المستقبل ا ميركي ومؤشرات التفكك

نمر أبي ديب

يعيش الداخل ا ميركي اليوم بمؤسساته العسكرية وإداراته الرسمية تفاصيل الجزء الظاهر من تداعيات التحوّل الداخلي على مستوى الفكر والرهان للشعب ا ميركي نتيجة الرؤية المختلفة في مقاربة الملف الرئاسي وذهاب الحالة الشعبية بعيداً في رحلة البحث عن بدائل للتغيير قادرة على تأمين الانتقال الهادئ من مراحل العجز ا ميركي إلى مرحلة استعادة النفوذ وتغذية الحضور العالمي بسياستها الخارجية.

قاد الحراك الرئاسي الشعب ا ميركي إلى ما يشبه الانتفاضة الداخلية غير المحسوبة النتائج نتيجة الرفض الواضح لسياسات ا دارات السابقة، خصوصاً إدارة الرئيس باراك أوباما، حيث بلغت نتائج التغيير مع منح المرشح الرئاسي صاحب الشخصية الغامضة دونالد ترامب الشرعية الشعبية في صناديق الاقتراع مستويات التخطي العملي للواقعية ا ميركية في مقاربة الملف الرئاسي واختيار شخص الرئيس.

في مرحلة التراكم الفعلي للخسائر لم تنجح المكاسب المالية التي حققها الرئيس ا ميركي دونالد ترامب في قمة الرياض من تغيير الواقع الحالي دارته المتعثرة داخلياً، أو توفير الحدّ ا دنى من عوامل الاستقرار السياسي، بالرغم من التوظيف الممنهج للمبالغ المتدفقة ما يؤكد حقيقتين…

ـ فشل التغيير نتيجة الرهان الخاطئ على شخص الرئيس ترامب.

ـ سقوط المحرّمات في الداخل ا ميركي نتيجة دخول المؤسسات صراع المحاور الداخلية على قاعدة الاختلاف في الرؤية والرهان.

تكمن القوة ا ميركية في عوامل عديدة منحت أميركا حتى ا مس القريب عناصر التفوّق العالمي، سياسياً وعسكرياً أبرزها:

ـ الأحادية أيّ الاستفراد في الموقف والقرار العالمي مع ما يمثله هذا الاستفراد من سلوك استعماري متحضّر في الشكل قائم على امتلاك إمكانيات التأثير المباشر في سياسات الدول ومصادرة قراراتها.

ـ الاستقرار المالي النابع من متانة الاقتصاد ا ميركي نتيجة الفائض النقدي الدائم في خزينة الدولة.

ـ الاستقرار الداخلي الضمانة ا ساس لبقاء الو يات المتحدة

قادرة على التدخل العسكري في أي بقعة جغرافية من العالم بمهلة زمنية تتجاوز العشرين دقيقة.

بلغت مستويات الحضور الفاعل للوجود الروسي في بعديه السياسي والعسكري على الساحتين ا قليمية والدولية، منذ اجتياح جورجيا حتى اليوم، مرحلة وجود البديل للسياسة ا ميركية على قاعدة النهاية الحتمية للأحادية وتقاسم النفوذ العالمي بين محوري اانقسام، ا مر الذي عكس حجم التراجع السياسي ومدى التقليص الفعلي من مساحات النفوذ ا ميركي

في مراحل تراكم الخسائر والكشف عن مسبّبات التراجع، كأمر مرتبط بالمستقبل ومدخل أساس لرسم ملامح المراحل المقبلة القائمة بالطبع على خلاصات ونتائج المراحل السابقة، ما يحدّد فعلياً حجم الدور المقبل وعملياً نسبة التراجع المتوقعة في المدى المنظور، ما يدفعنا بشكل مباشر إلى التساؤل عن مدى سلبية الانقسام المؤسسي الذي يعيشه الداخل ا ميركي اليوم على كونفدرالية الدولة وتماسك الو يات بالتزامن مع العجز ااقتصادي وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب ا ميركي.

يتباهى ا ميركيون بقدرات التدخل على مستوى العالم في مهلة قياسية تتجاوز العشرين دقيقة، والتساؤل اليوم عن جدوى هذه القدرة ومدى فاعليتها في ظلّ الانتشار الروسي الجديد وقرار المواجهة المتخذ منذ اجتياح جورجيا في 8/8/2008، عندما قرّرت روسيا التحرك عسكرياً للمرة ا ولى خارج أراضيها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

نتيجة الانقسام العالمي القائم بين محورين… الروسي وا ميركي، خسرت الو يات المتحدة عامل الاستفراد بالقرار العالمي، ودخلت بحكم ا مر الواقع مرحلة الترسيم الفعلي للنفوذ السياسي مع روسيا القائم على معايير الربح والخسارة الميدانية في جبهات التصادم ا قليمي والدولي.

رغم سياسات التهويل ا ميركية التي يمارسها حالياً الرئيس دونالد ترامب يدرك الجميع خطورة المسار التدريجي للتراجع ا ميركي وتأثيره المباشر على الحضورين السياسي والعسكري في ظلّ الغياب شبه التامّ لعناصر القوة السابقة المانحة على المستوى الوجودي إمكانيات التفوّق والاستفراد بالقرار العالمي ما يؤكد للداخل ا ميركي قبل الخارج الدولي أنّ أميركا اليوم ليست نفسها أميركا ا مس، والمستقبل بات أقرب إلى الدخول في نظام عالمي جديد بمعايير مختلفة وموازين استراتيجية قائمة على مرتكزات وجودية أبرزها غياب الأحادية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى