«الإفلاس الكوميدي»
كمال القاضي
خلال السنوات العشرين الأخيرة، بدأت تغيّرات واضحة في ملامح شهر رمضان على الشاشة المصرية الصغيرة. وأوّل ما ظهر من دلالات وأمارات الهبوط والتردّي، تمثّل في اختفاء الأعمال الدينية والتاريخية، كمقدّمة للإحلال والتبديل الذي حدث في الشكل والمضمون، إذ كان آخر عهد التلفزيون المصري بالدراما الجيدة، مسلسل «الطارق» للراحل ممدوح عبد العليم، و«هارون الرشيد» الذي جاء على إثر نجاح مسلسل «عمر بن عبد العزيز»، الذي تعاون فيه الفنان نور الشريف مع الشاعر والكاتب عبد السلام أمين والمخرج أحمد توفيق، فأنجزوا العملين الكبيرين المهمين، وبعدئذٍ بدأ تيار الأعمال الخفيفة في التنامي. وظهرت موجة المسلسلات الكوميدية بقيادة نجومها المتخصّصين، وفرضت الموجة نفسها كانعكاس لحالة الإحباط العامة التي سيطرت على الجمهور، إزاء المشكلات الاجتماعية المتلاحقة والمتراكمة، وبالتوازي خلقت الظروف شكلاً آخر من البرامج لم يكن معتاداً، اعتمد على السخرية والتهكم وردود الفعل، وربما كان برنامج «الكاميرا الخفيّة» باكورة هده الأعمال الدخيلة المختلفة.
ورغم الهجوم الصارخ الذي قوبل به البرنامج الرمضانيّ الساخر، إلا أنه استمر طويلاً. وواصل إبراهيم نصر تقديم حلقاته بدأب شديد، ولأن هذا النوع من البرامج ينتشر كالعدوى، تولّدت عن الفكرة أشكال أخرى حذت الحذو نفسه، وأدّت الغرض نفسه، فرأينا برنامج «إدّيني عقلك» الذي اجتهد في تقديمه الممثل منير مكرم، وحاول أن ينافس به، لكنه لم يستمرّ طويلاً لأسباب إنتاجية. وعلى المنوال نفسه تكاثرت النوعيات وتوالدت الأشكال والنماذج، فظهرت واختفت كالبرق أسماء وعناوين كوميدية، كان من بينها «العيادة، وربع مشكل» وغيرها. ورغم تعددها وانتشارها كانت لا تزال برامج مأمونة غير مؤذية بما يخيف ويرجف كما هو الآن.
وبمرور الوقت واستجابة الجمهور، أو بالأحرى القنوات الفضائية لهذا النمط، تداخلت البرامج مع المسلسلات، وأنتجت أجناساً درامية أخذت شكل البرامج، بينما صنّفت كمسلسلات كوميدية ومن بينها «الست كوم» الذي بدأ في تقديمه الفنان أشرف عبد الباقي وأحمد الفيشاوي، فتمّ تثبيته كلون فكاهيّ مطلوب ومربح، ولم تكن هذه النوعيات معنيّة بشيء غير الضحك والسخرية فتم تشجيعها رقابياً وإنتاجياً، فانتشرت حتى صارت سمة من سمات الكوميديا الهزلية، واستقطبت الظاهرة نجوماً ونجمات كباراً وكبيرات لم يدقّقوا في ما تقدّمه هذه الأشكال المبتكرة، ومضوا فرحين بالنجاح والعائد المادي الجزل.
ومن سنة إلى سنة ومن رمضان إلى رمضان، تفاقمت الأزمة فبقيت إشارة لفساد وإفساد الذوق العام، تحت لافتة أو مظلة الكوميديا، التي صارت مبرّراً لكل ما هو غثّ وركيك، ولأنها باتت أمراً واقعاً فقد تكرّر حضورها الثقيل، فمن مسلسل «يوميات زوجه مفروسة» و«زوجة مفروسة جداً» الذي قدّمتة داليا البحيري السنة ما قبل الماضية والسنة الماضية مع خالد سرحان في حلقات متّصلة منفصلة، تمّت كتابتها على جزأين، إلى حلقات مسلسلة أخرى تحتفي بها الفضائيات الخاصة الآن كعمل كوميديّ فارق وجديد تحت عنوان غريب في منطوقة ومعناه «ريح المدام» ويقدّم نماذج من التشاجر والخلاف والمواقف المستفزة بين الزوج والزوجة، باعتبارها جرعات كوميدية سريعة منشّطة وباعثة على الضحك والمرح. كما أن هناك مسلسلاً آخر لمصطفى شعبان بعنوان «اللهم إني صايم» يمارس فيه هوايته الكوميدية أيضاً، بعد أن استنفدت فكرة تعدّد الزوجات أغراضها، فأصبحت غير مجدية، ما اضطره للبحث عن لون آخر يتيح له فرصة التواجد بقوة في الموسم الرمضاني، ليثبت أنه مطلوب كنجم وممثل مهمّ، ولكنه رغم تفانيه في الإقناع بالدور، لم يفلح بالشكل الكافي في تقمّص الشخصية خفيفة الظلّ سريعة البديهة، وهي أزمة يواجهها معظم أبطال المسلسلات المتورّطين في أعمال كوميدية ليست لهم، ولا تتوافق مع طبيعتهم الإنسانية ولا أسلوبهم في الأداء، غير أنهم تحت الرغبة الملحّة في العمل وانتهاز الفرص قبلوا بأن يضعوا أنفسهم موضع التلاميذ في الاختبارات الصعبة، من دون وجه حقيقي للاضطرار، والأمثلة على ذلك كثيرة من بينها مثلاً دور هالة صدقي مع عادل إمام في مسلسل «عفاريت عدلي علام» الذي تبدو فيه كأنها ممثلة هاوية تقدّم الكوميديا للمرّة الأولى من فرط التصنّع والافتعال ومحاولة تعويض الأداء الضعيف الباهت بالمكياج والباروكة، لصرف النظر عن التركيز في عمق الشخصية، وهو مأزق خصم من رصيدها المتوفرّ من السنة الماضية، حين قدّمت أقوى أدوارها في مسلسل «ونوس» مع الممثل الكبير يحيى الفخراني، حيث كان هناك دور وشخصية حيّة من لحم ودم.
المشكلة ذاتها تواجه ماجدة زكي التي استسهلت أدوار الكوميديا فأصبحت كل شخصياتها مكرّرة لا يفرّق بينها غير الحوار، بينما طريقة الأداء واحدة ثابتة لا تتغير، وهو ظلم كبير لموهبتها تسبّبت فيه بنفسها، ولا أحد سواها.
المآخذ على الأداء الكوميدي ونوعيات الأعمال كثيرة ومتعدّدة، لكننا سنكتفي بهذا القدر حتى إشعار آخر.
كاتب مصري