حرب الجيل الرابع تطرق أبواب السعودية
فهد المهدي
أصبحت حروب الجيل الرابع في الفترة الراهنة من أهمّ الحروب التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية بعد تجاربها الفاشلة من خلال الحروب العسكرية التي أثبتت فشلها وكانت تكلفتها عالية فى الأرواح والمعدات، لذلك كان لا بدّ من اللجوء إلى حروب الجيل الرابع التى تقضي بالحصول على أكبر مكاسب من خلال الحرب عن بعد باستخدام كلّ الوسائل الممكنة، وترتكز هذه الحرب الأميركية فى الفترة الحالية على تغذية المنطقة العربية من جميع النواحى الجغرافية والسياسية والدينية، مستثمرة ما يجري فيها، معتمدة على رجال المخابرات الأميركية CIA والموساد الصهيوني.
وتقتضي هذه الحرب بتفكيك البنية الداخلية لكلّ الدول العربية والإسلامية على أسس دينية ومذهبية، لتتحوّل بعدها إلى مجموعة من الدويلات لتتناحر في ما بينها حتى تصل الى التدمير الشامل من دون تدخل عسكري من الدول الكبرى، وهو ما يحدث بالفعل فى العراق وسورية وليبيا واليمن، ويتمّ عبر وكلاء من إرهابيين ومرتزقة لهم مسمّيات تختلف باختلاف الوضع السياسي للبلد وآخرها التنظيم الارهابي «داعش».
كما تستخدم جيش من المغيّبين عقائدياً لتصدير فتاوى هنا وهناك تثير حفيظة الأطراف المتصارعة لتأجيج الخلافات الطائفية بينهم، ولا ننسى كذلك وصول الحقارة السياسية في هذه الحرب إلى حدّ تصدير «فيروسات» مرضيّة مستغلة نقاط الضعف في الدول العربية والإسلامية وآخرها فيروس «ايبولا» الذي ظهر مؤخراً بشكل مروّع في البلدان الأفريقية لإشغال هذه الدول وتدمير معنوياتها وإحساسها بوجود الموت في كلّ مكان من دون القدرة على مواجهته، كنافذة واسعة تساعد فى زيادة فعالية الحرب النفسية الموجهة ضدّ هذه البلدان.
يبدو انّ هذه الحرب لن تقتصر على الدول الآنفة الذكر بل يبدو أنها راهناً تدق أبواب السعودية والخليج العربي بأكمله، رغم ما لهذه الدول من خصوصية لدى واشنطن فهي أدوات هامة في حرب الجيل الرابع التي تستخدمها واشنطن في تنفيذ مشاريعها التوسعية في المنطقة، لذا فهي تتطلب وضعاً خاصاً.
المعطيات الجديدة التي أفرزتها المتغيّرات المتسارعة في الوضع الدولي والإقليمي تشير إلى أنّ واشنطن تسعى إلى الالتفاف حول أدواتها والقضاء عليها بما تقتضي المصلحة، فبوابة الحرب على التنظيم الإرهابي «داعش» والقضاء عليه كونه خطراً يهدّد المنطقة، شماعة جديدة يروّج لها الساسة الأميركيون وحلفاؤهم للتهويل بخطر هذا التنظيم.
هذا التهويل اصاب «آل سعود» بالتشوّش، فباتوا يمارسون الفعل ونقيضه حتى ان المرء ليظن بأنّ عطباً ذهنياً أصابهم، وأفقدهم القدرة على تمييز السياسات الضارة من النافعة لهم، فبدأوا بالشك في ذاتهم وقدرتهم على التحكّم بتلك الطاقة النارية العنفية المتطرفة التي أطلقوها، فحجم الكرة النارية الداعشية التي صنعوها بالخصوص أكبر من قدرتهم على الاستيعاب، وتحمّل ارتداداتها، كما حدث مع جهيمان ومع الصحوة ومع الموجة القاعدية العنفية في مدن السعودية الكبرى، بعد أحداث 11 أيلول 2001.
لقد تركت واشنطن أغبياء السعودية وقطر وتركيا يسرحون ويمرحون وشجعتهم على تأسيس التنظيمات الإرهابية وتمويلها، كونها متيقنة أنّ ما يعمله هؤلاء سيكون العصا القوية التي ستستخدمها الولايات المتحدة الأميركية لضربهم بها في المستقبل.
