إفطار بعبدا فرصة الكشف عن النيات… وقضايا الخلاف لا تبرّر الفشل قانون الـ15 دائرة لمرة واحدة تمهيداً لتطبيق المادة 22 وصيغة المجلسين

كتب المحرّر السياسي

شكّل قيام الطائرات الروسية بتنفيذ غارات نوعية على الجماعات المسلحة التي درّبتها واشنطن لما عُرف بمهام عملية الجنوب، بالتزامن مع إطلاق الغواصات والمدمّرات الروسية في البحر المتوسط لصواريخ كاليبر المجنّحة العابرة للقارات لضرب مواقع وحشود ومواكب آلية لداعش عبرت من الرقة نحو البادية السورية باتجاه تدمر، رسالة من موسكو إلى واشنطن بالواسطة تتخطّى أهدافها العملياتية. فقد خرج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليقول إنّ الصواريخ الروسية عطلت تنفيذ مؤامرة بين قوات سورية الديمقراطية المدعومة من واشنطن وتنظيم داعش، تتضمّن مقايضة تسليم الرقة بدون قتال لواشنطن وحلفائها مقابل تأمين ممرات آمنة لداعش للانسحاب نحو البادية السورية.

الضربات الروسية الجوية والصاروخية استهدفت عملياً الخطة الأميركية لتقاسم البادية بين مؤيديها الآتين من التنف وداعش المنسحب من الرقةز والقول إنّ موسكو لن تسمح بالأمرين معاً، وإنّ البادية السورية بغطاء جوي وصاروخي روسي للجيش السوري وحلفائه فقط، ولو اقتضى الأمر مواجهة من العيار الاستراتيجي.

الردّ الأميركي جاء بالإعلان عن تزويد الجمــاعات الكردية المسلحة بالمزيد من السلاح النوعي، كما قال البنتاغون، وهو ما يقدّم التغطية لهذه الجماعات بالقــول إنها تحظى بما تقوم به برضى واشنطن من جهة، ويحــاول التأكيد أن لا تفاهم مع داعش بل حرب، بينما زاد الكلام الأميركي من التوجّس التركي بالتساؤل، ما دامت الرقة لن تشهد حرباً، فهل السلاح النوعي الأميركي للجماعات الكردية لبناء دويلة كردية تستهدف الأمن التركي مجاورة لدويلة لداعش في البادية السورية، وتبرّران معاً الوجود الأميركي بعيداً عن مصالح مَن يفترض أنهم حلفاء واشنطن؟

السؤال التركي يبقى معلّقــاً بانتظار كيف ستتصرّف تركيا مع تراكم الرسائل السلبية حولها من كلّ حلفائها الغربيين والعرب، في ظلّ ما تعبّر عنه الحملة الخليجية التي تقودها السعودية ضدّ قطر والمواجهة التي تشهــدها ليبيا بين حكومة فايز الســراج المدعومة من تركيا والجـيش الليبي بقيادة خليفة حفتر المدعوم من مصر والسعودية.

لبنانياً، تتجه الأنظار نحو بعبدا والإفطار الرئاسي الذي يجمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في خلوة ولقاء يحضره رئيس الحكومة سعد الحريري، واللقاء بنظر الكثيرين يشكل الفرصة الأخيرة لكشف نيات التوصل للتوافق، بعدما تمّ التفاهم على العناصر التي قيل دائماً إنها تشكل أساس أيّ قانون انتخابي جديد. فتمّ التفاهم على النسبية وعلى عدد الدوائر وترسيمها والصوت التفضيلي. وهي قواعد القانون العتيد وما عداها مهما قيل إنه مهم، فهو لا يبرّر أخذ البلاد إلى الكارثة والمجهول. وما يُثار عن عدد النواب ونقل المقاعد الذي سُحب من التداول، كما يُقال، يحتمل وغيره من المواضيع تأجيله للقانون الذي يفترض أن ينتجه المجلس المنتخب على أساس النسبية والدوائر الخمس عشرة، والمتفق أنه سيضع آليات تطبيق المادة 22 من الدستور وصيغة المجلسين، وعندها يسهل البحث بكلّ هذه البنود ويصير مكانها الطبيعي كأيّ بنود إصلاحية ربما تغطّي اليوم بقاء الخلاف ونسف القانون والانتخابات، لكنها في غير توقيتها الذي يستحق بعد الانتخابات في ورشة تطبيق بنود اتفاق الطائف كاملة ويكون من مهام المجلس النيابي الجديد والحكومة المنبثقة منه.

