ارتباك واشنطن: تحتاج التصعيد مع إيران وتخشاه مع موسكو
ناصر قنديل
– تدرك واشنطن أنها لم تعد تملك القدرة على التحكم بمسار تطوّر الأوضاع في سورية، وأنّ الخط البياني للتطورات يرسم مساراً يجعل الدولة السورية اللاعب الوحيد الذي تصعد أسهمه. وهذا يشمل الجميع من قوى سورية مناوئة للدولة خسرت دورها ومكانتها وستخسر أكثر، وقوى إقليمية ودولية دعمت الحرب على الدولة السورية وسعت لإسقاطها، لكنه يشمل أيضاً التشكيلات الإرهابية، خصوصاً داعش والنصرة. وهذا يعني أنه سيشمل لاحقاً القوى التي ارتبط دورها بمظلة الحرب على الإرهاب، وعلى رأسهم أميركا، وحتى حلفاء سورية فسيصير حضورهم مقيّداً بنهاية هذه الحرب بالاتفاقيات التي تنظم وجودهم في سورية، والخلاصة هذه يتقبّلها الحلفاء ويعملون لجعلها أقرب، لأنه يحقق الأهداف الحقيقية التي يريدونها، وهي نصر سورية ومكانتهم الإقليمية والدولية، بعد التخفف من أعباء الحرب.
– تقف واشنطن في مقدّمة صفوف الذين يخشون هذه النتيجة، وهي تدرك أنها لا تستطيع تغييرها كمصير حتمي. فجعل الحرب على الإرهاب ذريعة مديدة خرج من يد أميركا، وإيجاد غطاء كردي للوجود الأميركي سيصبح عبئاً على أميركا كمتهم بتقسيم سورية بعد نهاية داعش، ولن تكون أميركا ومَن معها من الأكراد بمنأى عن مواجهة سياسية دولية وإقليمية تحت عنوان وحدة سورية، ودعوة الجميع لحوار سياسي يمهّد لحكومة موحدة، ودستور جديد وانتخابات، لكنه سيضع سريعاً فرضيات تعرّض القوات الأميركية والكردية لمخاطر مواجهة عسكرية أيضاً، وتصير الجماعات الكردية عرضة للقتال تحت عنوان لا لتقسيم سورية، بينما تصير القوات الأميركية مستهدفة كقوة احتلال. وهذا ايضاً يعلمه الأميركيون، ويعلمون أن منعه كان ممكناً مراراً أفضل مما هو اليوم، أو غدا، لكن كلفته ارتضاء الدخول في مواجهة شاملة مع روسيا وإيران، وهو فوق طاقة واشنطن.
– الحرب على داعش وجهتها ستحسم في دير الزور، وتحت راية الجيش العربي السوري، مهما قالت واشنطن أنها معركتها الحصرية وأنّ وكيلها هو الجماعات الكردية وأنّ المعركة في الرقة، وهي ترى مسارب تهريب داعش نحو البادية مقفلة، ومجرى الفرات صار بيد الجيش السوري من جنوب الطبقة حتى الرصافة وصولاً للسخنة، وانتهاء بدير الزور، كما ترى أنّ خط الحدود السورية العراقية صار بيد الجيش السوري والجيش العراقي والحشد الشعبي، وسيصير أكثر وأكثر، وترى أنّ الحدود الجنوبية لسورية بدأت تصبح بيد الجيش السوري، وأنّ مصير العمليات الافتراضية ضدّ الدولة السورية عبر هذه الحدود قد سقط إلى غير رجعة.
– لو كانت واشنطن تقيم حسابات توصلها لتحمّل حرب مع إيران والدولة السورية لفعلت بلا مواربة، ولما اختارت لضرباتها أعذاراً، وترجمت كلامها عن خطوطها الحمراء بالنار العملياتية، وليس بالرسائل النارية المتباعدة والمتفرّقة، وآخر فرص واشنطن كان يوم أرسلت طهران صواريخها الباليستية التي تلاحق واشنطن طهران على تصنيعها وامتلاكها، وكان على واشنطن أولاً إثبات أنها قادرة على إسقاط هذه الصواريخ قبل بلوغ أهدافها، إنْ كانت تستطيع، فلا تترك انطباع العجز عنها والتفوّق لحساب إيران، ما دام المعيار الأميركي، أنها تمنع الجيش السوري من التقدّم نحو داعش في مناطق علمياتها وتسوّق حجة أنّ الأمر ليس دفاعاً عن داعش، لكنه رسم لحدود الأدوار، فلماذا لم تمنع صواريخ إيران، وكان لها حجة الادّعاء عندها بأن الصواريخ كانت تستهدف جماعات حليفة لواشنطن أو للقوات الأميركية، وتتخذ ذلك ذريعة للمواجهة. وحتى في المواجهة مع الجيش السوري واضح أنّ واشنطن تهرب من المواجهة الجدية مع تقدّم الجيش السوري نحو الحدود العراقية وتمدّده على طولها، وتكتفي بتوتير الأجواء، فماذا تريد؟
– مع مسار الاقتراب من نهاية واضحة للحرب في سورية، تقترب نهاية الوجود الأميركي، مهما كابرت واشنطن او أنكرت، ولذلك على واشنطن الاستعداد لما بعد سورية، وليس لما بعد نهاية الحرب فيها وحسب، فنهاية شعار الحرب على الإرهاب تبقي شعاراً وحيداً يبرّر التوسع في الدور الأميركي في المنطقة، وهو تصنيع شعار الخطر الإيراني، وهذا هو محور التحالف الثلاثي الجديد الأميركي الإسرائيلي السعودي. وهذا ما يفسّر التصدي الروسي للحركة الأميركية بأبعادها الخفية، لأنّ موسكو لا توافق على إدخال المنطقة في توتر مفتوح عنوانه تصنيع مواجهة مفتوحة مع إيران، بل إنّ أوروبا لا تشترك في الحاجة والمصلحة مع واشنطن في هذا الهدف بقدر ما تجد أنها أقرب لموسكو في الدعوة لتسوية إيرانية سعودية. وهذا واضح من التعامل الأوروبي مع نتائج قمم الرئيس الأميركي في الرياض، ولاحقاً التعامل الأوروبي مع أولى ثمار هذه القمم بالسعي لإسقاط قطر في الحضن السعودي.
– ارتباك واشنطن في مشروعها المقبل هو أنها تخوضه من بوابة سورية، في السعي للتصعيد مع إيران. وهي تحتاج هذا التصعيد، لكنها تخشاه مع روسيا، التي تشكل مظلة الجبهة التي تتموضع فيها إيران وسورية، وتعجز واشنطن عن خداع موسكو وتمرير تصعيدها بوجه إيران بصفته شأناً منفصلاً عن قواعد العلاقة الأميركية الروسية، لأنّ موسكو واثقة بأنّ النجاح الأميركي سيعني مواصلة الفوضى الهدامة التي تنتهجها واشنطن، لكن بانتقالها هذه المرة إلى الخليج الذي لا يدرك حكامه ماذا ينتظرهم، غير شراء المزيد من السلاح والذهاب إلى الإفلاس المالي، من كوارث لم تعد بعيدة.