جنبلاط يقود بعد العيد مشاورات تنتهي بطرح فرنجية مرشحاً توافقياً تركيا تتراجع عن التهويل بالتدخل البري في سورية… بسبب الصواريخ

كتب المحرر السياسي

تركيا بعد تفويض البرلمان للجيش بالقيام بعمليات ضدّ الإرهاب في سورية والعراق، لم تشبه تركيا التي كان بشر بها الرئيس التركي رجب أردوغان، في التهديد بدخول بري إلى الأراضي السورية، فقد تراجع التهويل لحساب تفويض محدّد يتصل بالمشاركة في الحلف الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي لا يتصل بتغيير الواقع السياسي السوري بالقوة والتورّط بحرب مع الدولة السورية، بعدما قال قادة الجيش في المناقشات إنّ عواقب مثل هذا التورّط تتمثل بخطر سلاح الصواريخ السوري الذي قد يهدّد مدن تركيا الكبرى إذا حدثت المواجهة.

ومثلما رسم الجيش الخطوط الحمراء للسياسة في تركيا كذلك في لبنان، فالارتباك الذي نتج من فشل الجلسة التشريعية أول من أمس بإقرار سلسلة الرتب والرواتب وفقاً للتعديلات التي أدخلت عليها، أعاد تذكير السياسيين بأنّ الجيش مؤسسة مفصلية في صناعة القرار، على رغم خضوعه لقرارات السلطة التنفيذية وفقاً للدستور، فهو مؤسسة غير وظيفية، عندما يطلب منها تقديم الدماء، ولا يمكن لمن يبذل دمه وروحه تحت عنوان الفداء للوطن، أن يطلب منه التصرف كمرتزق يتقاضى أجراً ليطيع التعليمات.

الجيش لن يسمح بإهانته وإذلاله، هذه هي الرسالة، وثمة تطاول عليه في الوسط السياسي، على الحكومة أن تصده، يقوم به نواب وتردّد صداه جمعيات وهيئات، والجيش لا يتكلم فعلى الحكومة أن تتصرف لصيانة معنوياته وكرامته، والجيش يتعرّض بضباطه وجنوده لقلق معيشي وحياتي فلا يمكن قبول التطاول على لقمة عيش العسكريين وضمانات أولادهم، باعتبارهم مجرّد موظفين يختلفون عن سواهم من الموظفين بالتوصيف الوظيفي للمهمة فقط، ولذلك في الشأن المالي تقديمات العسكريين التي تليق بتضحياتهم هي حقوق مكتسبة لهم، وهي واجب على الحكومة والمجلس النيابي لا منة من أحد، أما في الحفاظ على أمن البلد ومواجهة المخاطر فالجيش سينفذ مسؤولياته الوطنية وفقاً لمهامه المبدئية التي يفترض أن تعبّر عنها تعليمات السلطة التنفيذية، وأن توفر للجيش التسليح والتجهيز اللازمين لحماية مواقعه وتشكيلاته والبلد، والموازنات التسليحية والتجهيزية لم تعد قابلة للمسايرة، أما في السياسة فليس الجيش من يتدخل، بل السياسيون هم من يدخلونه، فلم يرشح الجيش من صفوفه أحداً للرئاسة بل السياسيون هم الذين فعلوا، أما في المفاوضات حول العسكريين المخطوفين، فالجيش لا يتخلى عن عسكريّيه ولا مهلة مفتوحة لاستردادهم، ومن صلب مسؤوليته القيام بما يضمن عودتهم سالمين إذا فشلت المفاوضات باستردادهم.

هذا هو مضمون الرسالة التي نقلها عدد من الضباط إلى قيادة الجيش، وعبرها إلى وزير الدفاع ومنه لرئيس المجلس النيابي، والتي أدّت إلى تغيير المناخ المحيط بمناقشات السلسلة، حتى قالت مصادر سياسية ونيابية وازنة، إذا كان ثمن تمرير السلسلة عدم إنصاف العسكريين، والإساءة إليهم، فعندها «بلاها أحسن».

على الضفة السياسية بقيت الرتابة سيدة الموقف، بينما رشحت من أوساط قريبة من النائب وليد جنبلاط معلومات عن تفكيره جدياً بعد عيد الأضحى ببدء مشاورات غير معلنة، تقوم على معادلة رئاسية لثنائي العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية والوزير نهاد المشنوق لرئاسة الحكومة، وفي حال الفشل بتسويقها التقدم بثنائي النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية والرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة.

