داعش تندثر وسورية تنتصر وترامب يتخبّط
سماهر الخطيب
شكّل إعلان رئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، أمس، نهاية تنظيم «داعش» الإرهابي حدثاً مهماً في سياق الحرب على الإرهاب، وجاء إعلان العبادي مع سيطرة القوات العراقية على مسجد النوري في «الموصل القديمة»، وهو الذي أعلن من منبره القائد العلني للتنظيم الإرهابي «دولة خلافته» المزعومة.
وبالتزامن، أفاد تقرير أعدّته مجموعة «مراقبة الصراع» التابعة لمنظمة الخبراء «آي أتش أس ماركت» الدولية بأنّ تنظيم «داعش» الإرهابي سينهار قبل مرور سنة واحدة من الآن.
وجاء في التقرير أن تنظيم «داعش» فقد سيطرته على 60 في المئة من الأراضي التي كانت تخضع له، على مدى 3 سنوات من تاريخ إعلان إنشاء «دولة الخلافة»، ما يعني أن التنظيم لا يستطيع أن يعيش عامه الرابع.
وأوضح التقرير أنّ «داعش» كان يسيطر في 2015 على 90.8 ألف كيلومتر مربع، بينما، في حزيران 2017، لم يبق تحت سيطرته سوى 36.2 ألف كيلومتر مربع.
وتابع التقرير «أنّ القوات السورية الحكومية، وقوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، إضافة إلى القوات العراقية، تسهم في إضعاف داعش الذي من المرجح أن يتفكك قبل انتهاء العام الحالي». وأضاف «أنّ الأعمال الفعالة الهادفة إلى وقف قنوات تمويل الإرهابيين أدت إلى انخفاض حجم إيرادات داعش بشكل ملحوظ، حيث بلغ حجم إيرادات التنظيم 16 مليون دولار شهرياً في 2017، فيما وصل مبلغ الإيرادات في 2015 إلى 81 مليون دولار في شهر واحد».
وذكر التقرير أن إيرادات «داعش» النفطية انخفضت بنسبة 88 في المئة، والضريبية بـ79 في المئة بالمقارنة مع العام 2015. وأوضح أنّ فقدان السيطرة على الأراضي السورية الغنية بالنفط دير الزور، وحمص ، ومدينة الموصل العراقية أسفر عن تقليص إيرادات «داعش».
ورجّح التقرير أن لا تؤثر هزيمة «داعش» العسكرية على آراء أنصار التنظيم، وأن يحفز فقدان سيطرة «داعش» على الأراضي إلى تنشيط شن هجمات إرهابية في الخارج.
من جهة أخرى، تأتي هذه التطورات المتسارعة في الميادين العراقية في الوقت الذي يتجه فيه البيت الأبيض، لإعداد مشروع يزعم فيه أن الحكومة السورية تستعد لشنّ هجمات كيميائية.
وقد تباينت المواقف في واشنطن حول التحذير الذي أطلقه البيت الأبيض، ونقلت صحيفة نيويورك تايمز «أنّ الاستخبارات الأميركية ووزارتا الدفاع والخارجية، تشكك في صدقية بيان البيت الأبيض بشأن ما سمّاه احتمال استخدام السلاح الكيميائي في سورية»، كما تبيّن أن الجهات المكلفة بعمليات جمع المعلومات الاستخبارية في سورية وحتى بالتحضير للردّ العسكري، ليست على علم بما أثاره البيت الأبيض!
ورداً على هذه التخرصات الأميركية التي تراجعت عنها واشنطن، أكدت دمشق، أمس، «أنّ الادعاءات الأميركية حول وجود نيات لدى سورية لشنّ هجوم كيميائي مضللة وعارية عن الصحة». وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية «إنّ هدف الادعاءات الأميركية هو تبرير عدوان جديد على سورية بذرائع واهية، كما جرى في العدوان الأميركي على مطار الشعيرات، والتستر على الاعتداءات التي يقوم بها التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة».
ومن الواضح أن التوجه الأميركي هذا جاء رداً على انتصارات الجيش السوري وحلفائه في الميدان، وتقدم القوات السورية الى الحدود العراقية، وسعيه الحثيث للوصول وتثبيت تمركزه على الحدود الأردنية ومع فلسطين المحتلة كما تقدمه باتجاه تحرير دير الزور.
وبعد تراجع البيت الأبيض عن التهديد، وإعلان الأميركيين أن الرئيس السوري قد فهم الرسالة الأميركية جيدًا وتراجع عن استخدام الكيميائي، ما يطرح على بساط البحث، أسئلة حول الأهداف الحقيقية للرسالة الأميركية والتهديد بتدخل عسكري.
وفي سياقٍ متّصل، اتّهمت الولايات المتحدة الجيش السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية في العام 2013 بالغوطة الشرقية، ما أدّى إلى مقتل أعداد من المدنيّين بينهم أطفال، معتمدة في ذلك على فيديوات تنقصها المصداقيّة قدّمتها «المعارضة المسلّحة»، كما تسمّيها.
ونفتِ الدولة السورية تلك الاتهامات المزعومة والموجّهة ضدّها، كما قدّم الروس وثائق تثبت أنّ من استخدم الغازات السامّة في تلك المنطقة هم المسلّحون أنفسهم، وعلى خلفية ذلك هدّدت واشنطن بالتدخّل المباشر في سورية، الأمر الذي دفع موسكو إلى التدخّل بعد التفاهم مع سورية على التخلّي عن سلاحها الكيماوي بكامله، والاتفاق عبر الأمم المتحدة على ترحيل وتدمير السلاح الكيماوي السوري خلال مدّة أقصاها عام واحد.
وهذا ما حدث فعلاً تطبيقاً للقرار 2118 إثر اتفاق روسي – أميركي، كما انضمّت دمشق إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية بموجب القرار 2235 استجابةً للمبادرة الروسية ولكي تثبت حسن نيّتها.
وأقرّت الأمم المتحدة بتنفيذ سورية للقرار والتخلّص من السلاح الكيماوي، وبأنّ دمشق قدّمت لائحة بمواقع التخزين والإنتاج إلى منظّمة «حظر الأسلحة الكيميائية»، وقامت اللجنة المكلّفة بإجراء الفحوص الميدانيّة، وضمّ الفريق 19 مفتّشاً من منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية» و14 من موظّفي الأمم المتحدة.
ويشكّل استخدام السلاح خرقاً لهذه الاتفاقية، وقد التزمت سورية بجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ناهيك عن اتفاقيات جنيف الأربع واتفاقيّتَي لاهاي، وقد باتت هذه الاتفاقيات تشكّل ما يعرف بـ «قانون الحرب»، كما أنّ التعرّض للمدنيّين لا يجوز استناداً لهذه الاتفاقيات التي تعتبر استخدام الأسلحة الكيماويّة واستخدام الغازات السامّة القاتلة والتهديد باستخدامه، جريمةً دولية.
بناءً عليه، يبدو جليّاً أنّ هناك مخطّطاً إعلاميّاً لتصعيد وتأجيج الرأي العالمي ضدّ سورية، حيث لعبت محطّات عربيّة ودوليّة عدّة دوراً مباشراً في تأجيج الحرب على سورية، واستخدمت الكثير من وسائل الخداع لتمويه حقيقة ما يجري على الأرض، لتصبح سورية مسرحاً للإرهاب بأنواعه كلها، والذي بات يشكّل تهديداً للأمن القومي العالمي وليس فقط أمن سورية، بدعم واضح من الولايات المتحدة الأميركية التي تتحكّم بـ«الشرعيّة الدوليّة»، وتنتهك سيادة الدول وتشرّعها على التدخّلات تحت شعارات قضائيّة وإنسانيّة ونشر مفاهيم الديمقراطيّة، بذريعة بنود القرار 1373 الذي أصدره مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب، وما تبعه من قرارات 2178 و2199 وغيرها لحماية الأمن القومي ولإرساء الأمن والسِّلم الدوليَّين. إلّا أنّ الولايات المتحدة تتعاطى مع تلك القرارات، حسب أهوائها، ليكون المستفيد الوحيد هو الكيان الصهيوني! وهذا ليس جديداً ولا نتاج ليلة وضحاها، فهناك الكثير من الوثائق والتصريحات، أبرزها وثيقة صادرة عن المخابرات الأميركيّة المركزيّة في 3 أيار 1965، تشير إلى «أنّه في أيّ مكان لا نتمكّن فيه من السيطرة المباشرة على القوات العسكرية وقوات «البوليس»، يصبح من الضروري إطاحة الحكومة وإقامة نظام أكثر مسايرة»، وغيرها الكثير وإن دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على أمور تصبّ في صالح المؤامرة السياسيّة الدوليّة.
إنّ ما نشهده حتى اللحظة من تصعيد للأزمة السوريّة ما هو إلّا «شرعيّة» أميركيّة وإيديولوجيّة براغماتية توجّه بوصلتها نحو الـ»أنا» الأميركيّة الحاضنة للأفكار الصهيونيّة، وحربها بالوكالة ودعمها للإرهاب من خلال إمداده وتغذية منابعه لتحقيق مصالحها في تفتيت سورية وتقسيم المقسّم إلى دويلات تعمّها الفوضى تحقيقاً لغاياتها الاستعمارية.
وتمامًا كما في حادثة قصف مطار الشعيرات، كان الجيش السوري متقدماً ميدانياً، ما يعني عدم حاجته لاستعمال أيّ سلاح كيميائي وهو القادر على تكبيد المسلحين خسائر كبيرة بالقصف العادي.
إلا أنّ حاجة ترامب لإظهار القوة أمام الرأي العام الأميركي والغربي، للعمل على تخفيف الضغوط عليه خاصة في ظل التحقيقات المستمرة بعرقلته للعدالة، وتورط من حوله ومنهم صهره، بالتخابر مع الروس إضافة إلى موقفه من اتفاقية المناخ والتوتر الأوروبي من موقفه ضدها. فقد يكون بحاجة لعمل شيء ما، يخفف عنه وطأة الضغوط الداخلية والغربية التي تكبّله وتقلقه بشكل أكيد.
لكن، الرسائل الروسية والإيرانية والسورية أتت واضحة غير ملتبسة، بأن حلفاء سورية لن يسكتوا عن أي عدوان يقوم به ترامب أو مغامرة يريد أن يفكّ فيها أزماته.
كما أنّ عدم قبول الجنرالات الأميركيين بأي مغامرة متهورة غير محسوبة النتائج في الميدان السوري، ما يعني نزع الشرعية الداخلية عن أيّ عمل عسكري يريد ترامب القيام به في سورية.
ولا ننسى بأنه ما زالت ذاكرة التاريخ حافلة بالأكاذيب التي أطلقها جورج بوش الإبن حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وشنّ حرب مدمرة ما زالت نتائجها مؤثرة حتى الآن.