المنظمات الإنسانية الدولية في لبنان دور سياسيّ أم مهمّة إنسانيّة؟!
علي البقاعي
رغم العمل الإيجابي الذي تقوم به عشرات المنظمات غير الحكومية الموجودة في لبنان، بمساعدة ألوف السوريين الذين لجأوا إليه هرباً من حرب فرضت على وطنهم بأيد وعقول حاقدة، فإن هذه المنظمات الإنسانية الدولية باتت ظاهرة فريدة وغريبة لا يوجد مثلها وطريقة عملها الفردية والفوضوية إلاّ في لبنان. هل هي أساساً بهذه الفوضى أم أنها أصيبت بالعدوى فـ»تلبننت»؟
أربعون منظمة وأكثر تنتشر في قرى لبنان ومدنه، من عكار شمالاً إلى شبعا جنوباً، وصولاً إلى زحلة وسطاً فعرسال شرقاً، استوطنت في لبنان بـ»الجملة والمفرق» مع بدء الأزمة في سورية تحت شعارات إنسانية وإجتماعية وخيرية وصحية وتعليمية مهمتها المعلنة العمل الإنساني لمساعدة اللاجئين أو النازحين السوريين، رافعةً شعارات العالم المتمدن ومبشرة بالعدالة والمساواة والعيش الكريم والحق في الحياة والتعلم والحرية. ورغم أنها أمنت فرص عمل لمئات بل ألوف اللبنانيين الخريجين وغير الخريجين وللكثير من السوريين، إلاّ أن اللافت في أمر الكثير من هذه المنظمات أنها تعمل تحت راية بلدان تنتمي في معظمها إلى مجموعة «أصدقاء سورية» وهي في الواقع العدو الرئيسي لسورية مثل الولايات المتحدة الأميركية والدانمرك والنروج وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وأوستراليا وبريطانيا ودولة قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
فلو كانت الأمم المتحدة ودول «أصدقاء سورية» تريد حقاً مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان، لِمَ لا تخصص موازنة متكاملة، سواء في الأمم المتحدة أو ضمن موازناتها المحلية، لهذه «المأساة الإنسانية» مثلما يسمونها؟
كيف تكون الدول التي تؤجج الصراع في سورية هي نفسها الدول التي ترعى عدداً من هذه المنظمات الإنسانية غير الحكومية لمساعدة الشعب السوري؟ لِمَ لا يجاهر «أصدقاء سورية» بالحقيقة وبأنهم لا يريدون حلاً لمسألة اللاجئين وأن مسألتهم هي مسألة سياسية بإمتياز، وبأنهم عبر منظماتهم «الإنسانية» يساهمون في تشجيع السوريين على مغادرة قراهم ومدنهم واللجوء إلى دول الجوار لأجل الإغراءات المادية التي يقدمونها؟ ولماذا لا تعمل هذه المنظمات الإنسانية تحت راية واحدة طالما أنها تريد المصلحة العامة للسوريين بحيث تذهب المساعدات إلى من يستحقها فعلاً لا قولاًً؟ وهل تعمل هذه المنظمات «الإنسانية» حقاً على مساعدة أكثر من مليون مواطن سوري موجودين على الأراضي اللبنانية؟ أم أنها تنفذ سياسة دولها بالإبقاء على مشكلة اللاجئين في لبنان وباقي الدول المجاورة للضغط على الحكومة السورية واستعمال قضيتهم ورقة ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية مثلما فعلت بعض هذه الدول خلال الحروب الأهلية في رواندا والكونغو والصومال وإريتريا ونيكاراغوا وسلفادور وفيتنام وكمبوديا ولاوس، حيث كان دور بعض هذه المنظمات كمثيلتها اليوم العمل على استمرار مأساة اللاجئين إلى حين نضوج الحل السياسي الذي ترتأيه الدول الممولة.
أما موضوع الفساد في إدارة المساعدات التي تقدمها هذه المنظمات فأدعو إداراتها الإقليمية إلى تقويم جدي لعملياتها في لبنان وإجراء تفتيش للتأكد أين تذهب مساعداتهم الإنسانية المخصصة للشعب السوري؟ فسيرون بأم العين عمليات الهدر والسرقات التي تتمّ تحت أعين عدد من مسؤولي البرامج وتحت «أيديهم» في مناطق السوريين ومخيّماتهم وفي البلديات والمراكز التي توزع فيها هذه المساعدات، وسيكتشفون «الفوضى اللبنانية الخلاقة» في عملية تسجيل اللاجئين، وسيلاحظون ألوف الأسماء الوهمية المسجلة في سجلات النازحين للحصول على مساعدات تذهب إلى جيوب بعض المتنفذين في البلديات أو الجمعيات المحلية المتعاونة معها؟ وسيستنتجون كيف أصبح بعض المسؤولين بين مساعدة وهبة من أصحاب الحسابات المصرفية المتخمة والسيارات الفخمة بعدما كانوا حتى الأمس القريب يتنقلون مشياً على الأقدام أو بالمايكرو باص إذا كانوا يملكون «فراطة» كفاية؟
أدعوهم إلى أن ينظروا بدقة وجدية إلى كيفية توزيع بطاقات المساعدات المالية النقدية الخاصة بالسوريين على ألوف اللبنانيين المحسوبين على فئات سياسية محلية وكيف تحوّل بعض هؤلاء اللبنانيين بفضل «العبقرية» اللبنانية إلى سوريين، وليشاهدوا بأم العين كيف يشتري السماسرة المحترفون كوبونات الطعام وكوبونات النقل، وكيف يفرض على المواطنين السوريين شراء حاجاتهم من محلات معينة يملكها أعضاء موظفون في هذه المنظمات أو أقرباء لهم أو شركاء لهم «تحت الطاولة»، وليروا كيف توقع العقود مع أصحاب محطات الوقود ومناقصات شراء الألبسة والمواد الغذائية والتموين، وعلى أي أساس يتم استئجار المراكز الإقليمية والأراضي والبيوت والسيارات رباعية الدفع، والتحقيق بالروايات عن عمليات الابتزاز الجنسي لنساء سوريات كن محتاجات حقاً إلى المساعدات الإنسانية أو إلى العمل، اللهمّ إلاّ إذا كان كل ذلك يتمّ بمعرفة أو بغض نظر من الإدارات العليا لهذه المنظمات.
تستطيع الدولة اللبنانية، رغم إفتقارها إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع مسألة اللاجئين السوريين، إذا أرادت، فرض رقابة على عمل هذه المنظمات وإلزامها بالعمل ضمن موازناتها الكبيرة تحت إدارتها ورقابتها، كون الدول الأم من «أصدقاء سورية» لن تتكرم على لبنان وتهبه المليارات التي طلبتها الحكومة سرّاً وعلناً لأجل الإهتمام فعلياُ بمساعدة السوريين في لبنان، وأن تضغط على هذه المنظمات للعمل على إقناع دولها التي تهيم «عشقاً» بالشعب السوري بوقف تمويل ألوية الإرهابيين وكتائبهم على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، وبذلك يساهمون في مساعدة الشعب السوري مرة واحدة إلى الأبد بالعودة إلى وطنه.