المجلس القاري الأفريقي… الأمل المتبقي
علي بدر الدين
لم تكن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم منذ تأسيسها في العام 1960 في مؤتمر اغترابي عُقد في بيروت، أمل المغتربين اللبنانيين أو حلّالة العقد والأزمات المستعصية، لأنها غير موجودة في دول الإغتراب اللبناني في الأميركيتين وكندا وأوروبا، ولأنها في الأساس، ولدت من رحم خلفيات طائفية وسياسية وحزبية ضيقة، خدمة لمشروع مبرمج ومحدّد الصلاحيات والغايات. ومن أجل أن تكون ملاذاً لكلّ لبناني مهاجر، وللحفاظ على الهوية اللبنانية ولاءً وانتماءً وامتداداً روحياً وعاطفياً هادفاً بطبيعة الحال. وليس خلاف ذلك، لأنّ المهاجرين اللبنانيين استقرّوا في بلاد لفحتها الديمقراطيات الحديثة وتحكمها الأنظمة والقوانين وواكبت الثورة الصناعية والتكنولوجيا التي أثمرت نهوضاً اقتصادياً وإعماراً وإنماء، هذا يعني أنّ اللبناني الذي هاجر إلى دول تتمتع بالتطور والحداثة والديمقراطية لم يعان أو يواجه المشاكل، ولم يجع أو يمت بالأمراض، ولم يهرب من واقعه المرّ والصعب في وطنه في البواخر التجارية، كما حصل مع الذي هاجر إلى أفريقيا حيث رمته هذه البواخر في السنغال في غرب أفريقيا وتركته يواجه قدره لوحده من دون ناصر أو معين، لكنه في نهاية المطاف تأقلم مع واقعه الجديد مع أنّ الثمن كان باهظاً جداً، وحصد ثمار معاناته وعذاباته نجاحات متواضعة في بادئ الأمر، وتحدّى المرض والمناخ والفوضى والاضطرابات والانقلابات وانعدام الديمقراطيات والاستقرار السياسي والأمني إلى أن حقق النجاح المطلوب والأهداف والأمنيات والأحلام.
الواقع الصعب الذي مرَّ فيه المغتربون اللبنانيون في أفريقيا كان ثقيلاً جداً، وبخاصة أن لا دولة قوية تحمي مواطنيها الذين هاجروا وهربوا من القمع والاستبداد والفقر والجوع، وانعدام وجود جمعيات وروابط فاعلة ومؤثرة في تلك المرحلة، إلى أن تأسّست الجامعة التي لم يتجاوز نطاق انتشارها واهتمامها الأميركيتين وكندا وأوروبا لاحقاً وظلت القارة الأفريقية خارج نطاق عملها ورؤسائها وهيئاتها الإدارية ولجانها المنبثقة عنها. باستثناء تولي النائب الحالي أنور الخليل رئاستها لمدة سنتين 1971 – 1973 ثم علي الصباح 1982-1985 ، وأحمد ناصر 2005 – 2011 و 2013 – 2015 ومسعد حجل 2011 – 2013 وبيتر الأشقر 2016 حتى الآن، يعني خمسة رؤساء من أفريقيا مقابل 14 رئيساً من خارجها.
يبدو انّ من حظ المغتربين اللبنانيين في أفريقيا وجود المجلس القاري الأفريقي الذي كان على الدوام أحد أهمّ دعائم الجامعة، وشكَّل انعقاد مؤتمره الأول في ساحل العاج 1984 بدعوة من المغترب نجيب زهر وفي حضور الوزير نبيه بري آنذاك، محطة مفصلية، وتعاقب على رئاسته ثلاثة رؤساء هم: أحمد ناصر ونجيب زهر وعباس فواز الرئيس الحالي . وبفعل أداء هؤلاء الرؤساء وانسجام الهيئات الإدارية المتعاقبة وتعاونها أصبح المجلس بمثابة المرجع الأساسي لمعظم المغتربين اللبنانيين في أفريقيا، وقد حقق إنجازات، وقدَّم خدمات، وحلّ الكثير من المشكلات، وتجاوز المطبات، والأهمّ أنه أرسى دعائم التعاون والتنسيق بين الجاليات اللبنانية ولا يزال. وكذلك مع حكام وحكومات وشعوب القارة الأفريقية الذين يقدّرون كثيراً دور اللبنانيين في إعمار وإنماء بلادهم ومساهمتهم في تطوير صناعتها وتنشيط تجارتها والنهوض باقتصادها.
ورغم الأوضاع الصعبة التي تمرّ فيها القارة الخضراء وانعكاساتها على المقيمين فيها والوافدين إليها، فإنّ المجلس يواصل مسيرة العمل والعطاء ويحقق ما عجزت عنه دول وجمعيات ومؤسسات، مما أعاد الأمل للمغتربين في أفريقيا الذي عانوا وضحّوا ودفعوا أثماناً باهظة في الأرواح والممتلكات، وعوّض عجز الدولة في كلّ عهودها وحكوماتها المتعاقبة عن حمايتهم ورعاية مصالحهم بغياب سياسة اغترابية رسمية واضحة، وأنّ ما قامت به الدولة بإرسال وفود رسمية إلى بعض دول الاغتراب اللبناني في أفريقيا تحت ضغط وبطلب من المغتربين مدفوعة التكاليف سلفاً مع «حبَّة مسك». ومن أهمّها زيارة رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان إلى أربع دول أفريقية في العام 2013.
ومن الخطأ الفاضح والفادح استهداف المجلس القاري الأفريقي، باعتباره صمّام أمان اللبنانيين في أفريقيا والأمل المتبقي لهم، بعد أن فقدوا الأمل بسياسة الدولة الإغترابية وبتوحيد الجامعة التي دونها عقبات كثيرة وتحتاج إلى معجزة، وقد ولىّ زمن المعجزات.
ولن يغفر المغتربون تعميم مأساة الجامعة وانقساماتها التي تحوّلت بفضلها إلى حطام ومجرد هيكل بلا روح واسم بلا معنى على المجلس، لأنهم أحوج ما يكونون إليه حاضراً ومستقبلاً على أمل انبعاث حياة جديدة للجامعة بفضل الحرصاء على وجودها واستمرارها خدمة للوطن والاغتراب.