حلف أميركا يراكم هزائمه من القصيْر إلى التنف
محمد شادي توتونجي
كلّ الفقاعات الصابونية التي نفختها أميركا من ضربة الشعيرات إلى الشحيمة إلى التنف لم تمنع نتف ريش الأميركي بكلّ أدواته وحلفائه في التنف وباقي البادية السورية، وآخر مشاريع أميركا في المنطقة والصراع على الشرق الأوسط قد سقط وبدون أية تحفظات، وقد قطعت أوصال هذا المشروع بالكامل، وبدلاً من عزل إيران بقمة ترامب في مملكة الرمال وعزل سورية عن باقي محور المقاومة، تمّ عزل أميركا في المنطقة التي رسمتها لنفسها بدائرة الـ 55كم، وكان الردّ السوري على فقاعات أميركا كلها بتقدّم خاطف وسريع قطع أميركا عن إرهابيّيها ووضعها في دائرة النار، كما كان الردّ الإيراني على نتائج قمة ترامب في السعودية التي تمخضت فرقعات إرهابية في طهران بأن حطم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الحاج برتبة جنرال قاسم سليماني أوهام أميركا في عزل إيران وردعها عن المضيّ قدماً في دعم المقاومة، حيث أثمر تواجده في قيادة غرفة عمليات تطهير البادية السورية عن تحويل الحلم الأميركي في السيطرة على الحدود السورية العراقية إلى كابوس رعب على أميركا وربيبتها «إسرائيل»، وتم تلاقي الجيش السوري وحلفائه من جهة مع أشقائهم في الحشد الشعبي العراقي في نقطة الصفر الحدودية، وتمّ تطهير ما يقارب الـ 105 كم متر على حدود الدولتين، والثاني كان في إسقاط الحلم الصهيوني من مكاسب يحققها في سيطرة الجيش الأميركي على التنف لتكون قاعدة أمان للصهاينة في جنوب سورية بسبب موقعها الجغرافي المتميّز حيث تشكل نقطة تلاقي الحدود السورية الأردنية العراقية، بعمق استراتيجي لها في الأراضي الأردنية، وعمق في الأراضي العراقية حيث كان يؤمل بالمحافظة على الوجود الإرهابي في تلك المنطقة بحماية «إسرائيل» وأميركا، وبطبيعة الحال بعمق سوري عبر المجاميع الإرهابية التي تقودها أميركا في تلك المنطقة.
إنّ ما حدث في البادية السورية يوازي بأهميته معركة القصيْر التاريخية التي أحبطت محاولة تقسيم سورية والتي كانت نقطة الانطلاق لمعارك تطهير الحدود السورية اللبناينة والتي أسهمت كثيراً في تغيير الموازين في الحرب على سورية بالكامل وكانت نقطة بداية الانتصار السوري، حيث كانت تلك المعركة هي نقطة التأسيس لكلّ الانتصارات بعدها من انتصارات القلمون ومعارك ريفي حماة وحمص واللاذقية وتأمين العاصمة السورية دمشق والإنجاز الأسطوري في حلب.
تكمن قيمة الإنجاز الكبير والمدوّي في البادية السورية في عدة نقاط مهمة للغاية:
1 ـ الإعلان عن هذا الإنجاز عبر وزارة الدفاع الروسية التي عرضت صوراً تفصيلية من على الأرض تثبت هذا الإنجاز الكبير، لتشير بشكل أو بآخر إلى أنّ هذا الإنجاز كان منسّقاً معها وتصفع فيه الأميركي، وليعطي هذا الإنجاز بعده الكبير والعالمي في معادلات السيطرة على الشرق الأوسط وإسقاط الوهم الأميركي ويثبت فيه علو كعب حلفاء روسيا في المنطقة وقوتهم وتماسكهم وتحالفهم المتين القوي.
