هل انتهى زمن الشرق الأوسط الذي نعرفه؟
أسامة العرب
قبل ثلاثة عقود من الزمن، كان هنالك شبه إجماع بأن مغتصب الأرض ومدنّس المقدسات هو عدو، وبأن مقدّم الدعم المادي والمعنوي للحليف هو صديق، أما اليوم فقد انقلبت الأمور رأساً على عقب! حيث تحوّل مغتصب الأرض صديقاً، والصديق عدواً. وها قد بدأت وسائل الإعلام العبرية تؤكّد هذا الأمر، حيث تشير بأنّ »إسرائيل» باتت مقبولة في العالم العربي الذي لم يعد ينظر إليها كعدو، ويرغب بتطبيع العلاقات معها من أجل الاستفادة من خبراتها في مجال مكافحة «الإرهاب«، حيث نقلت عن وزير الحرب «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان قوله بأنّ «إسرائيل» باتت قريبة جداً من تطبيع العلاقات مع ما وصفها بالدول السنية المعتدلة، مؤكداً بأن هذا التطبيع غير مرهون بحل القضية الفلسطينية، وإنما بإدراك هذه الدول بأن التهديد ليس مصدره اليهود أو الصهيونية أو «إسرائيل» بل حركة حماس وحزب الله وغيرهما. أما وزير الأمن «الإسرائيلي» السابق موشيه يعلون فقال: لم يعد هناك ائتلاف عربي ضدّ «إسرائيل»، حيث إنّ التطور الحاصل في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة أنهى ما كان يُسمّى بالصراع العربي «الإسرائيلي» وتابع بأنّ التهديدات التي تواجهها «إسرائيل» اليوم هي تهديدات غير تقليدية، كالنووي الإيراني وحزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة، مُشدّداً على أن الدول السنية المعتدلة على حد قوله تجد نفسها في القارب نفسه مع «إسرائيل»، وترى في إيران العدو رقم واحد لها.
وهذا ما يذكرنا بقول شمعون بيريز الشهير: لقد جرّب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجرّبوا إذن قيادة «إسرائيل». كما يذكّرنا أيضاً بالرؤية التي طرحها برنارد لويس منذ السبعينيات وتبنّاها المحافظون الجدد، والتي تدور السياسة الأميركية الحالية في إطارها. إذ ذكرت صحيفة نيورك تايمز بأن الرئيس ترامب وصهره جارد كوشنر، يعملان على تسويق العداء لإيران، من أجل تمرير صفقة تسوية مع «إسرائيل».
خطورة هذه التطورات، أنها تمنح الكيان الصهيوني حقاً على أراضينا، وتسلّمه السيادة الفعلية والأمنية لشعوبنا، والأهم من ذلك أنها تقدّم له مقدّساتنا على طبق من فضّة. قبل أكثر من عام وتحديداً في 21 شباط 2016 سرّبت صحيفة هآرتس مقترحاً لدولة فلسطينية في سيناء تم التوافق عليه بهدف تعبيد طريق السلام الشامل مع ما سُمّي بالائتلاف السني، وفي 12 شباط 2017 أشار نتنياهو إلى أنه سيعرض هذا المقترح على الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وبعدما عقدت القمة الأميركية ــ «الإسرائيلية» في واشنطن، قمة القمم، قام نتنياهو بإطلاق تصريحه الشهير بأنه وللمرة الأولى في حياته وفي تاريخ إسرائيل، لم تعد الدول العربية تنظر إلى إسرائيل كعدو، بل «كحليف« وبأنه لا مانع من الاعتراف بـ«يهودية الدولة الإسرائيلية» وعلّق حينها الرئيس ترامب قائلاً: «سيتم التفاهم على مبادرة سلام جديدة وعظيمة، ليس فقط بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، بل ستتضمّن الكثير من الدول العربية الأخرى… الأفكار الجديدة المتعلقة بعملية سلام تتضمّن إشراك الحلفاء العرب، وستكون عملية سلام كبيرة وستتضمّن قطعة أكبر من الأرض«، في إشارة منه إلى شبه جزيرة سيناء.
ومصطلح «صفقة القرن» تردّد بعدها على لسان الوزير الإسرائيلي أيوب قرا، الذي قال «سوف يتبنّى ترامب ونتنياهو خطة إقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلاً من الضفة الغربية، وبذلك يُمهّد الطريق لسلام شامل مع الائتلاف السني«. ولهذا تمّ لاحقاً فتح الحوارت الأميركية مع دول الجوار لصياغة رؤية مشتركة حول غزة تقود لإنهاء الانقسام الفلسطيني، على قاعدة التمهيد لمشروع غزة الموسّعة بعد القضاء على حماس وتبادل الأراضي مع «اسرائيل».
والمشروع بحقيقته يرمي إلى التنازل عن الضفة وجزء من الغور والقدس والأراضي العربية المحتلة، وذلك مقابل الحصول على أراضٍ في سيناء بموازاة حدود غزة. وهذا ما أكده نتنياهو بافتتاح الدورة الشتوية للكنيست «الإسرائيلي» حينما قال «السلام مع الفلسطينيين لا يتحقق بالتنازلات والانسحاب إلى حدود عام 1967 بل ببقاء دولة إسرائيل قوية وآمنة دول عربية كثيرة لم تعد ترى في إسرائيل عدواً كما أنّ هنالك مبادرة ستقلب طريق السلام، فبدلاً من أن يجرّ الفلسطينيون العالم العربي إلى السلام، فإن العالم العربي هو الذي سيجرّهم إليه، نحن نعمل على ذلك بطرق خلاقة، وسنحافظ على مصالحنا العليا وأمننا.«
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: «لماذا إيران هي العدو، وإسرائيل هي الصديق»؟، ولماذا التحاور مع «إسرائيل» مشروع والتحاور مع إيران ممنوع؟ ألم تطح إيران بأكبر نظام مجرم وهو نظام الشاه الذي كان مأوى وملاذ الصهاينة في المنطقة، وأليست إيران هي من أغلق سفارة العدو «الاسرائيلي» بعد انتصار الثورة وقامت برفع علم فلسطين بالوقت عينه؟ وألم تقدّم إيران الدعم المادي والعسكري لحركات التحرر كي تقاوم وتحرر أراضيها، وألم تحارب إيران التنظيمات الإرهابية التي سعت لتشويه صورة الدين الإسلامي ولنشر الفتنة المذهبية؟
وفي السياق نفسه: كيف أصبحت حركتا التحرر حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين إرهابيتين والكيان الصهيوني المحتل لأراضيهما حركة تحرّر؟ وما هي الطريقة المسموح بها للشعوب المغلوب على أمرها كي تحرّر أراضيها، وكيف يمكن للقرارات الدولية أن تجد طريقها للتنفيذ، وهل هناك حقاً عملية سياسية أو قضائية قادرة على أن تعيد الحقوق المسلوبة لأصحابها؟ ولماذا ينجرّ البعض وراء المشروع الصهيوني الرامي لإشعال نيران الفتنة بين الشيعة والسنّة، والفرس والعرب… لا بل وراء كل انقسام أو اختلاف مذهبي أو عرقي أو فكري؟ وألا يدرك هؤلاء بأن مشروع التقسيم لا يستثني أي دولة في الشرق الأوسط، ففي مؤتمر نظمته جامعة جورج واشنطن حول الشرق الأوسط، قال مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه «إن الشرق الأوسط الذي نعرفه قد انتهى إلى غير رجعة… لا أعتقد بأن هناك إمكانية للعودة إلى الوراء«، بمعنى أن قطع الدومينو ستتساقط الواحدة تلو الأخرى، وهذا ما أكده وليام كريستول من المحافظين الجدد الذي اعتبر بأن هذه فرصة للولايات المتحدة لكي تأخذ زمام المبادرة مرة أخرى في الشرق الأوسط، بعدما ذاقت مرارة الفشل في العراق وأفغانستان. فيما يقول المعلق الأميركي بول كريغ روبرتس بأن ما نشهده اليوم في الشرق الأوسط هو تحقق لخطة المحافظين الجدد في تحطيم أي أثر للاستقلال العربي والإسلامي، وللقضاء على أي معارضة للأجندة «الإسرائيلية».
ويشير الضابط الأميركي المتقاعد رالف بيترز، بأن المشروع الجاري الإعداد له اليوم يرمي بحقيقته لتقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء. واقتطاع مكة والمدينة المنورة من السعودية حتى تنشأ فيها «دولة إسلامية مقدّسة»، واقتطاع أرض من جنوبي البلاد كي تُضاف إلى اليمن، وأما شرق البلاد فلن يسلم أيضاً، فستقتطع منه حقول النفط لمصلحة دولة شيعية عربية. أما الإمارات فسيُدمج بعضها مع الدولة العربية الشيعية التي تلتف حول الخليج الفارسي، وستتفتت تركيا وسائر دول الخليج.
ونختم بالقول، ما لم يعرف العرب والمسلمون مجدداً مَن هو صديقهم الحقيقي ومَن هو عدوهم الحقيقي، فلن تكر سبحة الدومينو وحسب، بل سنعيش في مرحلة هرج ومرج لم نشهد لها مثيلاً من قبل! وهذا المشروع الذي يسعى الصهاينة لتحقيقه في المنطقة، يطلقون عليه تسمية حرب المئة عام!
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجَّرين سابقاً