بوتين يتواصل مع مواطنيه: الشيء الأهم هو فهم مزاج مجتمعنا

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس حواره المباشر الـ15 مع المواطنين، في دورته الخامسة عشرة، الذي تبثه وسائل إعلام روسية، ويستغرق عادة أكثر من 3 ساعات، استمراراً لتقليد شخصي له يعود إلى عام 2001. وقد بلغ عدد الطلبات والأسئلة، التي تقدّم بها الروس إلى بوتين خلال الحوار، 2.3 ملايين.

ويعدّ هذا الحوار السنوي من أهم أحداث الحياة السياسية الداخلية، إذ يستخدم الرئيس هذه المنصة ليس للتعبير عن آرائه في العديد من المواضيع الحساسة فحسب، وبل وليظهر قوّة قبضته على مجريات الأمور في أراضي روسيا الشاسعة.

ولا يخلو أيّ حوار سنوي من هذا القبيل من مواقف طريفة وطلبات مفاجئة، إذ يسعى آلاف المواطنين للوصول إلى الرئيس بأيّ طريقة متاحة عبر الهاتف أو الموقع الإلكتروني الخاص بالحوار من أجل إبلاغه بمشاكلهم الحياتية، لأنّ المشاكل كلها تنحلّ فوراً، بمجرد الحديث عنها خلال هذا الحوار السنوي الذي يُبثّ على الهواء مباشرة.

في السياق نفسه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «إنّ الحوار المباشر السنوي، هو وسيلة للتعرّف أكثر على مشاغل الناس وفهمها».

وقال الرئيس الروسي خلال الحوار المباشر، إنّ «هذا الحوار يحفز على التحرك نحو المكان التي توجد فيه أشياء سيئة، وفعل الأحسن تعبيد الطرقات في المناطق التي يتطلّب فيها الأمر ذلك، العمل على حل مسائل في قطاع الصحة، والقطاعات الاجتماعية الأخرى».

وأكد بوتين على أنّ «الشيء الأهم هو فهم مزاج المجتمع، والتعرف على أهم الأشياء، التي تقلق الناس اليوم».

وقال الرئيس الروسي «إنه من غير الممكن الإجابة على كل الأسئلة، نظراً لكمّها الهائل»، موضحاً أنه من خلال أسئلة المواطنين، «تتضح لي وللحكومة، المشاغل الأساسية، وذات الأهمية، التي تتطلّب اهتماماً خاصاً». وتابع بوتين أنه «من أجل ذلك يشارك الناس في هذا الحوار المباشر».

في شأن عائلي، رفض بوتين خلال حواره السنوي المباشر الـ15 مع المواطنين، الكشف عن أيّ تفاصيل عن حفيدَيْه، موضحاً أنه «لا يريد أن يصبح أحفاده أولياء عهد، ويخشى من أن يُضرّ اهتمام وسائل الإعلام بحياتهم الطبيعية».

وشدّد قائلاً: «لا أريد أن يكبر أحفادي كأولياء عهد، بل أريد أن يصبحوا أشخاصاً عاديين». ودحض بوتين المزاعم الإعلامية المختلفة حول الحياة الشخصية لابنتيه، مؤكداً أنّ «أفراد عائلته يعيشون في موسكو».

وفي شأن الداخل الروسي، قال الرئيس الروسي «إنّ المواطنين هم مَن يجب أن يقيّموا مدى نجاح أيّ مسؤول رفيع المستوى في أداء مهامه». ووصف بوتين نتائج الانتخابات بأنها «عربون بالنسبة للفائزين».

وجاء تحذير بوتين في معرض تعليقه على التغييرات في صفوف محافظي الأقاليم الروسية، علماً بأنّ اختيار حكام الأقاليم الجدد في روسيا يتم عبر الانتخابات المحلية المباشرة، لكن السلطة الفدرالية تلعب دوراً كبيراً في عملية الترشيح وإقالة المحافظين. وأوضح بوتين «أنّ عمليات تناوب المحافظين التي شهدت تكثيفاً في الآونة الأخيرة، تأتي في معظم الحالات، استجابة لرغبة المحافظين أنفسهم الذين يريدون مواصلة العمل في منصب آخر بعد انتهاء مدتهم على رأس السلطة في إقليم معين». لكنه شدّد على أنّ «المواطنين هم مَن يجب أن يقيّموا، بالدرجة الأولى، ما إذا كان محافظ إقليمهم ينجح في أداء مهامه».

كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «استعداده للحوار مع معارضة لا تستغل مشكلات البلاد لتحقيق أغراضها السياسية، بل تقترح حلولاً لهذه المشكلات».

وقال بوتين: «أنا مستعد للحوار مع كلّ مَن يهتمّ حقيقة بتحسين ظروف الناس المعيشية وحلّ المشكلات التي تواجه البلاد، بدلاً من أن يستغلّ المشكلات القائمة – وهناك مشكلات بما فيه الكفاية دوماً وفي كل مكان – سعياً وراء الترويج السياسي لنفسه وعمل الدعاية السياسية لنفسه، كي ينتفع سياسياً من وجود هذه الصعوبات، الأمر الذي لا يقود سوى إلى تفاقمها».

وتابع بوتين قائلاً: «يجب عدم استغلال المشكلات، بل طرح حلول. والأشخاص الذين يقترحون الحلول يستحقّون الاهتمام الأكبر، ومن حقهم أن يحاوروا السلطة، وهذا ما سنفعله».

وتطرّق الرئيس الروسي بهذا الصدد إلى «مظاهرات غير مرخّصة شهدتها موسكو قبل أيام»، معتبراً أنها «لم تنظم من أجل تحسين الوضع في البلاد، وإنما من أجل الدعاية السياسية وتحقيق أهداف شخصية»، وأوضح بوتين موقفه من هذه الأحداث قائلاً: «تنظيم مظاهرات احتجاجية شيء واستخدامها كأداة للاستفزازات والتصعيد شيء آخر. وهو أمر غير مرحّب به من وجهة نظري».

في الشأن السوري، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «إنّ إحدى المهمات الرئيسية ذات الأولوية بالنسبة لروسيا هي تعزيز قدرات الجيش السوري، لكي يتمكّن من تحقيق أهدافه بنفسه»، موضحاً «أنّ موسكو تحرص على إطلاق عملية تسوية سياسية في سورية بين جميع أطراف النزاع».

وتابع قائلاً: «مهمّتنا على المدى القريب تكمن في زيادة مستوى الجيش السوري وقدراته القتالية، لكي نتمكن بعد ذلك من الانسحاب بهدوء إلى مراكز المرابطة في حميميم وفي قاعدة طرطوس، ولنتيح للقوات السورية فرصة العمل بفعالية وتحقيق أهدافها المرجوة».

وأكد أنه «حتى بعد هذا الانسحاب، سيكون بإمكان الطيران الروسي تقديم الدعم الجوي الضروري للجيش السوري في محاربة التنظيمات الإرهابية»، مضيفاً: «هذه هي خططنا».

واعتبر بوتين أنّ «الخبرة التي اكتسبتها القوات المسلحة الروسية في ظروف القتال بالخارج، واستخدامها أحدث أنواع الأسلحة الروسية، يُعدّ أمراً لا يقدر بثمن»، متابعاً: «اكتسبت قواتنا المسلحة نوعية جديدة فعلاً».

وأكد أنّ «العملية العسكرية في سورية جاءت بمنفعة كبيرة بالنسبة لقطاع التصنيع العسكري في روسيا، إذ سمحت باختبار أحدث أنواع الأسلحة وتصحيح العيوب وزيادة جودة هذه الأسلحة»، مضيفاً: «أنّ بعض وحدات الجيش الروسي التي تمّ تشكيلها مؤخراً، أثبتت فعاليتها خلال العمل العسكري في سورية».

أما في شأن العلاقات الروسية الأميركية، قال بوتين «إنّ موسكو لا تعتبر الولايات المتحدة عدواً لها، وحذّر من استحالة تسوية الأزمة السورية من دون تعاون روسي أميركي بنّاء».