2 ـ هذا الإنجاز هو غاية في الأهمية في حسم المعركة في سورية والعراق في إطلاق رصاصة الرحمة على داعش التي انهارت في الموصل وتتآكل في الرقة والبادية السورية، حيث قطعت كلّ أوصالها عبر طرفي الحدود الشرقية والغربية بين الدولتين وتمّ بعد هذا الإنجاز بقطع آخر شريان لها عبر الجنوب السوري من الأردن عبر محاصرة القوات الأميركية في جحرها وفصلها نهائياً عن دير الزور التي تعدّ الملاذ الأخير لداعش بعد هزيمتها في الرقة، وتبدو معركة دير الزور الآن قاب قوسين أو أدنى من النصر للجيش العربي السوري وحلفائه بعد أن أنجزت الكثير الكثير من المعارك الهامة في ريف حلب الشرقي وريف حمص الشمالي الشرقي وتأمين تدمر.
3 ـ إنّ الأهمّ في هذا الإنجاز العظيم هو تأمين طريق بغداد دمشق من جديد والذي يعني بشكل بديهي طريق طهران دمشق وصولاً إلى لبنان.
4 ـ إنّ تمدّد الجيش السوري والحشد الشعبي العراقي في تلك المناطق وتلاقيهما على الحدود، أمر جعل معارك شمال سورية وشمال العراق شبه محسومة وقطع الطريق على كلّ الأوهام الكردية في الكيانين، فحسم معركة دير الزور والذي يعني بشكل حتمي إنهاء عاصمة داعش في الرقة وتقدّم الحشد الشعبي من سنجار ونينوى المقابلة للجزيرة السورية حيث تواجد الأكراد ينهي الحلم عند بعض الانفصاليين الأكراد على الجانبين، حيث أسقط بشكل شبه رسمي موضوع الاستفتاء على «استقلال كردستان» الأمر الذي صفع البرزاني صفعة لا تردّ، وهذا المشروع ساقط لا محالة في سورية، حيث أنّ النسبة العظمى من أكراد سورية أكدوا غير مرة رفضهم لهذا المشروع وتمّ تأكيد ذلك عبر خروج جزء كبير منهم من جيش درع الفرات وانضمامهم إلى الجيش السوري.
5 ـ إنّ سيطرة الجيش السوري على دير الزور والتي ستتمدّد في الجزيرة السورية بشكل طبيعي الأمر الذي سيجعل مطار الرميلان العسكري الأميركي وقاعدته هناك مرمى نيران الجيش السوري وحلفائه.
إنّ كلّ الوقائع التي ذكرت أعلاه تؤكد وبشكل علمي وعملاني وواقعي تثبيت هزيمة جديدة لأميركا في المنطقة، وانهزام مشروعها، وتقدّم الحلف المقاوم في المنطقة بشراكة روسية صينية حيث تلوى الذراع الأميركية، وتثبت خسارة الحلف الذي تقوده أميركا و«إسرائيل» في المنطقة ومن ورائها مشيخات البترودولار الأعرابية، حيث لم يمض أسبوعان على القمة التي ضمّت 25 دولة عربية وإسلامية في مواجهة سورية وإيران وحزب الله، حتى انفجر هذا الحلف بصراع بين الإخوان المسلمين والوهابية السلفية بذريعة محاربة الإرهاب المتطرف، هذا الصراع الذي فضح بعضه البعض من تمويل وتآمر للطرفين في إنشاء التنظيمات الإرهابية، وبدأ كل من الجانبين بتعرية الآخر وفضح دوره في إنشاء ودعم تلك التنظيمات الإرهابية، وأسقطوا بأفواههم وباعترافاتهم «سيدة الأدلة»، كذب وزور وسقوط إشاعاتهم عن أنّ سورية وإيران هم من أنشأوا داعش، وبالتالي فإنّ للصخرة التي ظنّت أميركا أنها كانت تقف عليها لتدمير المنطقة تحوّلت فجأة إلى رمال متحركة تغرق في قلب الأرض وتغرق من يقف عليها، وبدلاً من أن تدير أميركا المعركة بحلفها هذا أصبحت تدير المعارك داخل حلفها المتهتك والمتشرذم، وباتت تظهر فيه كلّ التصدّعات حيث دعت الإمارات إلى عزل كلّ من سلطنة عُمان والكويت بنفس الطريقة التي تحارب بها قطر اليوم بسبب سياساتهم غير الواضحة المعالم في الإطار العام لسياسة دول مجلس التعاون الخليجي.