الخلافات الألمانية الأميركية: التوقيت والأسباب
حميدي العبدالله
تبادل المسؤولون الألمان والرئيس الأميركي دونالد ترامب انتقادات غير مألوفة في العلاقات بين البلدين منذ الحرب العالمية الثانية. على امتداد أكثر من سبعين عاماً لم يجرؤ أيّ مسؤول ألماني على توجيه انتقادات وبهذا المحتوى إلى الولايات المتحدة، واتهام واشنطن بالهيمنة والانطواء والتخلي عن دور الزعامة العالمية، وبالتالي دعوة ألمانيا وأوروبا إلى الاعتماد على الذات.
ما هي أسباب هذا الخلاف، ولماذا انفجر الآن؟
صحيح أنّ التوقيت المباشر يعود إلى أنّ الرئيس الأميركي طرح في قمة الدول السبع الصناعية التي انعقدت مؤخراً ضرورة رفع مستوى مساهمة أوروبا، وتحديداً ألمانيا في تمويل الحلف الأطلسي، إضافةً إلى الخلاف حول المناخ، ولكن جذور الخلاف أعمق من ذلك بكثير، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب وصل إلى البيت الأبيض وحاز على ثقة عدد كبير من الناخبين الأميركيين لأنه طرح شعارات تدعو إلى الحمائية، وتشدّد على «شعار أميركا أولاً» وتطالب حلفاء واشنطن بدفع أموال أكثر لقاء الحماية التي تقدّم لهم.
صحيح أنّ الرئيس الأميركي لم يتمكّن من تحقيق هذه الشعارات التي تبدو غير واقعية في ظلّ ما وصلت إليه العولمة، ولكن الصحيح أنّ ترامب لن يتراجع عنها وسيحاول في كلّ مناسبة العمل على تحقيقها. مثلاً هو أرغم السعودية على إبرام عقود تتجاوز قيمتها الإجمالية 400 مليار دولار، ويستطيع القول إنه حقق واحداً من شعارات حملته الانتخابية، الذي شدّد فيه على ضرورة أن تدفع المملكة العربية السعودية أكثر مقابل الحماية التي تقدّمها الولايات المتحدة. ترامب يريد من أوروبا، وتحديداً ألمانيا، أن تدفع أكثر لقاء حمايتها، كما يريد تعديل الميزان التجاري بين البلدين لصالح الولايات المتحدة، وهذا ما غرّد به على «توتير» في سياق ردّه على الانتقادات الألمانية… ولكن للاقتصاد منطقه الخاص الذي يأبى الخضوع والتأقلم مع شعارات الرئيس ترامب.
ليست هذه كلّ أسباب الخلاف بين ألمانيا وترامب، هناك سبب آخر تجاهله المحللون عند تعرّضهم لهذه المسألة، وهو أنّ المسؤولين في ألمانيا ما كان لهم أن يتجرأوا على انتقاد ترامب لولا الحملة التي يقودها الكونغرس ومؤسسات أمنية وعسكرية أميركية لترويض ترامب أو عزله، وهي التي تفسّر الحملات الإعلامية ضدّه داخل الولايات المتحدة، وفتح أكثر من تحقيق عن فضائح مزعومة تتصل بعلاقته وأركان إدارته مع روسيا.