ما لم يخرج الدخان الأبيض من بعبدا اليوم، يكون لبنان ذاهباً إلى الهاوية، وقد قفز عن الحافة بلا مظلة هبوط آمن تنتظر الإفطار الرئاسي.

هل يخرج الدخان الأبيض من بعبدا اليوم؟

مع نهاية العقد العادي للمجلس النيابي واقتراب نهاية ولايته في 19 حزيران المقبل، وفي ظل تعثر إقرار قانون جديد وسقوط خيار التمديد وصعوبة العودة إلى قانون الستين، بسبب رفض رئيس الجمهورية توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، تتجه الأنظار إلى بعبدا التي ستجمع أركان الدولة مساء اليوم على مأدبة الإفطار الرمضاني الذي يقيمه الرئيس ميشال عون بحضور رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري والذي تسبقه وفق معلومات «البناء» خلوة بين الرؤساء الثلاثة، وربما خلوة ثنائية بين عون وبري يعول عليها المطلعون على مسار قانون الانتخاب، لجهة تأمين مناخات ايجابية مواكبة للمشاورات الجارية حول تفاصيل قانون النسبية على 15 دائرة، وبالتالي تأمين ولادة آمنة وسريعة للمولود الموعود.

ومن المتوقع أن يلقي الرئيس عون كلمة خلال الإفطار يتناول فيها الاوضاع الداخلية والتطورات الإقليمية والدولية، وسيحدّد موقف لبنان منها، وسط توقعات أن يخرج الدخان الأبيض من بعبدا بإعلان عون في كلمته الاتفاق النهائي على القانون في حال ذللت العقبات حتى مساء اليوم أو الإعلان عن عناوين الاتفاق الأساسية فقط، وترك الأمور الأخرى للمساعي الجارية، أم أن التفاصيل محطّ الخلاف ستنسف القانون، غير أن مصادر وزارية مقربة من بعبدا استبعدت ذلك، مشيرة إلى أن «الأمور بحاجة إلى مزيد من النقاش حول التفاصيل ولن تنتهي اليوم، لكنها جزمت بأننا سنكون أمام قانون جديد قبل نهاية ولاية المجلس النيابي، وقالت لـ«البناء» إن «القانون في خواتيمه النهائية في ظل التوافق حول المشتركات الأساسية في ما خصّ مبدأ النسبية وعدد الدوائر والصوت التفضيلي على القضاء، وبالتالي لن تقف التفاصيل حجر عثرة أمام إنجاز الاتفاق النهائي، لأن جميع المكوّنات محكومة بالتوافق للحفاظ على التحالفات الناشئة عن التسوية الرئاسية وعلى استقرار وأمن البلد».

وإذ لفتت المصادر إلى أن «الأوراق والصلاحيات في يد الرئيس عون وسيتّخذ القرار في الوقت المناسب، استناداً إلى الدستور لإنقاذ البلاد من الفراغ التشريعي وبالتالي سيوقّع مرسوم العقد الاستثنائي قبل 5 حزيران»، مرجّحة أن يعلن اليوم عن نيته توقيع المرسوم مع عدم تحديد الوقت لإتاحة المجال أمام الجهود القائمة لإقرار قانون جديد».

بري: أنتظر نتائج الاتصالات

وفي وقتٍ أكدت مصادر مطلعة حضوره إفطار بعبدا، نقل النواب عن الرئيس بري بعد لقاء الأربعاء أمس، أنه ينتظر نتائج الاتصالات الجارية بشأن قانون الدوائر الـ 15، معرباً عن أمله في التوصل إلى توافق على القانون في أقرب وقت ممكن.