انقلبت المعطيات مساء أمس في قضية العسكريين المخطوفين، بعد بيان «جبهة النصرة» التي سحبت فيه كل ما نقل عنها من تعهدات تتعلق بضمانها سلامة العسكريين المحتجزين لديها، والمطالب التي نقلت عنها للإفراج عنهم، فيما لم يلامس مجلس الوزراء موضوع المقايضة لا من قريب ولا من بعيد، بحسب ما أكدت مصادر وزارية لـ»البناء». وانتهت المناقشات الحكومية في موضوع العسكريين والتي استغرقت حوالى ثلاث ساعات ونصف الساعة في جو هادئ، بتفويض رئيس الحكومة تمام سلام مواصلة التفاوض بكل الوسائل والقنوات المتاحة، توصلاً إلى تحرير الجنود المخطوفين، على أن يطلع مجلس الوزراء على النتائج.

وأشارت المصادر إلى أن الصمت يجب أن يكون سيد الموقف في المفاوضات، في حين أوضحت مصادر وزارية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن المناقشات ركزت على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن لبنان يجب أن يفاوض من موقع القوي لا من الموقع الضعيف.

وفيما أشار مصدر أمني لـ»البناء» أن «الأمور ايجابية»، أعادت «جبهة النصرة» الموضوع إلى النقطة الصفر، معتبرة أن «ما ورد في وسائل الإعلام اللبنانية أخيراً عن تعهدنا بعدم قتل أي جندي محتجز لدينا عار من الصحة، ولا يوجد أي جهة تمثلنا أو تفاوض عنا». أما عن مطالبها، فأشارت إلى أنه «أعلنّا سابقاً مراراً وتكراراً أنه لا مفاوضات حتى يتم تسوية وضع بلدة عرسال في شكل كامل، وحل مشاكل اللاجئين السوريين والإفراج عمن اعتقل منها أخيراً، وقد حمّلنا الموفد القطري هذه الشروط ولم يردنا منه أي ردّ حتى هذه اللحظة، وأبلغناه أننا على استعداد لإطلاق سراح أسرى من الجنود مقابل إفراج الحكومة اللبنانية عن سجناء من رومية بعد تنفيذ الشروط الأولية الآنف ذكرها واستئناف المفاوضات». وحذّرت من «أن أي تعدٍ مقبلٍ على أهل السنة سيدفع ثمنه كلّ من ينتمي لهذه المؤسسة العسكرية ولا أهمية للمفاوضات حينها».

ورداً على بيان «النصرة» والذي جاء فيه أنها لم تتعهد بعدم قتل العسكريين المحتجزين، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق أن «المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لم يقل أي شيء مما أشيع»، موضحاً أن «اللواء إبراهيم لا يحمل ضميره مقولة أخذ تعهد خطي من إرهابيين». ولفت إلى أن «الحكومة اللبنانية لا تعتقل إلا من يرتكب بحق الجيش والمؤسسات الرسمية في لبنان»، معلناً «أننا لن نبلغ بأي تطور في شأن المخطوفين إلا حين يصبح واقعاً».

رأى المشنوق في حديث تلفزيوني أن «لقاء وزير الخارجية جبران باسيل بنظيره السوري وليد المعلم تجاوز لفكرة الحكومة الائتلافية»، موضحاً أن «زيارة سورية في هذا الظرف من قبل هذه الحكومة هي خرق للهدنة».

قهوجي يتوقع تجدد المعركة في عرسال

وسبق بيان الجبهة توقع قائد الجيش العماد جان قهوجي «نشوب معركة جديدة مع المجموعات المسلحة على أطراف بلدة عرسال»، مؤكداً أن «الجيش اللبناني عزز انتشاره في تلال عرسال، وعزل البلدة عن أطرافها، لمحاصرة المسلحين ومنع وصول أي إمدادات إليهم». وكشف قهوجي في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز» أن «الجيش رصد خلية إرهابية في طرابلس»، مشدداً على أننا «نعمل على ملاحقة أفرادها من دون وقوع معركة وهدر دماء أبرياء، لكننا سنلجأ إلى الحل العسكري إن لم تنفع الحلول السلمية».

معادلة الرئاسة والتمديد

وفي موازاة ارتفاع منسوب التوتر الأمني، كان النشاط السياسي الداخلي يتركز على الاستحقاقات الرئاسية والمجلسية، والتي بدت مترابطة في معادلة واحدة تشكل مخرجاً للأزمتين، يعمل عليها النائب وليد جنبلاط بحسب ما أكدت مصادر متابعة إلى «البناء».

