أيها الأكراد حاربوا العصبيات المتنافرة وصونوا وحدة انتمائكم لأرضكم وأمتكم
اياد موصللي
هنالك مثل يقول: كلما دق الكوز بالجرة… كلما أظهر السوريون في الشام والعراق موقفاً إيمانياً بطولياً دفاعاً عن الأرض والعرْضِ كما يقال، ولقنوا الأعداء دروساً قاسية خاصة الإرهاب التكفيري، تبرز الدسائس والمؤامرات وسموم التفرقة العنصرية خاصة عندما تسجل قوات مجموعات سورية الدمقراطية التي تضمّ تشكيلات من المقاتلين الأبطال غالبيتهم من الأكراد السوريين في الجمهورية الشامية وتحديداً محافظة الجزيرة الى جانب مواطنين من جبل الزاوية وعفرين وأقضية حلب.. والتي تحاول أميركا استغلال وجودهم في مخططاتها لإبقاء الفتن وإشعال التفرقة.
تبدأ دسائس الأعداء الذين يضمرون الشرّ والعداء لبلادنا فيحدّدوا خرائط ومساحات وتسميات كردستان سورية.. موطن أكراد وحكومة كردية وكيان فيدرالي كردي.. في الشام والعراق.
لا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس ومعاهدة سيفر عام 1920 والوعد الذي أعطاه الحلفاء للأكراد بإقامة وطن لهم في كردستان العليا ثمناً لمشاركتهم ضدّ العثمانيين في الحرب العالمية.. وعندما قضت مصلحة الانكليز باستمالة مصطفى كمال ألغوا معاهدة سيفر بعد ان عقدوا معاهدة جديدة لوزان 1923 ولم يعدوا ولم يمنحوا للأكراد سوى توصية باحترام الحريات لكلّ الأقليات..
فإذا كانت معاهدة لوزان اعتبرت الأكراد أقليات فنحن لا نعتبرهم ولا هم يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم جزء أساسي مكوّن لأمتنا لا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرف بعض المنحرفين تصرفاً يضرّ بوحدة هذه البلاد إرضاء لأجنبي غادر..
تفتيت سورية هدف تاريخي لدى الكثير من الدول والشعوب التي كانت ولا زالت تجد في سورية مثالاً تاريخياً فريداً في تنوّعها الجغرافي وتميّزها الإنساني وتاريخها المجيد في شتى المراحل التي مرّت بها والغزوات التي تعرّضت لها وخرجت من هذا كله محافظة على أصالتها ونقائها..
كتبت كثيراً عن الأكراد في 26/4/2005 ترشح جلال طالباني لرئاسة الجمهورية في العراق ورافق هذا الترشح بعض الاستغراب فقلت في مقال مطوّل عنوانه: كردي رئيساً لجمهورية العراق وما لعجب.. الأكراد أبناء هذه الأرض الخيّرة يحاربون من أجلها يقدّمون الشهداء.. فيقتلون ويزرعون ويحصدون فلم في السياسة لا يحصدون ما دام زرعهم عراقي وهويتهم عراقية وولاؤهم عراقي..
فالأكراد في الواقع أبناء أمتنا وأرضنا حاربوا لأجلها وكتبوا بدمائهم صفحات مجيدة من تاريخها، فما هذه الأصوات النشاز التي ترتفع من هنا وهناك.. لتظهرهم في عصبيات متنافرة، فما نسمعه هذه الأيام غريب هجين مستهجن مرفوض منبوذ بعيد كلّ البعد عن الحقيقة والواقع ولن يكتب له الوجود او الحياة لا في العراق ولا في الشام.. لا كيان إلا كيان الأمة الواحد بكلّ تنوّعها والأكراد نبض الحياة فيه.. وهم جزء أساسي من نسيجنا القومي ووحدتنا ففي الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الاجتماعية الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة.. فالأكراد وسواهم من أبناء هذه البلاد الذين يكوّنون الأمة السورية يؤمنون بأنّ القومية هي ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها وإيمانهم بوحدتهم وترابط مصيرهم هو الذي ساهم في الماضي ويساهم بالحاضر كما في المستقبل بإسقاط العدوان الميداني والإعلامي، فكلّ أبناء هذه البلاد يقفون صفاً واحداً ضدّ الدعوات والمعتقدات الممزقة لوحدة الأمة وهم ضدّ العصبيات المتنافرة الممزقة لوحدتنا. وكلّ ما نشهده اليوم في الحرب ضدّ الإرهاب والبطولات التي سجلها السوريون في الشام بكلّ أطيافهم ومهما تعدّدت أسماء تنظيماتهم فهم ينطلقون من الإيمان بوحدة الانتماء وبأنّ الدماء التي تجري في عروقهم هي من أمتهم ولأمتهم ومتى طلبتها وجدتها لذلك هم يقاتلون ببطولة ويقدّمون الدماء بسخاء وسعة عطاء.
سورية في كافة أجزائها الجغرافية وتحديداً العراق الشام لبنان تكثر فيها التنوّعات السكانية ولكن هذا لا ينوّع الوطن ولا الانتماء اليه.. الأرض تعطي عناصر الحياة وتشكل قاعدة نموها، من أقام عليها أخذ منها وأعطاها فأعطته اسمها ومنه بحمل اسمه.. فما كلّ من أقام على أرض غيّر طبيعتها وتكوينها.. لقد شاهدت بلادنا الكثير من الهجرات والفتوحات فوسّعت صدرها واحتضنت كلّ من أحبّها ورضع من ثديها وتربّى في حضن حنانها..
جاء الصليبيون احتلوا وحكموا وسكنوا مئات السنين وعندما ارادوا تغيير معالم وجودنا زالوا مع آثار وجودهم حكم الأتراك 400 سنة فطردوا وزالت كلّ آثارهم معهم بلادنا لا تحب من لا يحبها.. ومن أحبها أحبّته وحضنته فلا فرق بين ايّ فرد من أبنائها. الأكراد أحبّوها فأحبتهم، الشراكسة داغستان وشيشان.. سكنوا في منطقة القنيطرة ومحافظة الجزيرة ولكنهم لم يطالبوا بفدرالية فيها كونهم يشكلون مجموعة كبيرة من سكانها.. لأنهم مواطنون أصليون أبناء البلاد، والأرمن يشكلون في حلب والقامشلي مجموعة كبيرة فلم يطالبوا بفدرالية لأنّ انتماءهم أساسي وأصيل.
الأكراد ليسوا عنصراً دخيلاً ولا عنصراً رديفاً.. فبلاد الشام وسورية كلها تتألف من شعب واحد وقومية واحدة فلا عصبيات متنافرة..
الطموحات السياسية التي يلبسها البعض لباساً قومياً عنصرياً في مسعى لتحقيق أهداف سياسية او مصالح تآمرية هذه ليست صورة عن حقيقة المجتمع.
الأكراد الذين هم جزء أساسي في التكوين الإنساني والتراث التاريخي لهذه البلاد والذين يفرضون وجودهم دون منّة او شفقة ومنحة انتماء او قانون او قرار إلا لبعض من تنطبق عليهم حديثاً أنظمة وقوانين الإقامة لمن قدموا يحملون جنسيات عبر انتمائهم لدول وأوطان اخرى.. ومع هذا هم من أهل البلاد عندما يعطونها حبهم وولاءهم وجهدهم ينفعلوا ويتفاعلوا فيها ومعها.. صحيح انّ ثمة إجراءات اتخذت في أعوام 1958 و1962 بحق قسم من الأكراد الذين هجروا من تركيا فترة استيلائها على منطقة الاسكندرون وقضاء الموصل باعتبارهم تنظيمياً غير سوريين وهو إجراء غير واقعي من حيث الوحدة القومية للسوريين فهذا لا يجعل الأكراد يطالبون بفدرالية مهما كان عنوانها ومضمونها هم أبناء البلاد جزء أساسي منها فالأرض ينتمي اليها من يقيم عليها ويعطيها ويأخذ منها ودماؤه تسقي أرضها..
لا نقبل ولا نسمح أبداً ان تكون الأرض ملكاً وحقاً لساكنيها والمقيمين عليها.. والعكس هؤلاء هم ملك الأرض التي هم منها ولها.. كما لا نقبل ابداً ايّ تصنيف لأبناء الأرض أو أيّ تحديد، فالأرض أمّ تحتضن أبناءها أحياء وأمواتاً وليس لأية سلطة مهما بلغت وكانت ان تحدّد او تصنّف هؤلاء الأبناء الذين يوحّدهم الانتماء.. ومن أنكر أمه وانتماءه هو مطرود من حنان الأمّ ومن حمل اسمها.. الوطن يعطي الاسم والوجود الوطن الأب الراعي والمواطنون أبناء يقدّمون كلّ ما لديهم من حب وولاء لهذا الوطن.. الوطن ليس حقيبة نتنقل بها ومعها حينما تشاء وتريد.. لا عصبيات تفرّق ولا مذهبيات دينية تحدّد هوية الانتماء. الارض هي الحاضن وتمنح اسمها لمن عليها ومن تنكر لها يتركها وتبقى هي ثابتة قائمة دائمة..
اية هجرات حصلت تاريخياً من وإلى سورية لا تأخذ معها هوية البلاد ولا تجلب اليها هوية أخرى.. فالأرض تستوعب من عليها لذلك عندما حصلت هجرات الشعوب لأميركا وسكنوا فيها وأصبحوا مواطنين وحملوا اسم أميركا ولم تحمل اسمهم.. ولا أسماء المهاجرين اليها او الى كندا وبلاد افريقيا..
الأكراد ليسوا وافدين مثلهم مثل الأقوام الأخرى التي سكنت وأقامت في بلادنا وشكلوا وحدة قومية بدّدت العصبيات المتنافرة وكانت سورية التي سطرت التاريخ المجيد.
الأكراد لا يمكن ان نذكرهم دون ان نبدأ بالملك الناصر ابو المظفر صلاح الدين بن أيوب التكريتي وتكريت هي البلدة التي ينتمي اليها صدام حسين في العراق وهي تعرف اليوم بمحافظة صلاح الدين .
صلاح الدين حارب الافرنج وجميع الأوربيين من المجموعات الصليبية التي احتلت بلادنا وحرّر القدس وهزمهم في جميع المعارك وانهى وجودهم بمعركة حطين.. وله ضريح في دمشق في باحة المسجد الأموي وفي ساحة رئيسية من دمشق، وأمام مركز نادي الضباط ينتصب تمثال يوسف العظمة وزير الدفاع قبل الاحتلال الافرنسي وبطل معركة ميسلون حيث يرتفع تمثاله على مدخل الشام.. كردي بكلّ اعتزاز، وهنالك بطل الثورة السورية 1925 ابراهيم هنانو الكردي من بلدة كفرتخاريم قضاء إدلب..
في الحزب السوري القومي الاجتماعي كثير من الرفقاء الذين سجلوا المواقف وسخاء العطاء، كان معنا في السجن عام 1949 الرفيق خليل عثمان.. كما برز الأمين نذير عظمة وأمين دياب المسؤول الحزبي في منطقة الدرباسية زكي نظام الدين منفذ عام محافظة الجزيرة، وهنالك الالوف..
لا نسمح بأن يقوم بين الأكراد او خارجهم من يحدّد لهم انتماء غير انتمائهم القومي، فهم عنصر رئيس من عناصر تكوين هذه الأمة.. ولم نعدّد اسماء في ميدان الجيش والسياسة فهذا امر طبيعي، أوليسوا هم أبناء البلاد جغرافياً وبشرياً. اذاً سنجدهم في كلّ حقل ومركز وميدان ونقول:
عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا وحدة الانتماء وحاربوا العصبيات المتنافرة…