الخلاف بين عون وبري لا علاقة للصلاحيات به: اعتراف ربع الساعة الأخير
روزانا رمّال
يبدو أن التيار الوطني الحر الذي استطاع نسج علاقات تحالفية مع معظم القوى السياسية في لبنان عاجز عن التوصل لمثلها مع حركة أمل لأسباب باتت تراكمية أكثر منها مبدئية، تحكي بمعظمها مسألة إدارة الدولة من منظار كل طرف على أساس رؤيته التي يعتبرها الأقدر والأصلح حسب ارتباطاته او موروثاته، وبعضها حسب العرف الذي ساد لسنوات.
المفارقة هنا أن التيار الوطني الحر وحركة أمل ليسا حزبين أو تيارين عاديين، فالأول وصل مرشحه لرئاسة الجمهورية والثاني يرأس رئيسه مجلس النواب منذ سنوات، ما يعني ان هذا الخلاف استعر على جبهتي الرئاسة الأولى والثانية حكماً، لكن الأهم هنا انه لم يكن وليد الظروف الحالية بل هو خلاف قديم أي قبل وصول الرئيس ميشال عون لرئاسة الجمهورية. ومسألة الخلاف على الصلاحيات لا تمت بصلة للأحداث كما تؤرشف عملياً.
خلافات سياسية ومالية واقتصادية، وبينها تكتيكية او تقنية، وأخرى تتعلق بمفهوم ادارة الدولة كلها ملفات جعلت من حركة امل والتيار الوطني الحر نقيضين لا يجتمعان في فترة من الفترات الا ان الامل لم يفقد وكانت مساعي التقارب موجودة، وقد دخل اللواء عباس إبراهيم المدير العام للامن العام شخصياً على وساطة أنتجت أكثر من جلسة جمعت وزير المالية ومساعد الرئيس بري علي حسن خليل ووزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وكادت الأمور تصل لخواتيم سعيدة لولا الشيطان الذي دخل التفاصيل. لكن هذا يعني أن نيات التقارب موجودة وليست مسدودة من قبل الفريقين، وكل هذا بعد انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية لا قبلها. وهو الأمر الذي أكده الرئيس بري في مؤتمره الصحافي منذ يومين عندما عبّر أمام المتابعين عن استغرابه من أولئك الذين يرغبون باختلاق شرخ بينه وبين الرئيس ميشال عون، قائلاً إن علاقتنا أفضل من قبل الرئاسة حتى.
لا يطمح الرئيس بري لما يُسمى بالصلاحيات ولا يتناحر من أجلها. ويعرف عون الرئيس عون من جهته ان الدستور رسم صلاحيات السلطتين بما لا يتناقض مع العلاقة الطيبة بينهما، وما يسمح بنسج آلية عمل سليمة وصحيحة، أي أن فرص الحلحلة واعتبار الدستور ضمانة أقرب منه إلى اعتباره مادة خلافية.
لا يشك اثنان في رغبة الرئيس عون صون الدستور ولا في رغبة الرئيس بري باحترامه ايضاً، والمسألة لا تتعلّق بمن يفرض صلاحياته على الآخر على الإطلاق، بل إنها مسألة موقف سياسي ورجاحة قرارات بات البلد أحوج إليها منه الى المناكفات.
يؤكد مصدر سياسي رفيع لـ«البناء» أن الرئيس بري ومن خلال موقفه الأخير بالمؤتمر الصحافي يريد تذكير اللبنانيين بأمر أساسي بالنسبة إليه، وهو انتزاع الاعتراف بصوابية مواقفه من الحليف قبل الخصم، بأنه كان على حق عندما وقف مع «السلة» الكاملة قبل انتخاب رئيس الجمهورية وهي تتضمّن التوصل لاتفاق على قانون للانتخاب ضمن تركيبة واحدة لما في ذلك من قدرة على تسهيل مهام العهد من جهة، ولما فيه من قدرة الحصول على القانون الذي يناسب الجميع. فبري يعتبر أن مجرد الوصول الى الرئاسة سيغير الكثير من الظروف ويصبح الطامعون أكثر من العقلانيين، خصوصاً أولئك الذين سيجدون من فكرة التحالف مع الرئيس عون فرصة لعزل الآخرين وغيرها مما يمكنها ان يعطل التوافق على قانون جديد. وهو ذكّر بالسلة بالمؤتمر الصحافي. ويضيف المصدر «خرج الرئيس بري ليؤكد للبنانيين أنه وبالرغم من تحفظه على ما ورد في مشروع قانون الوزير مروان شربل كما صحّح التسمية، فإنه لن يكون المعرقل او المعطل لإنتاجه كما يحاول البعض إظهاره، لكنه لا يرغب أيضاً بتمرير الاتفاق بدون وضع النقاط على الحروف.
ويختم المصدر «ما أشبه اليوم بربع الساعة الأخير من انتخاب رئيس للجمهورية، والرئيس بري يبدو اليوم الطرف الذي يرغب بتسهيل الأمور رغم عدم رضاه الكامل تماماً، كما كان عشية انتخاب الرئيس ميشال عون حيث لم يعطّل بري الجلسة أو يرفض النزول إليها مثلاً، بل كان هو الذي نظم الجلسة التي كادت تضيع ويضيع معها مستقبل اللبنانيين والكل كان شاهداً على تلك اللحظات الدقيقة».
الاعتراف بموقف بري كصمام أمان في البلاد لا يفسّد في الودّ قضية ومسألة التنافر على الصلاحيات بين الرئاستين، كما يروّج في الإعلام ليس إلا تصغيراً لمكانة رئيس الجمهورية ومكانة رئيس مجلس النواب اللذين يرسلان رسائل سياسية أبعد من الخلافات.
يجيد بري إدارة اللعبة السياسية التي اعتاد على تفاصيلها في البلاد، والرئيس عون بدوره الذي فاجأ اللبنانيين باستخدام صلاحياته كرئيس وإنقاذ البلاد من الفوضى باستخدامه المادة 59 يدرك أيضاً أن اللعبة هذه لا تدار أحادياً، وهو أكثر العارفين أن الرئيس بري لا يناكفه على أساس صلاحيات بل على اساس مواقف قديمة جديدة باتت تظهر في كل مناسبة كعقدة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل وليس بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب.
بالمحصلة، لن يلعب بري حسب الأجواء الا دور المسهّل «مجدّداً» لإخراج القانون، رغم تحفّظاته تماماً كما كان عشية انتخاب عون، وحرصه على «النصاب» وهو الدور الذي لن يتنازل بري عنه وليس على الأفرقاء إلا تلقف هذا الدور والاعتراف به.