تحرير فلسطين وتحرّر الأمّة

حسين حمّود

لم يكن ينقص فلسطين سوى اتّهام أولادها بالإرهاب. ملح على عطش في شهر الصوم، وبعد سنوات الخنوع للجلاّد المحتلّ.

معادلة جديدة صاغها الأميركي و«الإسرائلي» لابتزاز العروش مقابل فلسطين المقاومة، وتمّ التوقيع سريعاً. فـ»الربيع» الذي ابتدعه أنبياء الصحراء الكذبة سيصل إلى الجزيرة، لذا كانت المفاوضات على أجر الحماية سهلة جداً.

القضية ليست «حماس» كتنظيم فلسطيني مسلّح، التاريخ لا يقف عند أشخاص، بل عند أدوارهم. لذا، اتّهام حركة «حماس» بالإرهاب، يعني أنّ الكفاح المسلّح لاسترداد فلسطين هو إرهاب حتى ولو غيّرت الحركة بعض استراتيجيّاتها للمهادنة، ويتفرّع عن ذلك أنّ مسألة تحرّر الأمّة هي فعل إرهاب أيضاً. قضيّة فلسطين لا تنحصر بالجغرافيا والسكّان، بل هي منذ البداية مسألة تحرّر وحرية مهما كان لون المحتلّ ونوعه. لذا، فإنّ حصار حركات المقاومة هو حصار للأمّة برمّتها داخل مفهوم الخنوع والرضوخ لأعدائها ووهبهم ما يريدون من ثرواتها، في باطن الأرض وفوقها، حجراً وبشراً، من جانب «أولي الأمر» على مقدرات الأقطار والرعايا المعيّنين من قِبل «أمير المؤمنين» في واشنطن، وحاميهم بمعاونة عامله على فلسطين «الإسرائيلي».

تنتظر الأمّة، إذن، أجيال وأجيال أخرى، من الهزائم والاستعباد والموت اليومي والنهب، والأخطر ضياع فلسطين كلّ فلسطين على أيدي ملوك وأمراء وشيوخ الصحراء، الذين يبدو أنّ التصحّر وصل إلى عقولهم.

في هكذا وضع وأمام تلك المخاطر والتهديدات، لا بدّ من مراجعات نقديّة ليست فقط لـ«حماس»، بل لكلّ الفصائل الفلسطينية والأحزاب الوطنية والقومية، وبشكل عاجل جداً، قبل بدء تنفيذ أجندة خفيّة أو معلنة للسيّد الأميركي وصحابته، وذلك وفق عناوين عامّة منها:

1 – التسليم النهائي بأنّ النظام العربي الرسمي، بسبب سياساته وأجنداته وتبعيته للأميركي و«الإسرائيلي» والغرب، هو المسؤول عن تفتيت الأمّة ونكباتها وتقسيم وضياع بلدانها، جبناً أمام الطامعين بها أو بيعاً لهم برضىً كامل.

2 – إنّ النظام الذي يفضّل الخضوع والتبعيّة للأجنبي لن يمنح الحرية والسيادة والاستقلال لوطنه وشعبه، لأسباب ذاتيّة وموضوعيّة تجعل من المستحيل قبوله بالمبادئ المذكورة، لذا آن الأوان للتغيير الشعبي.

3 – اتّضاح صورة ما يجري في سورية والعراق واليمن من حروب تدمير بالآلة العسكرية الوحشيّة للتنظيمات الإرهابية المعروفة الهوية ومكان ولادتها ونشأتها والوظائف التي قامت بها لأسيادها ومموّليها، والأهمّ مربّينها على الأفكار والعقائد الإجرامية والهدّامة التي تعتنقها. وبالتالي، ضرورة إنشاء جبهة عريضة لإيقاف هذه التنظيمات عن نحر الأمّة، ومحاولتها لإيجاد عناصر لتفجيرها من الداخل عبر زرع مفاهيم مذهبيّة وطائفيّة ونزعات شوفينيّة ترفض الآخر، إذ في ذلك مقتل الأمّة أو على الأقلّ إغراقها في مستنقعات الفتن لعشرات العقود المقبلة.

– إدراك الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، إذا أرادوا الحماية وتحرير فلسطين، أنّ لا حاضن لهم في نكبتهم ونكبة الأمّة إلّا المجتمعات المقاومة، ولا طريق إلى فلسطين حرّة متحرِّرة من الاحتلال الغاشم ومن معه وخلفه، سوى البندقيّة مهما كان مستواها.

– مراجعة «حماس» السياسات والخيارات التي انتهجتها لأسباب مختلفة، ومعرفة الطريق للخروج من البئر التي رموها فيه أخوتها.

وهناك الكثير من الأمور أيضاً لتكون مرتكزاً للمراجعات الشاملة، لكن يبقى الأساس إعادة الاعتبار إلى الكفاح المسلّح من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وبالتالي تحرّر الأمة برمّتها من ربق الاحتلالات العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة.

لقد بات معروفاً بشكل لا لبس فيه لماذا استهداف سورية وإيران وحزب الله وكلّ أحزاب وفصائل المقاومة، إنّ القضيّة فلسطين وحريّتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى