ليس لأميركا أصدقاء… بل حلفاء

الياس عشّي

كلّما ازداد المرء قوة يُفترض أن تزداد مسؤوليته الأخلاقية في الدفاع عن حقّ الناس في الحصول على الحرية، وعلى رغيف الخبز، وعلى مقعد دراسيّ وكتاب ومجموعة من أقلام التلاوين، وعلى وطن تزوره العصافير أنّى شاءت وتغادره متى تريد.

هذه الفرضية الأخلاقية ذات طابع فرديّ، لكننا لم نرها قط على مستوى الدول حديثةً سواء أكانت حديثة أم قديمةً، وهذا ما دفع بالمخيّلة الشعبية وبعض المفكرين إلى افتراض أشخاص ذوي قوة خارقة يدافعون عن المظلومين والضعفاء، مثل عنترة بن شداد، وهرقل، و«سوپرمان»، و«روبن هود»، و«الرجل الوطواط»، وغيرهم ممن ملأ حديثهم الكتبَ والحكاياتِ الشعبية وشاشات السينما والتلفزيون.

لنبقَ في هذا العصر، عصرِ الأطفال الشهداء من عين بقر، إلى صبرا وشاتيلا، إلى قانا، إلى غزّة، وإلى حمص التي ودّعت أمس مجموعة من الأطفال تركوا حقائبهم على رصيف مدرستهم عكرمةَ ورحلوا.

هل يكفي أن نحصي شهداءنا الأطفال ونرفع لوائح بأسمائهم إلى مجلس الأمن الدولي الذي يعتبر شريكاً في المؤامرة على سورية وفلسطين والعراق وليبيا ولبنان والعالم العربي بكامله، بعدما حصل أمينه العام على الهويّة الأميركية واستهوته شوارع نيويورك وأنديتها الليلية؟

هل يشفي جروحنا أن نتذكّر أن سيف عنترة « يداوي رأس من يشكو الصداعا»؟

هل نستعين بـ«سوپرمان» و«الرجل الوطواط» ليعيدا إلى العرب ما فقدوه على أيدي الدول القويّة ذات النزعة الاستعمارية؟ وهم على كلّ حال لم يفقدوا الأرض فحسب، بل فقدوا كرامتهم، وفقدوا إرادتهم في المواجهة والصراع، وفقدوا حقّهم في أن يبقوا طالما أنهم عاجزون عن حماية الأطفال من الإبادة المتعمّدة للأجيال المقبلة.

صحيح أنّ أميركا دولة قويّة، لكن الصحيح أيضاً أن أيزنهاور تساءل قبل خمسين عاما ونيّف عن سبب كره الشعوب الأخرى للولايات المتحدة الأميركية. ومنذ ذلك الحين والكره يزداد ويأخذ شكل الحقد لدولة لا ترى إلاّ بعين واحدة!

ليس لأميركا اليوم أصدقاء… لديها حلفاء؟ بلى. وحلفاؤها إمّا ضعفاء يستقوون بها للاعتداء على الآخرين، وإمّا أقوياء يقتسمون معها ثروات الأمم الضعيفة . وكلّما ازدادت أميركا قوّة ازداد الإقبال على الصراف الآلي، وازداد الشعور بأن للأقوياء الحق في أن يملكوا العالم ويستعبدوه، وليس هذا التحالف الأميركي ــ الدولي الذي نراه اليوم بحجة القضاء على الإرهاب سوى دليل على ما أقول.

تخيّلوا معي هذا المشهد الافتراضي :

نستيقظ صباحاً على وطن لا نفط فيه ولا غاز. نلتفت حولنا فنجد العالم العربي بألف خير. العصافير تعود إلى سمائنا وكذلك الأطفال إلى ملاعبهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى