مختصر مفيد تركيا في طريق مسدود
قد يكون النموذج الذي تقدّمه تجربة دولة بحجم تركيا ومكانتها ومقدراتها عن كيفية تضييع العبث السياسي للفرص التاريخية درساً لعلم السياسة الحديث، بعدما نجحت تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية في مسيرة النهوض الاقتصادي وبناء الجسور السياسية وتحقيق هدفها الدبلوماسي بصفر عداوات مع الجيران وصولاً لاستعادتها مكانة اللاعب الإقليمي الحاسم والوازن.
خلال سنوات الربيع العربي وتتويجها بالحرب على سورية وضعت القيادة التركية طموحها الحزبي الفئوي على حساب مصالحها كدولة وحلمت بسلطنة عثمانية جديدة تضمّ دول الجوار بعد تسلمها من الإخوان المسلمين، وجاءت تداعيات الأحداث في مصر وتونس لتفتح شهية الحزب الحاكم في تركيا على المضي بمشروعه المندمج مع مشروع الشرق الأوسط الجديد لواشنطن والهادف لتأمين أكثر من حزام أمني لـ إسرائيل بعنوان إسلامي وديمقراطي.
خلال سنوات تهاوى الحلم وصارت عداوات الجيران هي السائدة من كل ناحية، وصمدت سورية واستنهض صمودها قوى دولية وإقليمية كثيرة، وبدأ العد التنازلي لمشروع الاستقرار التركي بعد سقوط وهم السلطنة، وأطلت الانقلابات والمواجهات والأزمات بدل الاستقرار والنمو.
مثلما تعلّقت تركيا بوعد منحها السلطنة وفقاً لقاعدة الاستخدام الأميركي لها فدفعت الثمن تجاهلاً في الختام، يفعل الأميركيون مع الأكراد في سورية لاستخدامهم بوهم قيام دولة لتغطية الدور الأميركي في المنطقة فتصطدم تركيا بالجدار حتى خطر السقوط.
السؤال هل تُقدِّم القيادة التركية المثال على كيفية النهوض بالمراجعة الجادة والصادقة، بمثل ما قدّمت النموذج لكيفية السقوط بالعناد القائم على الخداع؟.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.