هواجس تركيا ومشاركة الناتو في سورية
د. هدى رزق
يتفق المحللون الذين يرصدون الصراع في الرقة أن الهجوم بات قريباً، وأنه حان وقت المعركة بعد أن خططت الولايات المتحدة لهذه العملية أكثر من عام، وشهدت عرقلة من تركيا واعتراضاتها المتواصلة على تسليح وحدات حماية الشعب الكردية. لكن الولايات المتحدة قرّرت في نهاية المطاف أن تأخذ القرار، ووقع الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي قراراً يسمح للبنتاغون بتسليح وحدات حماية الشعب مباشرة، قبل أيام فقط من الاجتماع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في واشنطن.
صُدم الأكراد السوريون بعد هذه الزيارة بعد أن صرح جوناثان كوهين، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشوؤن تركيا وقبرص واليونان، بأن التحالف الأميركي مع وحدات حماية الشعب مؤقت، وتكتيكي. خفّف هذا التصريح من حالة التوتر في العلاقات التركية الأميركية بعد أن كان المسؤولون الأميركيون قد عرضوا ضمانات على الرئيس رجب طيب أردوغان في اجتماعات مغلقة.
هي المرة الأولى التي تحدد فيها العلاقات الأميركية الكردية بهذا الوضوح. وفي مؤتمر نظمه معهد الشرق الاوسط بعد يوم من لقاء أردوغان في16 أيار مع ترامب، إذ أكد مساعد وزير الخارجية الأميركية أن واشنطن لم تعد وحدات الحماية الكردية بأي شىء.
طالب الأكراد الولايات المتحدة بالاعتراف بحكم ذاتي كردي في شمال سورية. وطالبوا بمعرفة ما سيحصل بعد تحرير الرقة، وبماذا سيخرجون من كل هذه المشاركة في المعارك، لكنهم لم يحصلوا على إجابات واضحة من الولايات المتحدة.
تشكل هذه التساؤلات محور النقاشات داخل الحكومة الأميركية، فالسؤال الذي يُطرح بحدّة يتمحور حول ما سيأتي بعد الرقة وعلى رأس جدول الأعمال العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، بعد أن يتم وقف تدفق الأسلحة للأكراد. وأكد متحدث عسكري أميركي في بغداد ان التحالف بقيادة الولايات المتحدة بدأ بإعطاء أسلحة ومعدات جديدة لوحدات حماية الشعب، لكن الاسلحة شملت انواعاً صغيرة وذخائر وبنادق رشاشة ثقيلة واسلحة مضادة للدبابات لاستخدامها ضد أجهزة متفجرة. وأسلحة تستخدمها القوات الراجلة، ما يعني أنه جرى تخفيض نوعية الأسلحة المعطاة للأكراد. وهذا يناقض ردّ فعل أنقرة الذي أثار استياء واشنطن بسبب التعبئة الداخلية المعادية لأميركا إلا ان التهديدات بإلغاء دخول التحالف إلى قاعدة إنجرليك الجوية قد تبخر. ويبدو أن الغارات الجوية التي شنتها تركيا في 25 نيسان على مواقع وحدات حماية الشعب داخل شمال سورية والتي عرّضت القوات الأميركية الخاصة للخطر في المنطقة، كانت جميعها تهدف إلى تطمين الحساسيات الوطنية والقومية التركية ليس إلا.
وكان ترامب قد طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماعهم الذي استمرّ 23 دقيقة في البيت الأبيض يوم 16 آذار بالإفراج عن القس الأميركي برونسون الذي تحتجزه تركيا، مما أثار الأمل بالإفراج عنه والسماح له بالعودة إلى بلاده. إلا أن اتهامات ضد برونسون ومنها أنه عميل لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه نشرت في صحيفة «تقويم» التركية المملوكة من برات البيرق صهر اردوغان بعد اربعة ايام فقط من لقاء الرئيسين. وعلاقته بفتح الله غولن المتهم بالتآمر والانقلاب على الرئيس التركي وتقديمه الدعم المادي والمعنوي لحزب العمال الكردستاني، أثار غضب الولايات المتحدة. ترى أنقرة أنه يمكنها استخدام القس برونسون كرهينة لكن المحللين الغربيين يرون ان الأمر يمكنه ان يسبب إضراراً بالعلاقات الثنائية الاميركية التركية.