وأوضح أنّ «هناك مجالات كثيرة تتطلّب تعاوناً وثيقاً بين البلدين، وبينها منع انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الفقر والتصدّي للتغيير المناخي».

وتابع قائلاً: «هناك الأزمة السورية وقضية الشرق الأوسط، ولقد اتضح للجميع أننا لن ننجح في شيء من دون تعاون مشترك بناء».

كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «أنّ الصواريخ الأميركية المنتشرة قرب منطقة القطب الشمالي قادرة على الوصول إلى موسكو خلال 15 دقيقة»، لكنه أكد أنّ «روسيا لا تعتبر الولايات المتحدة عدواً».

وفي ردّه على سؤال حول أهمية منطقة القطب الشمالي بالنسبة إلى روسيا، قال بوتين: «دعونا ألا ننسى الجانب العسكري للقضية، إنّ هذه المنطقة تمثل أهمية بالغة من حيث ضمان القدرات الدفاعية للبلاد، لا أريد تأجيج المخاوف، لكن الخبراء يعلمون أنّ الغواصات النووية الأميركية تقوم بدوريات شمال النرويج فيما لا يتجاوز وقت وصول صواريخها إلى موسكو 15 دقيقة».

وأضاف الرئيس الروسي «أنّ هذه المنطقة الاستراتيجية تمر أيضاً عبرها الصواريخ الأميركية ذات المرابطة الأرضية»، وتابع مشدّداً: «علينا أن نفهم وأن نرى ما يحصل هناك، ومن الضروري أن ندافع عن هذا الساحل بصورة مناسبة وضمان الأمن الحدودي لبلادنا».

وفي سياق متصل، شدّد بوتين على أنّ «روسيا لا تعتبر الولايات المتحدة عدواً لها»، مشيراً إلى «سعي موسكو نحو تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين».

وفي ردّه على سؤال طرحه مشاهد من الولايات المتحدة قال بوتين: «يمكنني أن أؤكد لكم، لكوني رئيساً حالياً للدولة الروسية، أننا لا نعتبر الولايات المتحدة عدواً، وقد قمنا مرتين على مدى التاريخ، عندما كنا روسيا وأميركا نواجه صعوبات بالغة لدرجة خاصة، بتوحيد جهودنا، حيث كنا حلفاء خلال الحربين العالميتين».

وأردف بوتين: «لكننا نرى أنّ الولايات المتحدة يجري فيها تنامي معاداة روسيا، ونعتقد أنّ ذلك هو بالدرجة الأولى نتيجة للنزاع السياسي الداخلي المتصاعد، نعلم أنّ لدينا كثيراً جداً من الأصدقاء في الولايات المتحدة، لكن مثل هذه الهستيريا الإعلامية الروسوفوبيا الأميركية الحالية ، للأسف، تؤثر على الأرجح على عقول ومشاعر الناس».

وشدّد بوتين في الوقت ذاته على أنّ «روسيا فيها أيضاً كثير جداً من الناس الذين يحترمون إنجازات الشعب الأميركي احتراماً كبيراً ويأملون أن تصل علاقاتنا، في نهاية المطاف، إلى حالتها الطبيعية، وهو ما نهتم به بصورة كبيرة، نحن والولايات المتحدة».

وأوضح بوتين «أنّ روسيا والولايات المتحدة يمكنهما التعاون البناء في مجالات منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الفقر وحل مشاكل البيئة».

وفي غضون ذلك أعاد الرئيس الروسي إلى الأذهان «أنّ موسكو وواشنطن عملتا سوية في إطار حل القضية النووية الإيرانية»، مشدّداً على أنّ «هذا العمل أدّى إلى اتفاق بين أطراف المفاوضات بشأن تلك القضية».

وقال بوتين: «إنّ الإدارة الأميركية السابقة اعترفت مباشرة بأننا قمنا بدور كبير في حل هذه القضية، الأمر الذي يعني أننا نستطيع التوصل إلى اتفاقات والعمل سوية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى