هل تملك تركيا عوامل استقلال قرارها السيادي عن الغرب؟

حميدي العبدالله

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ تركيا لا يمكنها البقاء خارج الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة «داعش» و«النصرة». ومعروف أنّ تركيا تحفظت على تشكيل هذا التحالف في الاجتماع الذي عُقد في جدة قبل أسابيع قليلة، ونفت أن تكون الهجمات على مواقع «داعش» و«النصرة» داخل سورية انطلقت من قواعد «الناتو» في تركيا أو عبرت الأجواء التركية، ولاحقاً تحدث الرئيس التركي عن شروط لتركيا للدخول في الحلف، وفي مقدمة هذه الشروط منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة، وتقدم بري على الأرض داخل سورية.

إذا لم تستجب الولايات المتحدة والحكومات الغربية لشروط ومطالب الحكومة التركية، هل تبقى تركيا خارج الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة بعد أن دخلت شريكتها قطر في هذا الحلف؟

لا تملك تركيا عوامل تمكنها من قول لا لأيّ قرار غربي يتعلق بالمنطقة ويحتاج إلى مساندة تركيا. فقبل «الربيع العربي» عندما طلبت الحكومات الغربية ودول «الناتو» نصب منشآت الدرع الصاروخي على الأراضي التركية وافقت أنقرة على الطلب ولم تستطع الاستمرار بالمعارضة، وحتى في عام 2003 عندما غزت القوات الأميركية العراق، واستقوت الحكومة التركية بالرفض الشعبي العارم في تركيا لهذا الغزو، عادت وفتحت أراضيها وقواعدها أمام القوات الغربية العاملة في العراق.

لا تملك تركيا عوامل تمكنها من فرض قرارها السيادي وذلك في ظلّ القيود والروابط التي تجمع تركيا مع الدول الغربية ومع الولايات المتحدة، وحتى مع العدو الإسرائيلي، إذ أنّ قتل أكثر من 9 مواطنين أتراك لم يدفع حكومات حزب العدالة والتنمية إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

ومن بين الروابط والقيود التي تحول دون استقلالية القرار السيادي التركي عضوية أنقرة في حلف «الناتو»، وإذا كانت الأضرار التي ألحقتها هذه العضوية بتركيا أكثر من المنافع، إلا أنّ الانسحاب دونه الكثير من القيود والحسابات، التي يكمن فيها العامل الثاني الأساسي والجوهري الذي يحول دون استقلالية القرار التركي، أي ارتباط الاقتصاد التركي ارتباطاً عضوياً بالاقتصادات الغربية ولا سيما الاقتصاد الأوروبي، وحصوله على امتيازات وتسهيلات يصعب الاستغناء عنها، أو على الأقلّ يصعب على الاقتصاد التركي وقطاع الأعمال السائد الآن التخلي عنها. صحيح أنّ هذه العلاقات الاقتصادية الوثيقة والتسهيلات والامتيازات التي حصلت عليها تركيا منذ سبعينيات القرن الماضي لم تقد إلى تنمية حقيقية، وتطور الاقتصاد التركي بدأ بعد الانفتاح على الشرق والاستفادة من دول الجوار ولا سيما سورية والعراق وإيران وعبر هذه الدول غزو البضائع التركية لأسواق آسيا الوسطى وإيران والمنطقة العربية، إلا أنّ هذه العلاقات هي التي منحت تركيا دور الوسيط بين أوروبا ودول آسيا الوسطى وإيران والدول العربية، وإذا أرادت تركيا تغيير سياستها جذرياً، فإنّ عليها أن تخرج من «الناتو»، وعليها خسارة الامتيازات الاقتصادية التي حصلت عليها من أوروبا جراء ارتباطها بالغرب.

هذه القيود والحسابات تجعل استقلالية القرار السيادي التركي أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج إما لثورة شعبية جذرية، وإما تغيير عميق في العلاقات الدولية والإقليمية، وجميع هذه الشروط غير متوفرة في المدى المنظور.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى