ولأنّ هذه التنظيمات كانت على علم مسبق بموعد الضربة فقد أخلت الأهداف وانتشرت بعيداً بكامل عتادها، لم تلحق بها خسائر تذكر بينما تم تدمير البنية الأساسية لكلّ من الحقول المستهدفة، والأمر نفسه حصل في مطار الطبقة! لا خسائر تذكر بينما لحق الدمار ببنية المطار بشكل كامل، حتى الآليات الثقيلة لـ»داعش»، التي ابتعدت عن المطار لم يلحق بها الضرر، كما أنّ القيادات في قلب الرقة لم يصب أحد منها وكانت تتمركز في مبنى المحافظة المبنى الأضخم والأجمل بين مباني المحافظات السورية، وينطبق الأمر نفسه على أغلب الأهداف التي تمّ تدميرها في محافظات أخرى حلب وإدلب… كيف حصل ذلك، وهل كان هناك ضابط ارتباط بين عمليات التحالف وبين قيادة «داعش»؟ على الأرجح: نعم، فما هو دور المخابرات التركية ضمن التحالف، وهل المنطقة العازلة المقترحة على الحدود الشمالية ستكون تحت الحماية التركية، أي، «داعش» بالوكالة، الأرجح ستكون نقطة انطلاق الجولة الثانية من المعركة مع الدولة السورية بعد إعلان التحالف وقف هجماته بعد حين وأنه أضعف «داعش» وأبعده عن العراق وما عاد يهدّد العالم مصالح أميركا ؟
أمريكا القادرة على اللعب على حبال السيرك الدولي، كأقوى فرقة بهلوانية روسية أو صينية، لم تكن بحاجة إلى هذه المسرحية لتدمير ومكافحة إرهاب «داعش» أو غيره، كان يكفي إغلاق المعابر وقطع التمويل فعلاً وتجفيف مصادره، وضرب الأرتال المكشوفة ومحاصرة الوحدات المتسترة خلف الدروع المدنية دون تدمير البنى التحتية والمراكز الكبرى وخاصة الاقتصادية منها، وتترك الأمر للجيش السوري، والمواطنين الشرفاء لاستكمال معالجة هذا الورم السرطاني المرفوض والذي حقنته الاستخبارات المتعددة بكلّ أنواع الأمصال المقوية.
يبدو أنّ الازدواجية موجودة داخل الإدارة الأميركية، بل داخل التحالف، هناك من يعلن الحرب على الإرهاب بقوة، وفي المقابل هناك أيضاً من يستمر في المراهنة عليه، تشجيعه وتسهيل حركته، بما في ذلك العمليات الاستخبارية، عملية توزيع الأدوار لتحقيق المخطط الأساس، مع قبول الالتفاف وتعديل المسار قليلاً، طبقاً للظروف الدولية وبما لا يغيّر الوجهة النهائية… تدمير الدولة السورية في أسوأ عملية انتقامية من شعب يرفض الخضوع والانصياع لرغبات حكومة الظلّ الماسو صهيونية التي تحكم العالم حتى اللحظة.