لبنان يدخل عهد النسبية بقانون الـ15 دائرة والصوت التفضيلي للقضاء لا للفراغ ولا للتمديد ولا للستين: الحكومة اليوم والمجلس النيابي الجمعة
كتب المحرّر السياسي
تسارعت مساعي احتواء التوترات التي كانت بلغت درجة الغليان في أزمتي السعودية وقطر من جهة، والحدود السورية العراقية من جهة أخرى، فنجح تواصل الخبراء والدبلوماسيين والضباط الروس والأميركيين في عمان خلال يومين بالتوصل إلى صياغة تفاهمات أرخت بظلالها استرخاء على الملفات المفتوحة.
سلّم الأميركيون بأنّ المضيّ السعودي بالتصعيد في ملف قطر سينتج تصعيداً يضع إيران وتركيا في واجهة التصادم، لأنّ تغييراً بحجم ابتلاع السعودية لقطر سيغيّر المشهد الخليجي بما لا يتناسب مع الأحجام الإقليمية للتوازنات بين السعودية وكلّ من إيران وتركيا وبالتوازي سلّم الأميركيون بأنّ الإصرار على منع التواصل عبر الحدود السورية العراقية على الجيشين السوري والعراقي، وكلّ منهما معه حلفاؤه من قوى المقاومة والحشد الشعبي، سيعني دخول واشنطن في حرب مباشرة مع محور سورية والعراق وإيران وقوى المقاومة. وهذا يعني أنّ روسيا لا تستطيع الوقوف على الحياد، كما يعني تفتيت الجهود التي تستهدف داعش وجعلها تتواجه في حرب لن يستفيد منها إلا تنظيم داعش، بينما التهدئة تستطيع أن توجد حلولاً تفتح مسار التعاون بوجه داعش من جهة، وتؤسّس لإعادة الاعتبار لمسار الحلّ السياسي في سورية بما يتسع لجميع القوى المنخرطة في الحرب على داعش.
في هذا المناخ من التسويات ولدت التسوية اللبنانية حول قانون الانتخاب، ولو لم يحضر المناخ الدولي والإقليمي مباشرة في صياغة التسوية اللبنانية، إلا أنّ مناخ التوتر لو تصاعد لكان تكفل بإطاحة فرص التسوية التي أبصرت النور أمس، وستكلل بالإقرار الحكومي اليوم والتصديق النيابي بمادة وحيدة بعد غد الجمعة.
قانون يعتمد النسبية وفقاً للدوائر الخمس عشرة، ويعتمد الصوت التفضيلي في القضاء. هذه هي خطوطه العريضة، نقل المقاعد وتمثيل الاغتراب وتثبيت المناصفة وسواها من المطالب التي طرحت على بساط البحث، بعضها اختصر بالقليل كنقل المقاعد وبعضها بالترحيل كتمثيل المغتربين وبعضها مصيره التأجيل ككلّ ما يستدعي تعديلاً دستورياً.
فازت معادلة اللاءات الثلاثة بحسم لا للفراغ ولا للتمديد ولا للعودة لقانون الستين، ونجح عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالبرّ بوعد القسم بأنّ قانوناً جديداً يصحّح التمثيل سيبصر النور وستتمّ الانتخابات على أساسه، وبقي تحديد موعد الانتخابات لتشاور رئيسَيْ الجمهورية والحكومة للتفاهم على مدة تمديد ولاية المجلس الحالي لحين جهوزية الإدارات الرسمية لإجراء الانتخابات وجهوزية الكتل الكبرى لدخول الامتحان الانتخابي، وهو ما يبدو أنّ حظوظ أيار المقبل تسبق المساعي لاختصار المهلة إلى نهاية الخريف المقبل.
