هل «يُغازل» جعجع حزب الله حقاً؟
روزانا رمّال
للوهلة الأولى تبدو تأثيرات هالة حليف – الحليف واضحة المعالم على مضمون كلمة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالأمس، وهو يهنئ اللبنانيين بانتصارهم على شبح العودة الحتمية لقانون الستين أو التمديد، فيما لو لم يتم الاتفاق على قانون انتخاب جديد «نسبي بـ 15 دائرة». وهو القانون الذي صوّت عليه مجلس النواب بعدما أحاله مجلس الوزراء إليه في الوقت الذي كان يحاول فيه جعجع تبرئة حزب الله من كنية القانون، كيف لا وهو إنجاز القوات اللبنانية ظاهرياً والمسمّى بقانون «عدوان» أو مَن شاركوه من المسؤولين في القوات في بعض التعديلات.
مرت الجلسة النيابية على خير رغم بعض الاعتراضات التي لم تكن قادرة على تعطيل تمرير القانون الجديد او التصويت عليه، والتي تُحسَب في خانة «تسجيل» الموقف عملياً. أمّا «الحكيم» جعجع فقد أكد أنه سيكون أمام اللبنانيين الانتظار سنوات لإعادة البحث في صيغة قانون جديد هو الواثق من كل شيء، واثق أيضاً أن هذا القانون ليس قانون حزب الله، كما يُراد تصويره وهو الذي دأب على الاعتراض والاختلاف مع الحزب كما يقول قادر أيضاً على رؤية الشمس عندما تشرق وتقول الحقائق حتى ولو التقى فيها مع حزب الله، جعجع الذي أراد فتح فسحة أمل واضحة بين جمهوره الذي كان يستمع بإنصات وجمهور الحزب لديه حساباته السياسية القادرة على تغيير شكل هذا الغزل الذي بدا بأبعاده أعمق من مسألة الاتفاق على قانون يدرك جيداً أن الظروف لعبت لتجيير الإنجاز لـ«عدوان» من قبل بري بدلاً من تجييره لـ«باسيل» لظروف وأسباب معروفة ومعيشة. وهي أبرز ما يفرق بين حركة امل والتيار الوطني الحر، هذا في ما يتعلق بالشق الذي يناط ببري وحركة أمل امّا في ما يتعلق بحزب الله فحديث آخر.
فقد أكد مصدر سياسي رفيع لـ«البناء» أن جلّ ما نراه اليوم هو نتيجة كلام الثقة الذي دار بين أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي يتضمّن إصراراً من نصرالله على إيصال رسالة مفادها أن الحزب يرفض رفضاً باتاً بل وسيمنع الوصول الى الفراغ. وهو الهاوية التي تحدّث عنها نصرالله في خطاب مسبق وحذّر منها وقدّر تفاديها واجتياز القطوع بسلام. وتابع المصدر «يبدو أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أراد التسلق من فوق الإنجاز الذي هو أساس خلاف بين التيار الوطني الحر وبري بشكل أساسي وبعض الأفرقاء الآخرين الذين كان لهم مآخذ على القوانين المطروحة وصيغها، والأمر لا يتعدّى مسألة إيجاد مخرج مفصّل على قياس حل المشكلة لا تَبَني بطولات». ويختم «من الواضح أن جعجع أراد استغلال المناسبة وضرب عصفورين بحجر واحد».
كلمة جعجع التي جاءت بعد إقرار القانون تكللت بشعار القوات «كما وعدنا وفينا. مبروك قانون الانتخابات الجديد». التوقيت الذي أراد فيه الإيحاء بأنّه عرّاب القانون. كيف لا وهو باسم النائب جورج عدوان، وكيف لا وهو حليف مسيحي أساسي في التحالف الكبير؟ اللافت أن موقف جعجع فيه تأكيد على أن أفضل الممكن الذي خرج عن القانون يعود لمساعي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والقوات اللبنانية أما باقي الأفرقاء فلا يريد إظهارها واحدة من صنّاع الحل الذي هو «إنجاز» كبير في هذا الظرف الإقليمي الدقيق، خصوصاً حزب الله ولهذا قراءة أخرى.
قانون الانتخابات الجديد ليس إلا انتصاراً حظي به لبنان يلي الانتصار الكبير في انتخاب رئيس قوي للجمهورية وهو استكمال للسلة الكبرى التي تضمّ الرئيس سعد الحريري ضمن الصفقة الرئاسية التي ما كانت لتكون لولا تغيّر الحسابات الإقليمية وتقدّم حزب الله في سورية ما ساعد في قبول مرشحه الذي تمّ تعطيل وصوله لسنتين الى سدة الرئاسة بفيتو سعودي، فهل يغيب هذا عن جعجع وهو كان أكثر الرافضين؟ تغيير المواقف لم يكن نزولاً عند المصلحة اللبنانية، لا عند الحريري الذي جاء ضمن المقايضة، ولا عند جعجع الذي يعرف كيفية تسويق التحالف المسيحي وتنازلات القوات الذين افتقدوا الحضن الخارجي مبدئياً، حتى بقي الشريك المسيحي «عون» الملاذ الأخير.
يختم جعجع كلامه بما يُعتبر بيت القصيد، ويقول «مبروك للبنانيين القانون الجديد المصنوع في لبنان، منذ ثمانية أشهر كان لنا رئيس صُنع في لبنان أيضاً». هذه الأمجاد يرغب جعجع تجييرها له مسيحياً بحسابات رئاسية توافقية مستقبلية واضحة لم تعد تغيب على احد. وهذا جيد جداً في زمن التوافقات ويعود بجميع الفئات بالتهدئة والانفتاح، لكن هذا لا يعني أن يصبح اعتبار القانون، قانون حزب الله كانتصار هو «مذمة»، ولا يعني أيضاً إمكانية تجيير انتصارات حزب الله وشباب لبنانيين قاتلوا في سوريا من اجل جلب الإنجاز الرئاسي وتهيئة ظروفه التي كانت مستحيلة اقليمياً قبل ثلاث سنوات وآخر ثماره هذا القانون لمن يعتبره إنجازاً لنفسه ومذمة لغيره.
يعرف المعنيون جيداً أن القانون أبصر النور بعدما قال أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله كلمته الأخيرة للمعنيين، ولو أن الحزب لا يبالي باعترافات أو بإعلانات أو تسميات من هنا او هناك.