ماذا يعني انسحاب واشنطن من اتفاق المناخ؟ ولايات أميركية تتمرّد.. وغرب مذهول

سماهر الخطيب

شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية باريس وبأنه يعتزم وقف المساعدات الأميركية الخاصة بتنفيذ الاتفاقية حول المناخ، صدمة غربية وعالمية، تتصل بمخاوف فعلية بشأن عمليات التمويل، سواء بالنسبة إلى تنفيذ هذه الاتفاقية التي يؤمّن الأميركيون 23 من ميزانيتها، أو بالنسبة إلى المساعدة الدولية للدول الأكثر فقراً، من خلال «الصندوق الأخضر».

وكانت ردود الفعل على هذا الإعلان قد بدأت في عشرات المدن والولايات الأميركية من خلال تنظيم «حركة المقاومة»، التي وعدت بأنّ تواصل أميركا «التقدم على المستوى المحلي في اتجاه اقتصاد أخضر».

وأعلن الحكام الديموقراطيون لثلاث ولايات كبرى هي نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا، تمثّل خُمس سكان الولايات المتحدة، عن «تحالف من أجل المناخ».

وبمعزل عن إعلانات النيات، تعتزم البلديات الأميركية أن تلعب دور سلطة مضادة في وجه الحكومة المركزية.

فقد وعدت مدينة لوس أنجلوس مثلاً بتولي قيادة هذه الحركة المقاومة «بالعمل بتعاون وثيق مع مدن عبر الولايات المتحدة والعالم»، وفق ما أكد رئيس بلدية كبرى مدن الغرب الأوروبي إريك غارسيتي.

كما تعهّدت منظمة «رؤساء بلديات من أجل المناخ» التي أسسها غارسيتي. وهي تضمّ 61 رئيس بلدية وتمثل حوالى 36 مليون أميركي، بـ«تبنّي الالتزامات حيال أهداف اتفاق باريس وتنفيذها».

وأعلنت المنظمة «سنكثف الجهود لتحقيق الأهداف الحالية للمدن، ونعمل على إقامة اقتصاد القرن الحادي والعشرين النظيف».

لكن هل ستكون جميع هذه المبادرات كافية لتفادي أيّ انعكاسات سلبية من قرار ترامب الذي يرفض المستقبل البيئي؟

بدوره، وعد الملياردير الأميركي مايكل بلومبرغ بتقديم 15 مليون دولار لدعم جهود الأمم المتحدة لمكافحة التغيّر المناخي، بعد إعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاق باريس حول المناخ. كما أعلنت مؤسسة بلومبرغ للأعمال الخيرية التي أنشأها رئيس بلدية نيويورك السابق، مايكل بلومبرغ، من «أنّ الهدف هو دعم عمليات الأمانة العامة للأمم المتحدة الخاصة باتفاقية باريس حول المناخ، ومن ضمنها العملية الرامية إلى مساعدة الدول على تنفيذ التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية».

وأكد بلومبرغ الذي عُيّن مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة لشؤون المدن والتغيرات المناخية، أنّ «الأميركيين لا ينسحبون من اتفاقية باريس حول البيئة، بل على العكس، إننا ماضون قدماً».

في السياق نفسه، أجمعت ردود الفعل الدولية على التعبير عن خيبة أمل إزاء إعلان ترامب انسحاب بلاده من اتفاق باريس حول المناخ، مع التأكيد على المواصلة في تطبيق هذا الاتفاق من دون الولايات المتحدة.

ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «عدم إثارة ضجة حول قرار الرئيس الأميركي الخروج من اتفاقية باريس للتصدّي للتغيّر المناخي»، داعياً إلى «مواصلة العمل على تحسين الاتفاقية».

وقال، خلال مشاركته في الجلسة العامة لمنتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، «إنّ روسيا لن تصدّق اتفاقية باريس للتصدّي للتغير المناخي، إلا بعد تحديد التزامات جميع المشاركين في الاتفاقية بشكل واضح وصياغة قواعد تقسيم الموارد وتوضيح المسائل التقنية الأخرى».

واعتبر الرئيس بوتين «أنه لم يعد هناك داعٍ لخروج الولايات المتحدة من الاتفاقية، نظراً لطابعها الإطاري ووجود إمكانية لمواصلة المفاوضات حولها»، لكنه دعا إلى «الامتناع عن إدانة الرئيس الأميركي بسبب هذه الخطوة».

وأعاد بوتين إلى الأذهان أنّ «اتفاقية باريس بشأن المناخ لم تدخل حيّز التنفيذ حتى الآن، بل ستصبح سارية المفعول اعتباراً من عام 2021». وأشار إلى أنه «مازالت هناك مهلة زمنية كافية للتوصل إلى اتفاق، شريطة مواصلة العمل بشكل بنّاء».