الحكومة تقرّ «القانون» اليوم والمجلس الجمعة
على قاعدة لا غالب ولا مغلوب وضعت معركة قانون الانتخاب أوزارها وأفضت جولات التفاوض الماراتونية المكثفة في السراي الحكومي في اليومين الماضيين الى تحرير قانون الانتخاب وفق النسبية على أساس 15 دائرة من سجن التفاصيل بعد أسابيع عدة من المشاورات، ليطرح في جلسة مجلس الوزراء اليوم في بعبدا كبندٍ أول على جدول الأعمال لإقراره وإحالته الى المجلس النيابي الذي سيقرّه بدوره في جلسته الجمعة المقبل.
وتوجّه رئيس الحكومة سعد الحريري بعد إفطار دار الأيتام الإسلامية أمس، إلى عين التينة لإبلاغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري إحالة مشروع القانون الى مجلس الوزراء وللتشاور في جلسة الحكومة اليوم.
وخلال اللقاء الذي اتسم بالودية بحسب المعلومات، هنأ الرئيس بري الرئيس الحريري على إنجاز الاتفاق على قانون الانتخابات الجديد، كما جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان.
أما بنود الاتفاق كما تحدّثت المعلومات فهي، لبنان 15 دائرة، نقل مقعد الأقليات من بيروت الثانية الى بيروت الأولى، الصوت التفضيلي على أساس القضاء وعتبة نجاح اللائحة هي الحاصل الانتخابي أي عدد المقترعين/عدد المقاعد، زيادة 6 مقاعد للمغتربين في الانتخابات المقبلة على أن تُضاف إلى الـ128 نائباً، أما في طريقة الاحتساب فيعتمد الكسر الأكبر، أما في ما خصّ اللائحة غير المكتملة فـ: لا مانع بشرط أن تحتوي على مقعد واحد عن كل قضاء على الأقل، وهي تتحمل مسؤولية فقدان أو خسارة أي مقعد حصلت عليه ولم ترشح عليه طائفياً، ويحسب من حصة اللوائح الاخرى وعلى أن لا يقلّ عديدها عن 40 في المئة، اعتماد البطاقة الممغنطة والورقة المطبوعة سلفاً، أما الفرز فتعتمد طريقة دمج اللوائح وترتيب المرشحين في الدائرة على أساس نسبة الصوت التفضيلي في القضاء، بينما موعد الانتخابات والتمديد التقني يتفق عليهما بين الرئيسين ميشال عون عون وسعد الحريري، غير أن وزير الداخلية نهاد المشنوق أعلن «اننا نحتاج على الأقل إلى سبعة أشهر للتحضير لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة».
ولم يتم الاتفاق على كوتا نسائية ولا على اقتراع العسكريين أو خفض سن الاقتراع على أن تتمّ الاشارة في القانون الى مسألة السعي الى أفضل تمثيل للمرأة في مجلس النواب.
وسجل اعتراض من وزير العمل يوسف فنيانوس على اعتماد الصوت التفضيلي على القضاء، مطالباً اعتماده على الدائرة»، وكشف أننا سنعترض على كل بند لا نوافق عليه حتى لو كنا وحدنا في ذلك»، لافتاً الى «أننا لدينا مرشحون في كل دوائر الشمال فيما التيار الحر لديه مرشح واحد في البترون وهو جبران باسيل».
وبينما شدّد الرئيس بري على الدعاء للوصول الى قانون انتخاب قبل جلسة البرلمان الجمعة، وصف النائب وليد جنبلاط القانون الذي سيولد بالمعقّد، كما وصفه المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل بـ«الاتفاق بالجيد»، مؤكداً أنه «لن يحصل تصويت لا في اجتماع اللجنة ولا في مجلس الوزراء ومن لديه اعتراضات يسجّلها».
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» أن «الصيغة الانتخابية التي أحالتها اللجنة الوزارية الى مجلس الوزراء ستطرح على التصويت في جلسة اليوم وستقر بأكثرية وزارية مطلقة، وستحال الى المجلس النيابي، إذ إن معظم مكوّنات الحكومة ممثلة في لجان التفاوض». واستبعدت المصادر أن «تلجأ بعض الأطراف الى عرقلة إقرار القانون أو حصول سجالات ونقاشات على تفاصيل معينة قد تؤدي الى تطيير وتأجيل الجلسة»، مشيرة الى أن «اعتراضات بعض الوزراء لن تقف حجر عثرة أمام إنجاز القانون في جلسة اليوم». ولفتت المصادر الوزارية الى أن «خطر الوقوع في الفراغ كان أحد أهم العوامل الضاغطة على جميع القوى السياسية للتوصل الى قانون جديد، لكن العامل الحاسم كان ضغط الرئيس عون على المفاوضين لضرورة إقراره قبل جلسة مجلس الوزراء اليوم».
لكن المصادر توقعت أن «تأخذ تفاصيل القانون جدالاً ونقاشاً واسعاً في المجلس النيابي، لكن سيعرض على التصويت ويقرّ في جلسة الجمعة بالأكثرية»، وأشارت الى أن «التوافق حول القانون هو جزء من التسوية السياسية التي جاءت بالرئيس عون الى بعبدا والحريري الى السراي الحكومي، إذ إن الفشل في التوصل الى قانون جديد سيؤدي الى الفراغ في المؤسسة التشريعية وتعطيل باقي المؤسسات وبالتالي نسف التسوية برمّتها».
وأكدت المصادر أن «قانون النسبية معتمد في دول عدة وإدخاله الى النظام اللبناني نقلة نوعية ولا يناقض النظام الديموقراطي، لا سيما في بلد يضم طوائف ومذاهب عدة ولا يمكن إلغاء الأقليات، كما أن النسبية تخلق معارضة في وجه الكتلة الحاكمة وبالتالي حكم الأكثريات قد انتهى لصالح المشاركة بين السلطة والمعارضة».
وفي سياق ذلك، أوردت مصادر إعلامية أن «الرئيس عون يتجه الى الدعوة لعقد لقاء لرؤساء الكتل النيابية في بعبدا خلال الأيام المقبلة لوضع الاطار الوطني والسياسي للمرحلة التي ستلي إقرار قانون الانتخاب».
التحالفات تحدّد النتائج
وقال باحثون انتخابيون لـ«البناء» في تعليقهم على القانون الجديد، إن «القانون المزمع إقراره اليوم يحمل إيجابية واحدة، وهي أنه حرر النظام الانتخابي من القانون الأكثري الذي يُقصي الأقلية، لكنه يحمل سيئات عدة منها أنه لم يحررنا من طغيان الأكثريات، لأن قوانين الانتخاب تسنّ لتمثيل الأقليات الطائفية والسياسية وليس لهيمنة أحزاب التكتلات الكبرى».
وأوضح الباحثون أن «القانون الجديد لن يسمح لقوى سياسية جديدة أو الحراك المدني الدخول الى الندوة البرلمانية إلا بنسبة قليلة، وبالتالي لم يأت القانون بحجم الطموحات والتطلعات الشعبية بل أتى أقرب الى تسوية سياسية بين القوى الكبرى».
ولفتوا الى أن «التحالفات الانتخابية هي العامل الحاسم في تحديد نتائج الانتخابات، ولو أن الأحزاب السياسية الكبرى التي تمثل التركيبة الحكومية هي التي ستحصد أكثرية المقاعد النيابية في المجلس الجديد»، لكنهم أوضحوا أن «كتلة المستقبل ستتقلص وتفقد مقاعد عدة لا سيما في طرابلس وبيروت والبقاع الغربي، والأمر نفسه بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي الذي سيخسر بعض المقاعد، بينما يستطيع حزب القوات اللبنانية بقوته الذاتية حصد كتلة نيابية بين 8 والـ10 نواب، ويحافظ كلٌّ من أمل وحزب الله على كتله النيابية ويحصد التيار الوطني الحر مزيداً من المقاعد».
اجتماعات السراي
وكان السراي الحكومي قد شهد اجتماعات عدة، الأول ضم رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل ووزير المالية علي حسن خليل والنائب وائل ابو فاعور والنائب جورج عدوان والى جانبه الأمينة العامة لحزب القوات شنتال سركيس.
أما الاجتماع الثاني فضمّ النائب أحمد فتفت والنائب ألان عون ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري ووزير العدل سليم جريصاتي قبل أن ينضمّ إليهم لاحقاً الوزير حسين الحاج حسن والوزير السابق غازي زعيتر ووزير الثقافة غطاس خوري وممثلان عن وزارة الداخلية هما العميد الياس خوري والدكتور خليل جبارة لصياغة مسودة القانون وتمّت إحالتها الى اللجنة الوزارية المكلفة دراسة مشروع قانون الانتخابات والتي اجتمعت عصر أمس برئاسة الحريري وحضور الوزراء: مروان حمادة، علي قانصو، بيار أبو عاصي، طلال إرسلان، نهاد المشنوق، حسين الحاج حسن، جبران باسيل، غطاس خوري، علي حسن خليل، يوسف فنيانوس وأفيديس كيدانيان.
وخصّص الاجتماع الذي استمرّ قرابة الساعتين، لعرض ملاحظات كافة الأفرقاء السياسيين بشأن مشروع القانون، توصلاً إلى تصور مشترك يعرض خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم. وقال الحريري عقب الاجتماع: «هذا إنجاز للبلاد لا لحزب ولا لطائفة»، واعتبر أنه «وبعد هذا الإنجاز لم يعد هناك مسائل صدام سياسي تعطل البلاد وتعرقل النهوض الاقتصادي». وأشار الحريري الى أن «الكوتا النسائية إصلاح سياسي أساسي كنا نتمسك به مع الرئيس بري ولم ننجح للأسف، ولكن سنستمر بالنضال والمحاولة».
وكان الحريري قد ألغى مواعيده الرسمية أمس، وركّز اهتمامه على متابعة المشاورات والاتصالات لإنجاز صيغة مشروع القانون وعقد لهذه الغاية سلسلة اجتماعات مع عدد من الوزراء والمعنيين بدراسة المشروع.
ولفت الوزير باسيل الى «أننا أسقطنا أشباح الفراغ والتمديد والستين وسيكون للبنانيين قانون يصحح التمثيل الى حد كبير». وقال: «طالبنا بنسبية مع ضوابط. وهذا ما حصل من خلال تقسيم الدوائر وإعادة مقعد الأقليات الى بيروت الاولى واعتماد الصوت التفضيلي في القضاء ولم ننجح في تحقيق نسبة معينة للمرشح في طائفته، لكن سنعود إليها لاحقاً». وأضاف: «ما تم الاتفاق عليه حول تمثيل المنتشرين سيدرج في نص القانون، وهو ليس مجرد اتفاق سياسي ولم نوفق في حق العسكريين والمرأة وفي خفض سن الاقتراع، ولكن الجميع سلم بدور رئيس الجمهورية في الدعوة إلى لقاء للبحث في المرحلة المقبلة». ولفت الى أن «ما جرى اليوم اتفاق سياسي تجب ترجمته في المؤسسات».
وتابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاتصالات الجارية للاتفاق على قانون انتخاب جديد، واطلاعه على المداولات الجارية والنقاط التي تم الاتفاق عليها وتلك التي لا تزال قيد البحث. وشدد عون على ضرورة احترام الدستور الذي يبقى الاساس في عمل المؤسسات الدستورية، مؤكداً في المقابل أن القانون الانتخابي الجديد محطة مهمة في الحياة السياسية والوطنية في لبنان، لأنه سيفسح في المجال أمام ولادة مجلس نيابي جديد يفترض أن يجسّد بأمانة خيارات اللبنانيين وتطلّعاتهم الى صناعة مستقبل بلدهم وفق ما يتمنّون، إضافة إلى كونه الضامن للوحدة الوطنية والعدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين.