الخيوط القطرية المُراد قطعُها من أجل عودتها إلى الحضن الخليجي
جمال الكندي
بعد أخذ وردّ وطول انتظار وترقُّب، وعلامات استفهام أميركية صدرت عن خارجيتها تجاه الأزمة الخليجية، صدرت أخيراً المطالب الخليجية والمصرية التي يُراد من قطر تنفيذها لرفع المقاطعة عنها. فقد نقلت وكالة «أستوشيتد برس» بعض هذه المطالب ومنها إغلاق قناة «الجزيرة»، قطع العلاقات مع «الإخوان المسلمين» و«حزب الله» و«القاعدة» و«داعش»، تسليم جميع الأفراد المطلوبين من قبل الدول الأربع بتهمة الإرهاب، وهنا إشارة واضحة إلى قيادات الإخوان المسلمين ومن يتحدّث باسمهم، بالإضافة إلى تقديم قطر معلومات مفصَّلة عن شخصيات المعارضة التي موّلتها قطر في الدول الأربع، وتخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وهذه المطالب التي بلغت، بحسب وسائل الإعلام، 13 طلباً لا بدّ من تنفيذها خلال عشرة أيام فقط.
هذه المطالب أُجمِلُها في خمسة خيوط يُراد من قطر قطعها نهائياً لقبولها في الكينونة الخليجية، وقد تكون أكثر من ذلك، وهي التي أبرزتها كدولة فاعلة ومؤثرة في عهد الأب حمد بن خليفة والد أمير قطر الحالي تميم إبان انقلابه على أبيه، وقد سُمّي ما جرى بـ«الانقلاب الأبيض» وبه رُسمت سياسة قطر الجديدة في المنطقة، ونقلتها من وصاية جارتها الكبرى.
الخيط الأول: قناة «الجزيرة» الفضائية، هذه القناة كان لها دور بارز في بدايتها في تغيير عقل المشاهد الخليجي والعربي، وتغيير النمط السائد في الإعلام العربي والخليجي على حدّ سواء من إعلام استقبل وودّع والمقابلات البروتوكولية إلى إعلام زعم أنه «الرأي والرأي الآخر»، فاستطاعت بذلك أن تكسب عقول المشاهدين لأكثر من عشر سنوات، وبدأت بعد ذلك تسقط تدريجياً من عقل المشاهد بسبب أحداث ما سمّي «الربيع العربي» ووقوفها مع الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية وليبيا، والأهمّ من ذلك أنها كانت منبراً للإخوان وسبباً من أسباب التحريض السياسي في مصر وغيرها من الدول.
فهل ستقطع قطر هذا الخيط الرفيع والمتين في الوقت نفسه والذي اشتهرت به وكان سلاحها الناعم الذي أزعج الدول الخليجية المقاطعة لها مع مصر. ربما ستفاوض قطر على قناة الجزيرة بأن لا يتمّ إغلاقها، مقابل التخفيف من حدّتها وتغيير بعض مصطلحاتها الإعلامية، فإغلاق القناة هو اختبار صعب لدولة قطر كونها تعتبر «الجزيرة» كلمتها في الساحة الإعلامية وهي ترجمة لسياستها الخارجية.
الخيط الثاني: قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، ما يعني أن تتخلى قطر عن دعم الفكر الإخواني، وهذا الطلب جاء في المرتبة الثانية كون «الجزيرة» هي الأداة في دعم الفكر الإخواني وتوجُّهاته في المنطقة وكان هذا الأمر واضحاً في مصر في مرحلة الرئيس المخلوع محمد مرسي، والتصادم الواضح بعد ذلك مع تسلُّم الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم. وتتقاطع في تنفيذ هذه المطالب مصالح أكثر من جهة، فـ»إسرائيل»، على سبيل المثال، مستفيدة منه كون حركة «حماس» التي هي عدوتها الاستراتيجية مصنّفة أميركياً حركة إرهابية، وتمّ وضعها جنباً إلى جنب مع «داعش» و«النصرة «في قائمة الإرهاب. وهذا الطلب يمكن أن ينفذ بترحيل القيادات «الحمساوية» من قطر إلى تركيا وتجنيب الدوحة تصنيفها داعمةً للإرهاب، بحسب القائمة الأميركية.
الخيط الثالث: قطع تمويل الجماعات الإرهابية المسلحة ذات الفكر القاعدي والداعشي. وهنا تكمن المفارقة، فقطر لم تكن الوحيدة التي دعمت هذه الجماعات بين دول المنطقة، كما دعمت وتدعم ما يحصل في دول ما سمّي «الربيع العربي» عن طريق مساعدة الجماعات الإرهابية في سورية وليبيا واليمن وغيرها، تحت مرأى الأميركي وعلى مسامعه.
لقد دعمت قطر وغيرها من الدول هذه الجماعات وموّلتها تحت مسمّى «الثورة»، ولكنها اليوم تصنّف بأنها داعمة للإرهاب بسبب انتهاء فاعلية هذه الجماعات وعجزها عن تغيير النظام في سورية، وقد أضحت عبئاً على مشغّلها الأميركي الذي استغلّ تغيّر المزاج تجاه قطر للحديث عن موضوع دعمها للإرهابيين رغم أنه لم يكن خافياً على أحد. والسؤال الذي نسأله دائماً: لماذا اليوم وليس بالأمس.
الخيط الرابع: قطع أو خفض علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وهذا المطلب يمسّ بصلب السيادة القطرية وتستطيع قطر أن تجادل الدول الثلاث ومصر بأنّ بعض هذه الدول لها علاقات دبلوماسية واقتصادية كاملة مع إيران فكيف يُطلب منها ما لا يُطلب من غيرها، ولكنّ الحقيقة لها أبعاد أخرى فهذه الدول، خاصة الدول الخليجية الثلاث، تتخوّف من تقارب قطر وإيران سياسياً، فإيران هي بوابة التعامل مع حزب الله، وهذا يقلق الدول الخليجية الثلاث، فخطاب قطر السياسي مختلف كلياً عن خطاب الدول الخليجية الأخرى والتي تدور في فلك الجارة الكبرى في الخليج بشأن إيران وحزب الله. وبهذا تتلاقى دولة قطر في هذا الخيط مع المحور العراقي الإيراني السوري الروسي في شأن دور حزب الله في المنطقة وشرعية هذا الدور، وهذا ما يُزعج أميركا فهل ستقطع قطر هذا الخيط؟
الخيط الخامس: تقديم قطر معلومات مُفصّلة عن شخصيات المعارضة التي موّلتها في الدول الأربع، وهذا الخيط ربما يكون، إن صحّ، من الخيوط المهمّة التي تمسكها قطر وتعتبرها الدول الأربع مساساً بأمنها الداخلي، ولا أعتقد إن أثبتت هذه الدول صحة مزاعمها سوف تتنازل عن هذا المطلب، ولا بدّ لقطر حينها أن تقطع هذا الخيط فهو مدخل من مداخل المساس بأمن الدول الأربع.
إغلاق القاعدة التركية على الأراضي القطرية. وهذا الخيط الجديد الذي وصلته قطر تركيا جاء بعد خوف الأولى من تنفيذ سيناريو عسكري ضدّها بعد مقاطعتها سياسياً، فكان بمثابة ردّة فعل بإقامة علاقة عسكرية مع الدولة التي تتبنّى فكر الإخوان المسلمين، وأعتقد أنّ هذا المطلب ليس من المطالب الأساسية، لا سيما إذا توافق الجانبان على الخيوط الخمسة السابقة.
هذه الخيوط التي ذكرتها يُراد من دولة قطر أن تقطعها لتعود إلى الحضن الخليجي… لكن ذلك يمسّ صلب السياسة القطرية وهنا يأتي الحرج وتأتي الحيرة لدى المراقبين لهذه الأزمة. فهل ستنفّذ قطر هذه المطالب؟ وما هو رأي القوى العالمية والتي تهتمّ بإنهاء مقاطعة قطر لما لها من أهمية اقتصادية بالنسبة إليها، وهنا أقصد أميركا وفرنسا وبريطانيا؟ فقطر تنتظر تعليق هذه الدول، خاصة أميركا على هذه المطالب، فهي بالون اختبار من الدول الثلاث ومصر لما سيحصل من ردة فعل أميركية وأوروبية تجاه المطالب…