«شوق»… وسوء التسويق والتوزيع

لا يزال مسلسل «شوق» يحصد إعجاباً كبيراً من متابعيه على رغم الضعف التسويقي المؤسف لعمل ضخم و مهمّ مثله. جاءت عناصره متكاملة من حيث النصّ العميق للكاتب حازم سليمان إذ يعدّ من أجمل كتاباته حتى الآن وأكثرها إتقاناً. وأيضاً من جهة الاخراج وأداء الممثلين، لا سيما أن المخرجة المبدعة رشا شربتجي قدّمت مجهوداً جباراً في إدارة العمل الذي يلامس يوميات الشارع السوري في ظل الأزمة الراهنة من خلال قصص عميقة بين الحبّ والحرب، بين الخيبات والأمل، وتقديمها إلى المُشاهد العربي.

وجاء أسلوب شربتجي أكثر نضجاً في مسلسل «شوق»، فحفرت في أعماق الشخصيات وغاصت بها لتخرج كلّ الطاقات وتفجّرها. ومن اللافت أيضاً في العمل، التصوير والاضاءة بتقنية عالية وبعين الـ«dop» نزار واوية.

وشهد «شوق» إبداع الممثلين فيه، على رأسهم بطلة العمل نسرين طافش بشخصية «شوق» التي تستمر في إبهارنا بأدواتها الفنية وأسلوب أدائها السهل الممتنع الذي يعدّ من أصعب أنواع الاداء، فجاء آداؤها عفوياً وصادقاً كأنها تعيش الواقع ولا تؤدّي أو تمثّل، على رغم صعوبة تركيبة شخصية «شوق» النفسية تلك الفتاة المنطلقة كفراشة حالمة حرّة لا تضع المساحيق الثقيلة وترتدي الملابس البسيطة الشبابية التي نسقتها الستايلست المجتهدة مايا حداد لتصدم «شوق» إصابتها بمرض آلزهايمر فتبدأ ذاكرتها بالتلاشي والغياب بالتدرج، فانتقلت نسرين بالتوازي مع انعطاف الشخصية درامياً، من خفة الفراشة المنطلقة إلى نضج الفتاة الشابة التي بدأت تهرم وهي في ريعان شبابها.

كانت «شوق» رمزاً لدمشق، كابنة العائلة العريقة المثقفة التي أنهكتها الأزمات وتكاتفت عليها الظروف بغية طمس الذاكرة والتاريخ وتفاصيل الحياة الطيبة، وربما إطفاء قنديل الأحلام من المخيلة.

ومن الأكيد أن خلطة رشا شربتجي وطافش باتت من الخلطات المثمرة والناجحة فنياً، حيث قدّمت شربتجي نسرين بأسلوب ساحر لتُخرج قدراتها المعجونة بموهبة كبيرة، اعتنت بأدقّ التفصيل حتى عندما تقول جملتها الشهيرة «آخ آخ» التي وظّفتها نسرين بعفوية مع تقلّبات حلّتها الدرامية.

وأما القديرة منى واصف فكما عوّدتنا، قدّمت دوراً من أبرع أدوارها الذي يعدّ إضافة الى رصيدها العريق وتاريخ فنّها الراقي فكانت الحضن والدفء لـ«شوق» التي اعتبرتها ابنتها التي لم تنجبها.

وجاء أداء النجم السوري باسم ياخور بشخصية «وائل» المحامي العاشق والرجل النبيل راسخاً ومتّزناً ومتميّزاً بتفاصيل صراعة مع واقعه وبحثه عن الحبّ الضائع في ظروف استثنائية عزّ فيها الحبّ.

وقدّمت النجمات ليلى جبر وسوزان نجم الدين وإمارات رزق أداءً مؤثراً في خطّ «السبايا» ومعاناتهن مع الجماعات المسلّحة الإرهابية التي تحارب وفق أجندات مشبوهة بِاسم الدين.

عناصر مسلسل «شوق» جعلته عملاً من الوزن الثقيل ودفقاً من الابداع وجعلتنا نثق باستمرارية قوّة الدراما السورية التي ما زالت مستمرة رغم الظروف والصعاب.

ولعل المطبّ الوحيد في المسلسل هو التسويق الضعيف للعمل، على رغم أنه من أكثر المسلسلات تميّزاً لموسم 2017. ويبقى السؤال: من المسؤول؟ هل هي «إيمار» الشركة المنتجة أم المحطات؟ وهل بالفعل بات العمل السوري محارَباً أم هي قلّة الخبرة في التسويق؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى