الخراب والمقتلة… هدف الولايات المتحدة في أزمة قطر
سومر صالح
حتى لو خلعت قطر كلّ ثيابها أمام العمّ سام الأميركيّ فلن تنحلّ الأزمة التي تعصف بها سريعاً. فالأزمة الراهنة ليست تكتيكية ولا دبلوماسية ولا تأديبية إرضاء لهذه المشيخة أو تلك المملكة، فالأمر شديد التعقيد، فلم يمض شهرٌ على زيارة الرئيس ترامب الى المنطقة، حتى بدأ كلّ شيءٍ بالتغيّر والتبدّل، سواءٌ في خريطة التحالفات والاصطفافات الإقليمية أو التغيّرات الميدانية. فمن الجهالة القول إنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تعي خطورة ما يجري في الإقليم على تحالفاتها الاستراتيجية… فقرار إقليم كردستان العراق تنظيم الاستفتاء على الانفصال في 25/9/2017 والأزمة العاصفة التي تشهدها قطر دبلوماسياً، من البديهيّ أنّها ستدفع تركيا وقطر الى الأحضان الإيرانية بشكلٍ مباشر. فانفصال كردستان تنبغي مواجهة تداعياته مع إيران والعراق وسورية. هذا الأمر بالنسبة لتركيا، والعزلة القطرية سيدفعان قطر إلى بديلٍ براغماتيٍّ وفّرته إيران. وكما هو معلوم فقطر هي مقرّ القيادة العسكرية المركزية الأميركية في الشرق الاوسط، وتركيا هي حليف واشنطن في الناتو، فكيف يستقيم ذلك. هذا يعني أنّ الاستراتيجية الأميركية وأهدافها في المنطقة تبدّلت سريعاً مع الرئيس الأميركي الجديد، وهذا التبدّل لم يكن كيّفياً في واشنطن بل فرضته جملةٌ من التحوّلات الميدانية إقليمياً، ويمكن إجمالها بثلاث نقاط: النقطة الأولى إصرار محور المقاومة على تأمين الخط البري بين طهران وبيروت، ولو أدّى الأمر إلى اشتباكٍ مباشرٍ مع الجيش الأميركي وما بيان غرفة عمليات الحلفاء 7/6/2017 وتحذيرات الجيش السوري إلا استعداد لذلك بما فيه الرسائل العميقة لقصف طائرة تابعة لغرفة عمليات الحلفاء لبعض ميليشيات واشنطن في التنف. والنقطة الثانية، وهي دخول فصائل الحشد الشعبي محافظة الأنبار العراقية بعد استكمال العمليات في محافظة نينوى، الأمر الذي يعني سقوط مشروع أقلمة العراق إلى غير رجعة. أمّا النقطة الثالثة وهي الأهمّ فبعد سبع سنواتٍ من المعارك ومحاولة استنزاف قدرات الجيش السوري كان قرار الجيش السوري التوجّه إلى جبهة حوران لقطع يد العدو الصهيوني في تلك المنطقة.
هذه النقاط الثلاث تقودنا إلى ثلاثة استنتاجاتٍ مباشرة: الاستنتاج الأول سقط إلى غير رجعة. وهو مشروع مدّ خط الغاز القطري وخط أنابيب شرق المتوسط في الجغرافيتين السورية والعراقية. فالحلفاء والقوات الرديفة والحشد الشعبي أمسكا طرفي حدود تلك الجغرافيا. الاستنتاج الثاني أنّ محور المقاومة ما زال على إصراره بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن هذه المرة ككتلة واحدة وما الاستماتة الشجاعة على فتح الخط البري إلا استعداد لتلك المواجهة. الاستنتاج الثالث أنّ الإدارة الأميركية ليست في وارد حربٍ مباشرةٍ مع سورية، وأنّ أقصى أهدافها هو فرض واقعٍ سياسيّ جزئيّ من خلال التهديدات العسكرية والضربات التكتيكية.
قطر خارج الحسابات
ثلاثة تحوّلاتٍ جيو استراتيجية فرضت حالة العداء مع قطر:
التحوّل الأوّل: هو سقوط مشروع خط الغاز القطري إلى تركيا حوّل إمارة قطر من أداةٍ بيد الولايات المتحدة لكسر الهيمنة الروسية على سوق الغاز الأوروبي إلى منافسٍ قويّ لشحنات الغاز المسال الأميركية التي بدأت بالتدفق نحو أوروبا منذ حوالي عام. والتحوّل الثاني هو نشر منظومات «ثاد» الصاروخية في المملكة السعودية. الأمر الذي قلل فاعلية قاعدة العديد العسكرية الأميركية في قطر، وحوّلها نقطة ضعف في مواجهة هجوم إيرانيّ مفترض، وأيضاً طبيعة التهديدات التي فرضتها الوقائع الميدانية في سورية والعراق والتقاء قوات الحشد الشعبي مع قوات الحلفاء على طرفي الحدود يعتبر ضربة ًقاسمةً لـ«الأمن الإسرائيلي». الأمر الذي يستدعي تكثيف الوجود الأميركي في الأردن والبحر المتوسط، ونقل تلك القاعدة إلى الأردن. وهو ما بدأ فعلياً منذ بضعة أشهر ويشير مراقبون أنّ نقل ملكية جزيرتي «تيران» و«صنافير» للمملكة العربية السعودية هو جزءٌ من «صفقة القرن»، وبعدها سيتمّ نقل القاعدة الأميركية من قطر إليها. أمّا التحوّل الثالث فهو إعلان قمّة الرياض 22/5/2017 تأسيس «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» في مدينة الرياض والذي ستشارك فيه العديد من الدول لم يحدّدها للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، وهو معني بأمرين فرض «التسوية الفلسطينية الإسرائيلية» لصالح العدو وتغطية عدوانٍ «إسرائيليّ» على قطاع غزة لاستئصال حماس من مهماته أيضاً بما يفتح المجال لترتيبات دفاعيةٍ وأمنيةٍ مشتركة بين هذا التحالف الشرق أوسطي وكيان العدو «الإسرائيلي»، ويتحوّل هذا الحلف إلى حماية «إسرائيل» في مواجهة إيران. الأمر الثاني هو مواجهة مشروع أردوغان للإسلام السياسي الذي تعمل تركيا على نشره في الخليج العربي، وعليه، يصبح من أهداف هذه الأزمة الدبلوماسية مع قطر أمران، الأمر الأول هو بلوغ عتبة النزاع المُسلَّح مع قَطر لتَدمير البُنَى التحتيَّة القطرية سواء بالمواجهة المباشرة أو بالـ proxy عبر عمليات تخريبية يسهل على أدوات مخابرات محمد بن سلمان تنفيذها في قطر، بما يؤدّي إلى ارتفاعٍ حادّ في سعر الغاز الطبيعي المُسال في الأسواق الأوروبية على المَدى القريب، ويحقق تنافسية للغاز الصخري الأميركي المسال. الأمر الثاني هو جرّ مشروع أردوغان في الإسلام السياسي الى المقتلة ساحة المعركة – في قطر، الأمر الذي يسهّل إضعاف أردوغان بالداخل التركي ويمكن معها إزالته، باعتباره شرطاً مصرياً إماراتياً لإنجاح منظمة «تحالف الشرق الأوسط»، لحماية أمن «إسرائيل» وتصفية القضية الفلسطينية.
كثيرةٌ هي الحسابات والتعقيدات المرتبطة بالملف القطري التركي، وهي عرضةٌ للتبدّل والتغيّر حسب السلوك السياسي لكليهما، فهل يوقّع أردوغان صك هزيمة مشروعه الإخواني وينحني أمام العاصفة الأميركية؟ أم يسير الى المقتلة القطرية؟ ويشعل الشرق الأوسط بصراع جديد…! ليبدأ الخراب يعمّ مشيخات الخليج، وتبدو إجراءات مشيخة قطر غير كافية لمواجهة الأزمة الحادّة ويرتبط مصيرها بالسلوكين السياسيّين التركي والأميركي وتجاذباتهما، ويبدو أنّ المشيخة القطرية ما زالت تنتظر كلمة السّر «الإسرائيلية» لإنقاذها! خدمة لها على أدوار تخريبية سابقة لصالح «إسرائيل» في المنطقة!