وذكّر بوتين بأنّ «واشنطن التزمت بموجب اتفاقية باريس، بتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بـ26-28 في المئة بحلول عام 2025، أما روسيا فالتزمت بتقليص الانبعاثات بحلول عام 2030 بـ30 في المئة بالمقارنة مع مستوى عام 1990».

وأضاف، مازحاً: «علينا أن نكون شاكرين لترامب، منذ الآن فصاعداً يمكننا تحميله مسؤولية كلّ شيء، حتى حالة الطقس السيئة في موسكو!».

في حين، أكد الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إثر اتصال هاتفي بينهما «التزامهما المشترك والحازم بتطبيق اتفاق باريس» حول المناخ، كما عبّرا عن «الرغبة في الدفاع عن الاتفاق في الساحة الدولية».

وقالت ميركل: «نحن أكثر تصميماً من أيّ وقت مضى في ألمانيا وأوروبا والعالم على أن تتضافر قوانا لمواجهة التحدّي المناخي».

ورأى ماكرون أنّ «ترامب ارتكب خطأ بحق كوكبنا»، لأنه ليس هناك «كوكب بديل». ودعا ماكرون الأميركيين مخاطباً إياهم بالإنكليزية إلى «جعل كوكبنا عظيماً من جديد» في اقتباس لشعار حملة ترامب الانتخابية «لنجعل أميركا عظيمة من جديد».

وقال ماكرون إنّ «كلّ العلماء والمهندسين ورجال الأعمال والمواطنين الملتزمين الذين يشعرون بخيبة الأمل نتيجة قرار الرئيس سيجدون في فرنسا وطناً ثانياً».

لكن ماكرون، أضاف «لن نُعيد التفاوض في اتفاق أقلّ طموحاً في أيّ حال»، فيما اعتُبر سلفه فرنسوا هولاند أنّ «ترامب اتخذ قراراً مهلكاً للولايات المتحدة».

فيما اعتبر رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قرار الرئيس الأميركي «خطيراً للغاية» وأن «لا رجوع إلى الوراء في العملية الانتقالية لمصادر الطاقة ولا رجوع إلى الوراء حول اتفاق باريس».

من جهته، أكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس أمس أنّ «مكافحة تغير المناخ لا يمكن وقفها، وهو أحد أخطر التهديدات لعالمنا الراهن ولمستقبل كوكبنا»، داعياً جميع الدول إلى «الالتزام باتفاق باريس».

بدورها، وعدت الصين، كبرى ملوّثي العالم، أمس «بتطبيق اتفاق باريس»، وصرّحت المتحدثة باسم الخارجية هوا شونيينغ للصحافيين «على الأطراف الاعتزاز بهذه النتيجة المنتزعة بعد جهد». وأضافت «أنّ الصين ستتخذ إجراءات ملموسة وسنلتزم بواجباتنا بصدق».

أما لوران فابيوس الذي ترأس مؤتمر الأمم المتحدة الـ21 للتغير المناخي في باريس الذي تمّ التوصل إلى الاتفاق في ختامه، فندّد بـ«خطأ معيب وغلطة كبرى»، متهماً ترامب بإصدار «سيل من الأكاذيب بشأن المناخ».

في السياق نفسه، أعلنت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي في اتصال هاتفي مع ترامب «أنّ اتفاق باريس يحمي ازدهار وأمن أجيال المستقبل، فيما يضمن لمواطنينا وشركاتنا الحصول على الطاقة». واعتبرت الحكومة البلجيكية «أنّ القرار الأميركي غير مسؤول ويُضرّ بمصداقية الوعود المقطوعة».

وأكد رئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني ورئيس وزراء هولندا مارك روته على «أنّ تحقيق أهداف اتفاق باريس سيصبح أصعب بدون مشاركة الولايات المتحدة، لكن كلّ دول العالم الأخرى ستواصل تطبيقه».

في ظل القلق الشديد وخيبة الأمل إزاء قرار الولايات المتحدة فإنّ آثاراً سلبية كثيرة يمكن أن تترتب عنه، لأنّ مكافحة التغير المناخي هي عملية مؤاتية ومتلازمة مع النمو الاقتصادي والتنموي، وبالتالي هي عملية لا يمكن عكسها ولا وقفها مما يؤثر على روح التعاون والتضامن بين الدول المثبتة في باريس إزاء هذا القرار الذي اتخذه ترامب.

يُّذكر أنّ ترامب برّر قراره بشعار «أميركا أولاً»، وحجة رجل الاقتصاد والمستثمر العقاري «أنّ تكاليفه الاقتصادية أكبر بكثير من المنافع التي قد تتمخّض عنه».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى