ماذا يعني أن تُعفي قطر اللبنانيين من تأشيرة الدخول لأراضيها؟
روزانا رمّال
تبدو إمارة قطر متيقظة تماماً لحجم الأزمة التي تعصف بالخليج ولمستوى الخلاف الذي شنّه جيرانها الخليجيون عليها برئاسة المملكة العربية السعودية، وعلى هذا الاساس، كانت مواقف الدوحة الرسمية متماسكة لدرجة كشفها عن عجز خليجي ملموس عن إخضاع الإمارة الصغيرة حتى الساعة. وهو الأمر الذي لم يأتِ من فراغ، فصمود قطر «الاستثنائي» عملاً بموقعها « المفترض» في الخليج يؤكد أنه وليد ارتباطات وحسابات لها من خارجه تعتبر تركيا مقصده وأساسه.
المعركة التركية – السعودية على القيادة الإسلامية السنية في المنطقة حسمها ترامب في زيارته الأخيرة للرياض، وفي صفقة المليارات التاريخية بين بلاده والمملكة. وهو الأمر الذي تكفّل باعتبار الرياض شريك واشنطن الكبير في الشرق الاوسط، معلناً إياها مرجعية سنية بحضور رؤساء وحكام دول البلاد الإسلامية فيها. هذا الأمر الذي تلقفته تركيا بشكل سريع بدا أنه مؤشر على نيات واشنطن السريعة التي ترجمت في قطيعة لقطر لحظة مغادرة طائرة الرئيس دونالد ترامب الخاصة مطار الرياض وبدء حملة عزل قطر رسمياً وديبلوماسياً عن محيطها الخليجي.
تركيا التي تدخّلت فوراً على خط الأزمة بين الخليجيين كشفت باستنفارها أنها تسلمت الرسالة التي تفيد بأنها هي المستهدفة الأولى والأخيرة من الإجراء الخليجي ليس فقط عبر الحليفة «قطر» بل في سورية وهي بوابة الأزمة «الـم». فملف إقامة دولة كردية بمساعدة الاميركيين مرفوض من انقرة، لكنه مطلب اميركي جاد ومحطة خلافية كبرى مع الأتراك.
العقوبات التي بدأت مفاعيلها في قطر اسست لتهافت المواقف والتموضعات باتجاهها دولياً وإقليمياً، وإذا كانت الولايات المتحدة لم تتقدم نحو المزيد من الضغط على قطر، فإن هذا يعني أنها أدركت فشل السعودية في إخضاعها، كما وعد وزير الدفاع محمد بن سلمان الرئيس الأميركي ترامب. وهو الامر الذي جعل الأميركيين يطلقون تصريحات رمادية غير حازمة حتى الإعلان عن الإبقاء على القاعدة العسكرية فيها لتبقى المملكة في الوقت الراهن تضغط باتجاه أحادي بانتظار اي خضوع قطري ملموس يدخل على أساسه الأميركيون بموقف واضح ونهائي.
الغاز القطري الذي بات مطمعاً أميركياً سعودياً لم يعد واقعاً بالمنظار الأميركي في فلك الولايات المتحدة، بل بات إحدى محطات التجاذب، خصوصاً بعد تحسن العلاقة بين إيران وتركيا وقطر وروسيا، حيث مشاريع الغاز المتوازية تحكي بخطط مستقبلية منتجة تحفظ عمر العلاقة لسنوات بعيدة وتؤمن استقلالاً قطرياً كاملاً عن الموقف السعودي. وهو الأمر الذي لا تستطيع باقي الدول الخليجية النفاذ فيه.
وفي الوقت الذي تدرس قطر فيه شكل العقوبات الخليجية عليها، وتتلقى المزيد من الشروط لرفعها عبر الوسيط الكويتي فاجأت الدوحة لبنان بإعفاء حاملي الجنسية اللبنانية من تأشيرة الدخول المسبقة «الفيزا» لدخول أراضيها. فبحسب التعميم الذي أصدرته إدارة جوازات المطار القطرية، فقد تمّت إضافة اللبنانيين إلى قائمة الجنسيات التي يتمّ منحها سمة دخول سياحية فورية عند الوصول إلى مطار الدوحة الدولي.
انفتاح يتكفّل بخلق شكل جديد من أسلوب إدارة البلاد والتعاطي مع نظام كامل ومؤسسات بمنظار مختلف سياسياً واقتصادياً، ويؤكد أن قطر بدأت تتطلع للاستقلال والتخلص من التبعية للخليج، بما يتعلق بربط مواقفها السياسية بالموقف الخليجي، وهي تعلن رسمياً فصلها عنه والبدء بالتفتيش عن بدائل تحدد فيها شكل نظامها السياسي الجديد.
وبهذا الإطار تبدو الدول المهتمة بصيرورة الأزمة والتي تعرف حسابات الخليجية وأبعادها المباشرة كإيران أكثر المهتمين بالوقوف امام القطريين، فقد أعلن قائد مقر الدفاع الجوي الإيراني «أننا فتحنا أجواءنا أمام الطائرات القطرية ولن نسمح لنظيرتها السعودية بالعبور». وهو استعداد إيراني واسع للمساعدة يوازيها القرار التركي بعدم إمكانية خضوع أنقرة لمطلب السعودية بإغلاق القاعدة التركية بقطر، على ما أعلنه وزير دفاعها الذي اعتبره تدخلاً في العلاقات الثنائية، موضحاً أن القاعدة التركية في قطر هدفها دعم الأمن في المنطقة كلها، ولا خطط لإعادة تقييم الاتفاق بشأن القاعدة العسكرية في قطر.
لبنانياً، وضمن سياسة الانفتاح القطرية وإلغاء الفيزا عن اللبنانيين وأبعادها فقد جزمت معلومات سياسية واسعة الاطلاع لـ«البناء» بأن الخطوة القطرية هي محطة شديدة الأهمية من عمر الصراع في المنطقة. وهي بلا شك تحدٍّ مباشر للمملكة العربية السعودية، لأنها تفسر «برفع الحظر عن الشيعة في الخليج ولا تفسير آخر لفكرة منح اللبنانيين جميعاً هذا الفضل أو المباركة، خصوصاً أن قطر كانت قد نزلت عند أمر الخليجيين بالتعاطي مع الشيعة الموجودين على اراضيها، كما كافة دول الخليج، بحذر منذ بدء ازمات المنطقة. وقد كان لهم نصيب من الإبعاد والطرد من دول كالإمارات والسعودية وغيرهما. ويختم المصدر «الخطوة القطرية هي رسالة مباشرة للإيرانيين عبر بيروت، بأنها بدأت ترى في مصلحتها مع إيران وحلفائها مصلحة استراتيجية وبعيدة المدى في هذه الأزمة». هذا بالإضافة حسب المصدر الى «ان رفع التأشيرة على لبنان سيسهل الحركة بين البلدين ويزيد من فرص التبادل التجاري لإيجاد حلول بديلة عن العزل للدوحة تعود بالفائدة على البلدين».
قطر تتحدّى الخليج من تحت المظلة التركية.