الهلع السعودي الكبير اليوم، تعكسه الحملات الإعلامية والتصريحات الرسمية والدينية، ومئات المقالات في الصحف المحلية عدا البرامج التلفزيونية وغيرها… بالتزامن مع إعلان موافقة السعودية على توفير موقع لـ«المعارضة السورية المعتدلة» وتدريب عناصرها على أراضيها لمواجهة تنظيم «داعش» والجيش السوري في آن معاً، في خطوةٍ تعدّ غير مسبوقةٍ على مستوى المنطقة، لا شك ولا ريب أنها الطبخة الأخيرة التي تعدّها واشنطن للسعودية التي تعتبر مفرّخةً جيدة للإرهابيين الجدد الذين سيخلفون تنظيم «داعش»، ليظهر تنظيم جديد تستكمل به أميركا أهدافها ومطامعها في السيطرة على بلد المقدسات وما حولها وتقسيمها.
على الرغم من أنّ ذلك قد يبدو للبعض هدفاً بعيد المنال، إلا أنّ خطورة المخطط والمستقبل الذي تواجهه المنطقة والذي يعتبر عند المخططين الأميركيين أنه في مصلحتهم لتنفيذ مشروعهم التقسيمي، فآل سعود الذين لم يتعلّموا شيئاً من دروس الماضي والحاضر، وقد أعنى حقدهم ومكرهم بصرهم كما أعمى بصيرتهم، يفتحون لهم اليوم قبوراً يُدفنون بداخلها بما كسبت أيديهم ويرتدّ سحرهم عليهم.
تبعات السياسة السعودية الخاطئة في المنطقة لن تظلّ محصورة في دائرة من تصبّ حقدها عليهم في العراق وسورية، بل ها هي المعادلة التي كانت تراهن عليها تطرق أبوابها وبقوة، فاستحداث واشنطن لمخططات تتحرك في صميم السعودية وبمباركة حكامها لتعيد من جديد خطتها التي أعلنت عنها كونالديزا رايس مستشارة الأمن القومى في 2002، وهى أنّ العراق هدف تكتيكى والسعودية هدف استراتيجى ومصر هي الجائزة الكبرى.
مسار الأحداث في الأيام القليلة الماضية يكشف لنا أنّ الخطة الأميركية تتجه بوصلتها لتطرق أبواب السعودية، تمهيداً لأن تكون هي الهدف الاستراتيجي المقبل مستخدمة كعادتها الإرهاب، ولكن بصورة تلميعية «مقبولة»، لتظهر قصة جديدة وسيناريو جديداً يُعدّ له الأميركان من خلال تدريب وتغذية الإرهابيين في سورية، او ما يسمّى «المعارضة السورية»، عسكرياً وفكرياً داخل المعقل الأول للتكفير بدعم من «آل سعود» كبديل عن «داعش» التي خرجت عن الحدود المرسومة لها، فضربات الأميركيين وحلفاؤهم على مواقع «داعش» قد تتسبّب في تقليص هذا التنظيم لا القضاء عليه، حتى تتأكد من أنّ البديل المعول عليه والذي سيحلّ محلّ هذا التنظيم أصبح جاهزاً ليلعب دوره الذي يرسم ويخطط له.
خطورة التنظيم الجديد المتمثل في نواته الأولى بـالمعارضة المسلحة السورية» الذي ربما سنسمع له تسمية جديدة في الأشهر المقبلة تختلف عن تسميات التنظيمات الإرهابية السابقة، سيجعل من الهدف الأميركي في تقسيم المنطقة اوسع، ليتلبّس «آل سعود» في المدى القريب لبوس «الجنس المقدس» الذي روّجوا له طيلة عقود عبر شيوخ الفتنة، لكنه بتفصيل أميركي صرف.
أخيراً نرى… أنّ الجلباب الجديد الذي يُحاك في الاراضي المقدسة يتناسب في نظر الأميركيين مع خصوصية هذه الدول، كخطة مبرمجة ومرسومة لتغيير ملامح الشرق الأوسط، وهي تعيد إلى الأذهان تقسيم الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا والصومال، وتغيير النظام في أفغانستان، ودعم انفصال تيمور عن أندونيسيا، وهي في طريقها لفعل الشيء نفسه في دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وكل الأدلة والشواهد ومعطيات الأحداث الراهنة تصبّ في هذا الاتجاه.