وأكدت المصادر أن التمديد للمجلس النيابي واقع لا محالة، مشيرة إلى بوادر حلحلة تبدأ بالتمديد للمجلس النيابي وتنتهي برئاسة الجمهورية. وتحدثت المصادر عن اتفاق رعاه النائب جنبلاط يقوم على معادلة التمديد مقابل انعقاد لواء رئاسة الجمهورية لرئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وتولي الوزير نهاد المشنوق رئاسة الحكومة. وأوضحت المصادر أن زيارة جنبلاط باريس أمس ولقاءه الرئيس سعد الحريري تندرج في هذه الخانة، وهي جاءت بعد اللقاء الذي جمع جنبلاط أول من أمس مع وفد من حزب الله في كليمنصو، وقبله إيفاده النائب أكرم شهيب الرابية حملا رسالة خاصة منه إلى عون. وأكدت المصادر أن فريق 14 آذار كان مخطئاً عندما افترض أن المرشح الحقيقي لحزب الله إلى رئاسة الجمهورية ليس رئيس تكتل التغيير والإصلاح.

وغمزت المصادر من كلام السفير الأميركي ديفيد هِلْ يوم الاثنين الماضي عن ضرورة التصدي للإرهاب والحفاظ على الوحدة الوطنية والإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية، في حفل الاستقبال الذي أقامته السفارة الأميركية وحضره عدد كبير من نواب تكتل التغيير والإصلاح، وبين ما يتم تداوله في أوساط التكتل، عن تحرك أميركي للضغط على السعودية لعدم الوقوف في وجه وصول عون إلى رئاسة الجمهورية.

وتعليقاً على ترشيح المشنوق وليس الحريري لرئاسة الحكومة، علمت «البناء» من مصادر مطلعة أن الثاني ألمح أثناء زيارته الأخيرة بيروت، إلى فصل المناصب الحزبية عن المسؤوليات السياسية الرسمية سيكتفي بكونه رئيساً لتيار «المستقبل» وحسب.

من جهة أخرى، أكدت مصادر حزب الله أن النقاش في اللقاء الذي جمع وفد الحزب الله مع جنبلاط في كليمنصو شمل تداعيات المنطقة على لبنان، والاستحقاقات الرئاسية والمجلسية والمعيشية للمواطنين. وأوضحت أن «اللقاء كان ايجابياً واتسم بالصراحة»، وأكد المصدر أن «هذا اللقاء يؤسس لحسن حل الخلافات في وجهات النظر بالمستقبل».

كما أكدت مصادر الحزب لـ»البناء» أن الاجتماع كان جيداً وأنها تنتظر «بعض المستجدات» لتظهر نتائجه العملية.

التمديد أواخر الشهر

وفي سياق متصل، علمت «البناء» من مصادر مطلعة أن الاجتماع القصير الذي ترأسه رئيس مجلس النواب نبيه بري لهيئة مكتب المجلس بعد الجلسة التشريعية أول من أمس، لم يدخل في بحث تفاصيل الملفات والمواضيع التي كان يفترض أن تدرج على جدول أعمال الجلسة الثانية، وبقي في إطار التشاور.

وكشف الرئيس بري أمام زواره أمس أنه لن تكون هناك جلسة تشريعية وشيكة، ما يؤكد أن الجلسة التي جرى الحديث عن انعقادها يوم الأربعاء المقبل لن تحصل، وأن الموعد سيؤجّل إلى أواخر هذا الشهر أو مطلع الشهر المقبل.

وربطت مصادر نيابية بين هذه الجلسة وموضوع التمديد للمجلس، لكن بري كرّر أن هذا الموضوع لم يطرح معه ولا شيء جديداً حوله، مجدداً موقفه الرافض للتمديد.

والجدير بالذكر أن النائب نقولا فتوش كان تقدّم باقتراح قانون معجّل مكرر يقضي بالتمديد للمجلس سنتين وسبعة أشهر، وأن هناك اقتراحاً آخر في المقلب الآخر يرمي إلى تعديل مهل دعوة الهيئات الناخبة لتفادي أي طعن في حال إجراء الانتخابات في موعدها.

ويتوقع أن يطرح الاقتراحان في الجلسة المقبلة، ما يعني أن التمديد المرجّح سيحصل في أواخر هذا الشهر أو مطلع الشهر المقبل.

من جهة أخرى، أكّد الرئيس بري أن موقفه بإعادة السلسلة إلى اللجان المشتركة يعود بالدرجة الأولى إلى اعتراض المؤسسة العسكرية الذي لا يتجاهله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى