الرقة بين سندان داعش ومطرقة الكرد في الاستراتيجية الأميركية…!
محمد ح. الحاج
الحلم الكردي قبل سنوات كان مقتصراً على إدارة ذاتية في أضيق نطاق، محافظة الجزيرة الحسكة والحصول على الجنسية لمن تركوا الأقاليم السورية المحتلة شمالاً المسماة الجنوب التركي، ولأنّ مثل هذه الأمور لا تغيب عن بال الاستخبارات الغربية فهي عملت على توظيفها وتطويرها كما يحصل حاضراً، علما أنّ تركيا تقف بقوّة ضدّ هذا الحلم، ليس حباً في الحفاظ على وحدة الدولة السورية، بل خوفاً من انتقال العدوى إلى المناطق التي تحتلها فتخرج على إرادتها لتشكل مع امتدادها في كلّ من الشام والعراق وحتى شمال غرب إيران، شبه دولة تؤرق النظام التركي منذ القديم.
ليس للكرد أيّ ثقل في محافظتي دير الزور والرقة، أما عملية الرقة الجارية على يد ما يسمّى قوات قسد قوات سورية الديمقراطية الأميركية، والتي ينضوي تحت لوائها بعض العرب من عشائر المنطقة، والكلدو آشور إضافة لغالبية من الكرد، فهي لعبة استخباراتية أميركية هادفة لتحقيق عدة أمور أهمّها وضع اليد على المنطقة – منع استعادة الدولة السورية السيطرة عليها والانتقال عبرها لفك الحصار عن دير الزور وتحريرها بعد النجاح في تحرير حلب…
الأهمّ نزع يد الدولة السورية عن كلّ الأراضي التي تقع خلف الفرات شمالاً وشرقاً حتى الحدود العراقية ولهذا كانت المحاولات المستميتة لمنع اللقاء الذي تحقق بين وحدات الجيش السوري ومن معها ووحدات الجيش العراقي ممثلة بالحشد الشعبي.
أراضي خلف الفرات، أو ما نعرفه محلياً بأراضي الجزيرة، وطبقاً للمشروع المنشورة خرائطه على موقع البنتاغون، مع امتدادها في الشمال العراقي مخطط لها أن تكون دولة كردية، رغم معرفة الأميركان بأنها ستلاقي معارضة من أربع دول هي صاحبة القرار في حياة أو موت هذا الكيان، ويبقى التوظيف محاولة على طريق استثمار بعض القوى الكردية فنحن لا نسقط من حسابنا الشرائح الوطنية الكردية المتمسكة بهويتها وارتباطها الجذري بالوطن، وأنّ ما كانت تطرحه هو حق ومنطق، وسهل التحقيق وأقرب للعدالة، هؤلاء لا يعلو صوتهم اليوم، لأنه مكبوت بفعل تواجد قوى القمع على امتداد ساحتهم، من داعش، إلى البديل الكردي العميل الذي يعتبر أداة قمع فاعلة بيد الاستخبارات المركزية العاملة لتحقيق المشروع وجوهره صهيوني بالأساس يخدم ويحقق عملية التقسيم في هذا الجانب على القاعدة الاثنية.
الرقة التي تمتدّ على الضفة الشمالية الشرقية لنهر الفرات، هي جغرافياً على أرض الجزيرة، جانب بسيط من عمرانها ومعظم أراضيها يمتدّ على الضفة الثانية، وترتبط معها بعدة جسور قام التحالف الأميركي بتدميرها عامداً كما فعل بجسور منطقة دير الزور التي أغلبها في الشامية وقسم بسيط منها يمتدّ في الجزيرة، ولأنها كذلك تمّ استهدافها، كلتا المدينتين تشكلان الرابط بين جناحي البادية السورية، الشامية والجزيرة، وتتحكمان بالمداخل الرئيسة بين الضفتين، ولقد أصبح مفهوماً هدف الغارات الأميركية والحليفة على الجسور منذ اللحظة الأولى، ولم أستبعد يوماً مشاركة الطيران الصهيوني الذي يمكنه البقاء واستخدام قاعدة الأزرق الأردنية لتجنب الرقابة الفضائية عند إقلاعه من مطارات الأرض المحتلة.
اتفاقية جوبيه أردوغان الموقعة قبل نهاية عام 2010 والتي تمّ نشرها في الغرب، ثم ترجمت ونشرت في منطقتنا أكثر من مرة تنصّ في أحد بنودها على موافقة تركية صريحة على اقامة قاعدة جوية أميركية في دير الزور، وما كان من بوادر يومها لربيع سوري ، وقد يقول قائل إنها غير صحيحة…! لم تنفها أيّ من الدولتين، وما يؤكدها هو قيام تركيا بتجهيز مخيمات أواخر 2010 وبداية 2011، وعليه يمكن الاستنتاج أنّ الفرنسي كان وكيلاً للأميركي في نوقيع الاتفاقية، وأنّ إنشاء القاعدة ما زال في الحسبان رغم أنّ مطار دير الزور على أرض الشامية وليس الجزيرة، لكن من الممكن إقامة قاعدة شرق المدينة فأغلب المناطق صالحة.
الحديث عن معارك طاحنة بين داعش وقسد ليست موثقة، الأكثر ترجيحاً هي عملية الإخلاء الداعشي وتسليم الأحياء تباعاً تحت أصوات الانفجارات التي تستهدف البنى التحتية وبعض القذائف الخلبية، وهناك تأكيدات من الداخل، لأطراف موالية ضمن الرقة أنّ الممرات تفتح ويتمّ خروج وحدات داعش تحت حماية طيران التحالف إلى مدى محدّد ثم تترك لقدرها في مواجهة الطيران السوري الروسي الذي يقوم بالقضاء عليها، أما القيادات الداعشية التي تسقط في الرقة فيجب معرفة أنّ خلايا المقاومة لسلطان داعش كانت وما تزال موجودة قبل قسد وقبل التدخل الأميركي، وهي ستقاوم الأميركي وأدواته كما قاومت داعش ذاته، وتنتظر تقدّم الجيش السوري لاستبدال قوات قسد بقوات أسد.. المسؤولة عن حماية الأرض والشعب.
سقوط بعض الأطراف في الفخ الأميركي أمر وارد بفعل إغراء المال سقوط إنساني – وإذ يشكل الكرد أغلب هؤلاء فإنّ نهايتهم حتمية إذ أنّ البيئة التي ينشطون فيها لن تتقبّلهم، وما الصمت عليهم الآن إلا لأنّ الاعتقاد أنهم فعلاً يقاتلون داعش، ومن الحكمة أن تدع عدوّين لك يقتتلان ليصفّي أحدهما الآخر ثم تنقضّ على الرابح أخيراً وهو في حالة ضعف، وهذا ما سيحصل.
المشروع الأميركي يسابق الفشل، لكنه يطيل أمد الحرب، ويؤثر سلباً على كامل البنية التحتية التي استهدفها وما زال خدمة للمشروع الصهيوني كما نعتقد جازمين فالمصلحة الصهيونية هي في صلب خطط الاستخبارات المركزية التي تخطط السياسة الخارجية الأميركية وتسيطر عليها، وما علينا إلا الاستفادة من تناقض المواقف الأميركية التركية في هذا الشأن وهي من حيث المبدأ تلتقي مع التوجهات الإيرانية العراقية لمنع قيام كيان كردي مطوّق من جهاته الأربع بالدول الأربع، كيان لا تستطيع القوى العظمى حمايته ورعايته وإمداده بمعزل عن الدول صاحبة الشأن، ونرى أنّ تركيا بقليل من العقلانية والتفهّم يمكنها إقامة نظام إداري لا مركزي في المقاطعات الكردية وتطبيق العدالة، كما في الشمال العراقي، والشمال الغربي الإيراني، والشمال الشرقي السوري.
أن يكون الكرد اثنية فهذا لا يعني أنهم يشكلون دولة لأنّ انتشارهم غير محصور ولا محدود ولم يعانوا من التفرقة والتمييز عبر تاريخ الدولة السورية المستقلة، بل كانوا من قيادات الصف الأول وأصحاب كلمة وقرار، وهم في كلّ المدن الرئيسة، وما نظر إليهم باقي أبناء الشعب السوري على أنهم من هوية مختلفة.
الرقة ستعود إلى حضن الوطن بالتأكيد، تحت السلطة الشرعية وما الإصرار الكردي على فرض السيطرة عليها بمعزل عن القوات الشرعية سوى مشروع صدام مباشر وحرب أهلية بين العشائر من جهة والأطراف العاملة في خدمة المشروع الأميركي، ولن يكون النصر حليف الأخيرة، بل هي الهزيمة الحتمية بسبب التصميم الوطني على التحرير والحفاظ على الوطن ومنع أيّ تقسيم جديد.
أحرى بالقيادات الكردية الوطنية أن ترفع صوتها وتفرض كلمتها، ولسوف تتساقط كلّ أركان العمالة من أية اثنية أو طائفة، فهم لا يقاتلون من أجل قضية، بل ارتزاقاً وبحثاً عن الثروة أو بعامل الخوف الموجود وسيكون خيارهم الوحيد إلقاء السلاح والعودة إلى الوطن، طال الزمن أم قصر، فلا خيار للوطنية السورية إلا النصر واسقاط المشاريع المشبوهة والقضاء على أدواتها أينما وجدوا.
في جعبة الاستخبارات المركزية الأميركية الكثير من الخطط وهي لن تتوقف أبداً عن محاولات إلحاق أقصى الأذى بشعب المنطقة المشرقية، فليكن الوعي والحذر شعارنا… من يعلم ماذا يخبّئون ويخططون من مكائد جديدة…؟