وكان اردوغان قد أثار احتجاجات عندما اقترح على البرلمانيين من حزب العدالة والتنمية احتجاز تركيا رعايا غربيين من الدول التي رفضت الامتثال لمطالب تركيا بتسليم رعايا أتراك متهمين بعلاقات مع غولنيين وغيرهم من الجماعات المحظورة.
في موقف آخر، لا يبدو قرار الناتو بالشروع في مهمة محدودة الآن في سورية يفيد تركيا فهو لن يؤيد مغادرة الأسد أو إنهاء الشراكة الأميركية مع وحدات حماية الشعب الكردية. كررت تركيا تحذيراتها للولايات المتحدة بشأن مساعدة وحدات حماية الشعب كذلك حذرت الحلف الاطلسي.
قبلت بمشاركة الناتو في سورية والعراق، فهي لن تعرقل الشراكة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب في الرقة، لكنها ستواصل إطلاق النار بين الفينة والأخرى على مواقع وحدات حماية الشعب بالقرب من الحدود التركية. وهي بالرغم من تأييدها قرار مشاركة الناتو ضد داعش، تعتبر قرار الحلف المشاركة متأخراً، كما أنها ترى أن الولايات المتحدة مصممة علی التعاون مع وحدات الحماية الكردية ودعم الناتو للعملية، ما يعني دعم وحدات حماية الشعب. وكانت الولايات المتحدة قد امتنعت عن مشاركة تركيا معلوماتها الاستخبارية الأولية عن جميع المنظمات الإرهابية، لذلك يمكن ان تنشأ المشكلة نفسها مع حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي قد يخلق أزمة ثقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، ويمكن أن يزود هذا الموضوع وحدات حماية الشعب بمزيد من الشرعية، بالرغم من تأكيدات واشنطن أن التحالف تكتيكي.
أعلنت تركيا موقفها وهو الهاجس من المسألة الكردية وتم إخطار الناتو بأنه إذا تم استخدام تدخل الناتو كتهديد للأجزاء التي تسيطر عليها تركيا من سورية أو إلى الحدود التركية، فإن أنقرة ستردّ عسكرياً.
وعلى الرغم من جميع تحفظاتها الأمنية الوطنية، وبموجب القرار الذي اتخذ في بروكسل، فإن على أنقرة فتح قاعدة انجيرليك الجوية وجميع القواعد الأخرى لعمليات الناتو.
كانت أنقرة تحاول استخدام انجرليك كورقة لتعطيل التحالف الأميركي مع الأكراد. يتزامن قرار الناتو مع مشكلة تركيا مع المانيا بشأن قاعدة انجرليك، بعد أن منعت أنقرة البرلمانيين الالمان من زيارة الجنود الالمان في القاعدة. استجابت المانيا وهددت بالبحث عن قاعدة بديلة. ولكن الاستمرار في هذا الموضوع سيشكل تحدياً من قبل تركيا للناتو.
إن قرار أردوغان بعدم استخدام حق النقض ضد قرار الناتو، أعطى انطباعاً بأن النقاش يتعلق فقط بالأكراد. يميل المحللون الأتراك إلى تفسير قرار الناتو المشاركة أنه دعم غير مباشر للأكراد. ولا يناقشون الخطة الأميركية التي تهدف الى الحد من النفوذ الإيراني في العراق وسورية. فالفكرة الأساسية تتمحور حول منع إيران من إقامة ممر يصل العراق بسورية ومن ثم بلبنان. وهناك خطط لقوات معارضة دخلت إلى سورية من الأردن للقبض على معبر التنف الحدودي واستخدام قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة والمتقدمة من الرقة ودير الزور للقبض على معبر البوكمال – القائم الحدودي.
وفقاً لهذا السيناريو، ستتشكل منطقة عازلة بين العراق وسورية. يمكن لإعلان الناتو، المناهض لتنظيم الدولة الإسلامية، أن يكون رمزياً في ظل تكهنات عن انضمام التحالف العسكري الإسلامي السني الذي كان السعوديون يعملون عليه منذ عامين والذي أعلن رسمياً في 21 أيار في القمة الاميركية العربية الإسلامية في الرياض. والذي اقترح رفد 34 الف جندي من القوة العسكرية الدولية الى العراق وسورية. إن كانت تركيا لا تناقش الموضوع فهي حتماً ستكون الى جانب الناتو والى جانب التحالف الإسلامي الذي تعتبر جزءاً منه. وهو بدوره يشكل خطر تقسيم المنطقة الأمر الذي تخشاه تركيا.