ونقل الزوار عن رئيس المجلس لـ«البناء» استغرابه الشديد لـ«وضع البعض شروطاً جديدة وضمانات وضوابط لم يعُد لها أي قيمة بعد تكبير عدد الدوائر الذي بات يقارب حجم الأقضية. أما المناصفة فهي مكرّسة في اتفاق الطائف في عدد أعضاء المجلس النيابي والحكومة، فلماذا الخشية والاعتراض؟ وتخوّف الزوار من شياطين التفاصيل ومن محاولات إجهاض الاتفاق، وأكدوا رفض رئيس المجلس العودة إلى 108 نواب وعملية نقل النواب بالشكل الذي تطرح فيه، كما يرفض ربط فتح العقد الاستثنائي بانتهاء الاتفاق على القانون». واستبعد الزوار أن يلجأ بري إلى خيار العريضة النيابية لإلزام رئيس الجمهورية بذلك، «لأن الأمر سيبدو وكأنه موجّه ضد بعبدا ما يزيد الاحتقان بين الرئاستين، الأمر الذي يتجنّبه بري، ولو أنه يلتمس التأخير في مسألة العقد لأسباب غير مفهومة، حيث من المفترض أن يُفتح منذ أيام، وبالتالي هذا شكل من أشكال الضغط على المجلس النيابي وابتزاز لتحصيل مكاسب انتخابية في قانون الانتخاب في الساعات الأخيرة». ولفتوا إلى أن «المناخات إيجابية بين الرئاستين ولقاء بعبدا اليوم كفيل بإزالة الغيوم الملبّدة بين بعبدا وعين التينة».

اجتماع «عوني» ـ «قواتي» في الخارجية

وفي ظل استمرار الخلاف حول نقاط عدة تفصيلية لا سيما نقل النواب وطريقة احتساب الأصوات، ومع دخول القانون في «شهره الأخير» وفرصة الأيام العشرين الأخيرة التي ستكون «حبلى» بالمفاجآت على هذا الصعيد، برز خلاف جديد في الكواليس حول أبوة هذا المولود الجديد بين رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ونائب القوات جورج عدوان، الذي أكد في تصريح من وزارة الخارجية بعد الاجتماع الذي جمعه بالوزير باسيل بحضور النائبين ألان عون وابراهيم كنعان، أن «الأجواء إيجابية وأتصوّر أن اللقاء غداً اليوم في بعبدا سيحمل أجواء إيجابية وسيفهم الجميع أننا نتوجّه نحو الخطة الثابتة لإقرار قانون الانتخاب»، علماً أن صيغة النسبية على 15 دائرة أُخرجت من رحم قانون الوزير مروان شربل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

وشدّد عدوان على «أننا والتيار الوطني الحر على تنسيق وثيق جداً، والنقاط الموجودة على طاولة البحث فيها أمور علمية ورقمية. وما نقوم به يتعلق بالجميع وليس فقط بالتيار والقوات»، مشيراً إلى أن «البعض يحاول إظهار التيار وكأنه يضع سقوفاً أو شروطاً للعرقلة وهذا خطأ، لأننا والتيار نعمل بجدية للوصول إلى قانون».

من جهته أكد كنعان أن «هناك مغالطة كبيرة لا يريد أحد التراجع عنها تُصوَّر وكأن هناك طرفاً وراء الطرح الأخير لقانون الانتخاب ويسعى إلى تسويقه، فيما الواقع مغاير، وهو أن هذا الطرح ناجم عن مبادرة مشتركة ومنسقة والاقتراح موجود على طاولة التفاوض منذ أكثر من شهرين. وهو أحد الاقتراحين إلى جانب التأهيلي».

وقال كنعان «اجتماعنا ليس للاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على صيغة مشتركة، بل نبحث أجوبة ومواقف كل الأطراف الآخرين، من نقل المقاعد والعتبة والضوابط والتفاصيل الأخرى من إصلاحات وضمانات. وهذا الهمّ مشترك وليس هماً مسيحياً بل همّ وطني».

ونقلت أوساط الوزير باسيل لـ«البناء» أن «جوانب الاتفاق في قانون الـ15 دائرة لم تنته وصورة القانون الجديد لم تكتمل معالمه، موضحة أن «القضية لا تتعلّق فقط بمسألة تجاذب الصلاحيات حول العقد الاستثنائي وشرعية وقانونية جلسة 5 حزيران، بل هناك أمور أخرى أهم وأعقد من ذلك لم تحل بعد تتعلق بالضوابط التي تحدّثنا عنها في اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أمس الأول، وهي محور البحث الجاري حالياً تتلخص بالنقطة التي تسمح لأي لائحة بدخول رصيد الفوز بمقعد واحد على الأقل، وحساب الكسور بين اللوائح المختلفة وصولاً إلى آلية احتساب الفائزين من اللوائح أمور لها تأثير كبير في تحديد نتائج الانتخابات».

الحريري: الفراغ يُدخلنا في المجهول

وأشار الرئيس الحريري في كلمة له خلال مأدبة إفطار في بيروت أمس، إلى «ضرورة التوصل إلى وضع قانون جديد للانتخابات لنخلّص البلد من فكرة الفراغ التي يمكن أن يصل اليها المجلس النيابي، لأن الوصول إلى الفراغ هو فعلياً الدخول في المجهول ومن ثم إلى المجلس التأسيسي ولا تدعوا أحداً يقول لكم غير ذلك، ونحن متأكدون أن لا أحد يريد الوصول إلى هذا الأمر».

وفي حين لم يقارب مجلس الوزراء قانون الانتخاب في جلسته التي عقدت أمس، في السراي الحكومي برئاسة الحريري باستثناء ما أدلى به الأخير، حضر الملف الانتخابي في مواقف الوزراء قبل الجلسة وبعدها، التي أجمعت كلها على التفاؤل.

وقال الحريري في مستهل الجلسة «بقي لدينا 19 يوماً للاتفاق على قانون انتخاب جديد، وأنا متفائل بالوصول إلى حلّ، وهو ما يجب أن نعمل لتحقيقه ونحن نعمل ليل نهار لتذليل ما تبقى من صعوبات». وأكد وزير الثقافة غطاس خوري «أننا قاب قوسين أو أدنى من الاتفاق»، وقال خوري لـ«البناء» إن «رئيس الجمهورية سيوقّع مرسوم العقد الاستثنائي قبل جلسة 5 حزيران التي حدّدها الرئيس بري لاستكمال البحث في تفاصيل القانون»، وشدّد على أن «الرئيس الحريري لا يزال على موقفه من فتح الدورة والدليل توقيعه المرسوم منذ أيام».

ورفض وزراء حزب الله الرد على أسئلة الصحافيين في مسألة القانون واكتفى وزير الصناعة حسين الحاج حسن بالقول «إننا متفائلون». وأعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح أن «هناك انفراجات على هذا الخط»، مشيراً إلى أنه «اذا أُقر قانون النسبية على أساس 15 دائرة يُلزمنا أكثر من 3 أشهر للتحضير للانتخابات».

وعن سؤاله عما إذا كان القانون الجديد يحتاج إلى تمديد تقني للمجلس لمدة عام لاستكمال جهوزية وزارة الداخلية للعملية الانتخابية، رفض المشنوق الإجابة.

وقالت مصادر وزارية إن «مسألة نقل النواب تم تجاوزها بعد أن رفضت من قوى أساسية في البلد كأمل وحزب الله وتيار المستقبل، والأمور تتجه إلى الحل والعمل جارٍ بشكل مكثف لتذليل العقبات في وقت قريب»، كما استبعدت المصادر «العودة إلى قانون الستين»، لكنها لفتت إلى أن «العودة اليه ليست مستحيلة في حال عجزنا عن إقرار قانون جديد والأمل يبقى على لقاء بعبدا»، بينما قالت مصادر وزارية أخرى إن «القانون بعد الاتفاق عليه يحتاج إلى مدة شهر لصياغة مواده القانونية والتقنية قبل إقراره في المجلس النيابي».

وأقرّ مجلس الوزراء جدول أعماله العادي المؤلف من 32 بنداً يتعلق أغلبها بتسويات ومصالحات وقبول هبات وسفر وزراء إلى الخارج.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى