ملص: الجيش هو الضامن لوحدة الوطن وإذا انهار ينتهي لبنان كوطن وكيان سياسي
حاوره محمد حمية
أكد رئيس اللقاء التضامني الوطني الشيخ مصطفى ملص «أنه لا توجد في النصوص القرآنية على الإطلاق إشارة إلى الدولة كدولة بمفهومها المعاصر»، وقال: «إذا اختار أي مجتمع القيم الإسلامية ليحتكم إليها، فلا بأس لكن لا يجوز أن تفرض على المجتمع أو أن يُتخذ الإسلام مطيّةًَ لإقامة الدولة».
وأشار ملص إلى أنّ «الأجواء التي وصلنا إليها اليوم سببها التحريض المذهبي والطائفي والحملة الإعلامية التي هدفت إلى شيطنة المقاومة الإسلامية أولاً، وشيطنة الطائفة الشيعية ثانياً، وإظهار المقاومة والطائفة الشيعية على أنهما الغول الذي يفتح فمه لابتلاع بقية مكونات الإسلام». واعتبر «أنّ هذه التنظيمات الإرهابية هي التي قدمت المبرر لإقامة هذا التحالف الدولي، وأنّ الهدف من زرعها في المنطقة هو تطويق حركات المقاومة والمحور الداعم لها».
وشدّد الشيخ ملص على أنّ «المؤسسة العسكرية هي الضامنة لوحدة الوطن وإلا انتهى لبنان كوطن وككيان سياسي».
وإذ اعتبر أنّ مشاركة حزب الله في القتال في سورية، «جاءت نتيجةً للتهديدات المباشرة للتنظيمات الإرهابية بالدخول إلى لبنان»، لفت ملص إلى «أنّ من خطط للحرب في سورية يهدف إلى تدميرها، إلا أنّ صمود النظام السوري حدّ من تلك الخسائر».
ولفت ملص إلى «أنّ هناك تهديداً أمنياً حقيقياً لمدينة طرابلس، داعياً «القوى السياسية في المدينة إلى تدارك الانفجار قبل حصوله».
وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، أوضح ملص أنه «لا توجد في النصوص القرآنية على الإطلاق إشارة إلى الدولة كدولة بمفهومها المعاصر»، لافتاً إلى أنّ الرايات السوداء التي ترفع في بعض المناطق اللبنانية، «موجودة من زمن بعيد ومسألة اللون ليست مسألة مهمة، إلا أنّ بعضهم يحاول أن يقلد رايةً كان يرفعها النبي محمد باعتقاد المسلمين أنها تجلب النصر، وكانت ترفعها في السابق حركات إسلامية عدة كحركة التوحيد الإسلامي والجماعة الإسلامية، لكنها تصوّر الآن على أنها أصبحت حكراً على تنظيم داعش، لذلك أصبحت تشكل حساسية بسبب ما جرى تحتها من أعمال يرفضها الإسلام الحنيف ومنها الاعتداءات التي تعرض لها الجيش اللبناني في طرابلس وعرسال وعمليات القتل البشعة التي حصلت تحت هذه الراية».
وعن العلاقة المشبوهة التي تربط هيئة علماء المسلمين بتنظيم «داعش» وانحيازها إليه في مسألة العسكريين المخطوفين، لفت ملص إلى «أنّ أميركا أنفقت مئات الملايين من الدولارات لإحياء الفتنة المذهبية في لبنان والعالم العربي والإسلامي قد أتت أُكُلها وهذه الأجواء التي وصلنا إليها اليوم سببها التحريض المذهبي والطائفي والحملة الإعلامية التي هدفت إلى شيطنة المقاومة الإسلامية أولاً، وشيطنة الطائفة الشيعية ثانياً، وإظهار المقاومة والطائفة الشيعية على أنهما الغول الذي يفتح فمه لابتلاع بقية مكونات الإسلام، وعلى رأسها الإسلام السنّي. وقد أثرت هذه الحملة في كثير من المشايخ الذين يحملون صفة العلماء ودفعتهم إلى السير في هذا الخط ليس قناعة منهم، لكن، تأثراً بالحملات الإعلامية المكثفة والمدروسة، ومراعاةً للشارع السنّي الذي يخوّف كثيراً من المقاومة ومن الشيعة، لذلك أصبح هؤلاء المشايخ يفكرون بمنطق الصراع المذهبي والتنافس المذموم».
وعن إظهار التنظيمات الإرهابية وبعض المشايخ على أنهم يحمون السنّة، قال ملص: «إذا كان هناك من خطر يتهدّد المسلمين السنّة خصوصاً والمسلمين عموماً، فهو ليس خطراً عسكرياً، بل خطر أخلاقي وفكري يجب أن نردعه وأن ندفع في اتجاه تبني مقولات الإسلام والأفكار الإسلامية السمحة التي تشكل مثالاً للتسامح، لأنّ الإسلام قبل بكل الطوائف التي كانت موجودة منذ زمن بعيد في منطقتنا، كما أنّ النصوص القرآنية، في هذا السياق، تثبت أنّ الإسلام قبل بالآخر وبحرية الاختلاف»، نافياً أن يكون للمسلم «حقّ القيام على الآخر أي تقويم عمله والحكم عليه وقد قال تعالى في كتابه العزيز: «إنّ الله يحكم بينهم في ما كانوا فيه يختلفون»، فالحكم على الآخر وما تصوره هذه الجماعات بأنها تدافع عن الإسلام أو عن السنّة خطأ كبير وليس بهذه الطريق تدافع عن الإسلام والسنّة، بل على العكس تماماً، لأنها بذلك تكون قد استعدَت كلّ العالم على الإسلام، لذلك نرى اليوم أنّها بررت بممارساتها الخاطئة والبعيدة كل البعد من مفاهيم الإسلام ومن القيم الإنسانية، قيام التحالف الدولي المزعوم لمكافحة الإرهاب. فالدفاع عن الإسلام لا يكون بقتل الآخر بل بهدايته الآخر وإرشاده، بالتي هي أحسن، وبعد ذلك تركه لقناعته، كما تقول الآية الكريمة: فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر».
وعن موقف تيار المستقبل من هذه الجماعات وانتقال نسبة كبيرة من قاعدته الشعبية إلى التنظيمات المتشدّدة والمتطرفة، رأى ملص «أنّ تيار المستقبل لم يحسن تقدير الأخطار التي كان يمكن أن تسبّبها سياساته باحتضان الجهات الإرهابية، وكان يعتقد أنه يمكنه استخدام هذه الجماعات لتحقيق مكاسب سياسية في اللعبة الداخلية، لكنّ ما فاته هو أنّ تلك التنظيمات إذا ما أرادت الانقضاض على لبنان فإنّ أول من ستنقض عليهم هم جماعة تيار المستقبل، وقد خرجت هذه الجماعات الآن عن السيطرة وباتت تهدّد مصالح العديد من الدول»، داعياً تيار المستقبل إلى «العمل من أجل مواجهة المدّ التكفيري الذي يتمدّد ويتوسّع في لبنان».
ورداً على سؤال عن مدى تطابق أفكار التنظيمات الإرهابية في إنشاء دولة إسلامية مع ما ورد في النصوص القرآنية، أجاب ملص: «هناك مشكلة عند المسلمين وهي فكرة الربط بين الدين والدولة أو بين الدين والسلطة، هذا الربط الذي جاءنا مع المرحلة التي انتهت فيها الخلافة العثمانية، حين اعتبر بعض المسلمين أنّ انتهاء هذه الخلافة هو مؤشر على أفول نجم هذا الدين، فبدأ بعض الدعاة حينها بالتنظير للدولة الإسلامية والدعوة إلى إعادة هذه الدولة ومنهم الإخوان المسلمون، ولكنني اعتقد من خلال الأبحاث التي أجريتها أنّها مسألة متعلقة بالمجتمع ولا علاقة لها بالدين، فالدولة هي مطلب اجتماعي للمؤمن ولغير المؤمن لتنظيم الأمور والفصل في القضايا، وإذا راجعنا النصوص القرآنية فإننا لا نجد على الإطلاق، إشارةً إلى الدولة كدولة بمفهومها المعاصر أو نصوصاً تتحدث عن الدولة وهيكليتها ومؤسساتها، بل نجد نصوصاً تتحدث عن أمّة إسلامية لها سلطة سياسية واحدة أو سلطات سياسية متعدّدة».
وعن قول بعضهم إنّ «داعش» ينشئ دولة إسلامية على غرار الدولة الإسلامية في إيران والسعودية، لفت ملص إلى «أنّ الدولة يفترض بها أن تستند إلى قيم المجتمع، وإذا كان هناك مجتمع إسلامي واختار أن يستند إلى قيم الإسلام فلا بأس بذلك، أما في مجتمع آخر غير مسلم بوذي أو مسيحي أو علماني فهو يستطيع أن يختار قيم مجتمعه، ذلك أنّ الدولة حاجة اجتماعية وإذا اختار المجتمع الإيراني أو السعودي القيم الإسلامية ليحتكم إليها فلا بأس، لكن لا يجوز أن تفرض تلك القيم على المجتمع ولا يجوز أن يُِتخذ الإسلام مطيّةً لإقامة الدولة، وهناك الكثير من الأحزاب الإسلامية وليس فقط الجماعات الإرهابية التي تدعو إلى إقامة دولة إسلامية وتتخذ من الإسلام مطيّةً للوصول إلى السلطة».
بين «داعش» و«النصرة»
وعن أوجه الشبه والاختلاف بين تنظيم «داعش» وتنظيم «جبهة النصرة»، أوضح الشيخ ملص «أنّ هذين التنظيمين لم يتبنيا فكراً معيناً ويظهراه في كتاب معين، ولكن من خلال الشعارات التي يطرحانها، يتبين لنا أنّهما يأتيان من خلفية فكرية واحدة هي الفكر السلفي الجهادي المتطرف».
وعن انتقال المئات من الفتيات من أوروبا إلى سورية وإلى العراق للزواج من عناصر المجموعات الإرهابية والقتال إلى جانبهم، لفت الشيخ ملص إلى «أنهن تأثرن بالدعوة الجهادية»، مشيراً إلى «أنّ الذين يعيشون في الغرب يدركون مدى الظلم الذي ألحقه الغرب بدول العالم الثالث وبدول العالم الإسلامي في شكلٍ خاص، لذلك فإنّ معظم الفكر المتشدّد أتانا من المجتمعات الغربية، وصحيح أنّ منبعه وأساسه من منطقتنا، لكنّ الممارسات العنيفة والتشدّد صدرت عن أولئك المقاتلين الذي جاؤوا إلى بلادنا بعد أن تلقنوا أفكاراً متطرفة في الغرب». وأضاف: «من أهم أهداف تجميع الغرب هؤلاء المقاتلين وحضّهم على ما يسمى «الجهاد» هو القضاء عليهم وإبعادهم من بلاد الغرب، لذلك أغراهم الغرب بإقامة دولة إسلامية في منطقتنا».
وعن مدى جدية تهديدات «داعش» للسعودية، رأى ملص «أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي لم تسمح لـ«داعش» بأن يحتل أربيل نظراً الى علاقة الأكراد، لن تسمح لهذا التنظيم بأن يصل إلى السعودية وهي تعرف مدى خطورة ذلك، وكلّ ما يقال يمكن وضعه في خانة التهويل الإعلامي».
وعن خطر هذه المجموعات على الغرب، اعتبر ملص «أنّ عملية هنا أو عملية هناك قد لا تشكل خطراً كبيراً على الغرب إنما تشكل خطراً على الإسلام والمسلمين والبلاد الإسلامية، ومهما بلغت قوة تلك التنظيمات الإرهابية، فإنها لن تستطيع أن تهدّد الغرب، وجلّ ما قد تتمكن منه هو ضرب بعض المصالح، لكنها لا تشكل خطراً بالحجم الذي يحكى عنه ويروّج له».
الجيش ضمانة أساسية
وتطرق الشيخ ملص إلى أحداث عرسال والمواجهات بين الجيش اللبناني والمجموعات الإرهابية المسلحة، وقال: «نحن ننظر إلى الجيش اللبناني على أنه مؤسسة تابعة للوطن وتقوم بمسؤلياتٍ كبيرة وعظيمة بحماية أمن ومصالح الناس في هذا البلد، كما أننا نعتبر أنّ الجيش اللبناني هو الضمانة الأساسية لهذا البلد وإذا انهار الجيش سينتهي لبنان كوطن وككيان سياسي، ونحن لا نريد لهذا الوطن أو لهذا الكيان السياسي الذي يجمع هذه المكونات أن ينتهي»، داعياً إلى «حماية الجيش والحفاظ عليه وإبعاده من المهاترات السياسية التي قامت بها بعض الجهات السياسية لتحقيق أهدافٍ سياسية وشعبوية، ولتظهر الجيش على أنه ضدّ السنّة وليكسبوا على حسابه شعبية تؤهلهم للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها».
ورأى ملص في الاتهامات التي يسوقها بعضهم ضدّ حزب الله بأنه أتى بالإرهاب إلى لبنان بسبب قتاله في سورية «استغلالاً لسذاجة البعض لأنّ التنظيمات الإرهابية والأهداف التي ترمي إليها ومنها القضاء على الأنظمة السياسية الموجودة، لا تتعلق بأنشطة حزب الله أو بمشاركته في سورية، ذلك أنّ تلك التنظيمات رسمت مخططاتها قبل أن يشارك في القتال في سورية، تلك المشاركة التي جاءت نتيجة لتهديداتهم المباشرة بالدخول إلى لبنان وضرب البيئة الشعبية لحزب الله».
ما سمي بـ«الثورة السورية» انتهى بكارثة
وتطرق ملص أيضاً إلى تطورات الأزمة السورية وتحول ما يسمى معارضة إلى إرهاب، لافتاً إلى «أنّ ما سمّوه ثورة في سورية انتهى بكارثة على الشعب وعلى الاقتصاد والتاريخ السوري، وما حصل لا يمكن لأحد أن يقبل به أو أن يجد له أي تبرير، وأعتقد أنّ الذي خطط للحرب في سورية يهدف إلى تدمير سورية، لكنّ صمود النظام السوري واحتضان الجيش والشعب للرئيس الأسد حدّ من تلك الخسائر، لذلك أخجل من أن أسمي حراكاً انتهى إلى مثل هذا الدمار بأنه ثورة».
وحول الأهداف المبتغاة من نشر هذه التنظيمات الإرهابية في المنطقة وتأثيرها في حركات المقاومة، أوضح ملص «أنّ الصراع بين أمتنا وقوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أميركا صراع قائم ومستمر ويأخذ أوجهاً متعددةً، وهو الآن يأخذ وجهاً عسكرياً وعنفياً ولن ينتهي طالما أنّ هناك من يريد أن يحكم العالم بالطغيان وأن يطوق حركات المقاومة والمحور الداعم لها».
وفي ملف المخطوفين العسكريين، أمل ملص بأن «ينتهي هذا الملف نهاية سعيدة ويعود العسكريون إلى أهلهم سالمين». وقال: «لا شكّ في أنّ الوضع في عرسال معقد وتداخلت به أمور كثير، ونأمل بأن تتعاطى الدولة مع هذا الملف بحكمة بحيث لا تخسر هيبتها وسيادتها ولا يخسر هؤلاء الجنود حياتهم».
وفي شأن الوضع في طرابلس، دعا ملص «القوى السياسية إلى تدارك الوضع قبل أن ينفجر»، مشدّداً على «أنّ أكثرية الشعب في طرابلس ضدّ العنف وضدّ تدمير هذه المدينة، وهي تريد أن تنعم بالسلام، لكن هناك تهديداً حقيقياً للمدينة في ظلّ السلاح المتفلت، والتهاون من قبل الدولة مع الملفات الأمنية وصراع الأجهزة الذي نلمسه على الساحة اللبنانية في استفحال عناصر الإرهاب والتحريض».
يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً على شاشة «توب نيوز» تردد 12036 ويعاد بثه الساعة 11 ليلاً