البطّة الأميركية العرجاء وبيضها الفاسد والتحدي الروسي
محمد احمد الروسان
حسناً إذاً… فإنّ حلف شمال الأطلسي الناتو جزء من الماضي ويجب أن ينتهي وفقاً لحركة التاريخ وإحداثياته ومفاصل تطور الضرورات وحركة الحياة أيضاً، لكن نواة هذا «الناتو» حكومة الأتوقراطية الأميركية وبلديربيرغها وذراعه العسكرية المجمّع الصناعي الحربي الأميركي وغلافه الشركات الاقتصادية المتعددة الجنسيات، أرادوا إحياء هذا الحلف الماضوي وعبر الأزمة الأوكرانية في مواجهة الروس والصينيين وجلّ دول البريكس الأخرى.
وصحيح أنّ الحلف الأطلسي وخلال فترة زمنية محدّدة استطاع تحقيق بعض المستهدف من أجندته، وعبر اللعب بالمكونات الديمغرافية لتلك المجتمعات، ساعدته الطبيعة العشائرية الديمغرافية لكل من العراق المُراد احتلاله من جديد الآن وعبر الحرب على الدواعش كفيروسات أميركية منتجة، كذلك في ليبيا التي صارت أقلّ من دولة فاشلة، وأفغانستان وحالها ليس بأفضل من العراق، وفي شمال شرق سورية إلى حدّ ما.
في المقابل تدرك نواة «الناتو» وبلدربيرغها الولاياتي الأميركي، أنّه يستحيل على الحلف الدخول في صراع مباشر مع الفدرالية الروسية والصين في ظلّ المعطيات الحالية، فذهبت إلى إعادة هيكلة للإرهاب الدولي الذي صنعته عبر تفعيل أدواته وإعادة توجيه من جديد، من خلال ما سُمّي بالتحالف الدولي لمحاربة مجتمعات الدواعش في العراق وسورية، والتي هي في الأساس من مائها المهين الصناعي في شقق الدعارة السياسية الصناعية والاستخبارية البيولوجية لتفعيل حروب الوكالة من جديد.
أحسب، أنّ مجتمعات ما تسمّى بالدولة الإسلامية في العراق والشام داعش ، والتي أرادت لها العاصمة الأميركية واشنطن دي سي أن تظهر بمظهر المدافع عن السنّة في المنطقة والعالم بالمناسبة أوباما في خطابه الأخير عندما أعلن استراتيجيته في محاربة أبنائه الدواعش، ظهر بمظهر المدافع عن السنّة وبخطاب مذهبي اتني في مواجهة المكونات الأخرى في المنطقة تم إيجادها وخلقت وصنعت لتستمرّ طويلاً طويلاً، ولتشكل رداءً فولاذيّاً للولايات المتحدة الأميركية بالمعنى الاستراتيجي في مواجهة الفدرالية الروسية والصين والهند، وعبر منحنيات التلاعب بشق الديمغرافية الإسلامية السنيّة والشيعية، إن لجهة روسيّا والقوقاز والداغستان، وان لجهة الصين وشمالها اتنية الأيغور وتفاعلات المخابرات التركية في الدعم والإسناد لهذه الأتنية الصينية، وان لجهة الهند وتمفصلات المسلمين سنة وشيعة فيها وتحوصلاتهم لجهة الباكستان، والصراع مع قومية الهندوس والقوميات الأخرى.
نعم إنها حرب بالوكالة تهندسها نواة «الناتو» وعبر استعمال دكتاتوريات الخليج في التمويل والإنتاج، وتوظيفات فكر ابن تيمية في مؤسساتها الدينية لتنتج مجتمعات الدواعش الإرهابية، والتي لن تكون هذه الديكتاتوريات الخليجية بمنأى عن هذا الإرهاب المموّل ذاتيّاً لاحقاً وعندما تحلّ لحظة الضرورة، وعبر الدواعش المنتجة خليجيّاً، ولكن بلوك جديد يزاوج بين الملتحي والأمرد في حين أن الجوهر واحد.
فالسعودية العربية تعتمد فكر ابن تيمية والشيخ محمد عبد الوهاب منهلاً للحكم والتديّن ومنهاجاً لتطبيق الشريعة، حيث تمّ إنتاج وأدلجة أجيال تلو أجيال من المشايخ على مدار عقود خلت، حيث هذا الفكر تكفيري إلغائي إقصائي، فجاءت مجتمعات الدواعش كمولود هجين بين بن لادينيّة الظواهري وفرق الموت الأميركية والبريطانية والفرنسية، إنها الجيل الثالث المهجّن بعد جيل بن لادن وجيل الزرقاوي، وأخيراً خرج علينا الجنرال جيميس كلابر مدير مجتمع المخابرات الأميركي، ليحذرنا من تنظيم هو أشدّ خطورة من «داعش»، اسمه تنظيم «خوراسان» الخليط من إرهابيين أوروبيين وأميركيين وأفغانيين وباكستانيين وسعوديين ويمنيين وكثير من عديمي الفائدة والقيمة من السفلة وآكلي لحوم البشر.
في حقيقة الأمر والمنطق أنّ خورسان ما هو إلاّ النسخة المتطورة من أفرع «داعش» المتعددة، وسنرى لاحقاً تنظيمات المشتري والمريخ والحمّة الأردنية بشقيها: المخيبة الفوقا والمخيبة التحتا وعدسية البحر الميت وعدسية الغور الشمالي، وسنرى تنظيم محمد العارف وتفرّعاته في سما الروسان، ليخرج علينا الجنرال جيمس كلابر وبجانبه جون برينان مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ليتحدث عن تمدّدات التنظيمات السابق ذكرها في الداخل الأردني، وداخل الشمال الفلسطيني المحتلّ إسرائيل وفي قطاع غزة المحتلّ ورام الله المحتلة ووصولها إلى مشارف دابوق، انّها الصفاقة السياسية والوقاحة الأميركية في أبشع صورها وتجلياتها.
البلدربيرغ الأميركي جعل مؤسسات الدولة الأميركية، تدمن على حروب الوكالة Proxy War، وتوظف الجميع لخدمته وخدمتها والجميع ضدّ الجميع من الأدوات، في مناطق ونطاقات الجغرافيا المستهدفة عبر توظيفات الصراعات الدينية والأتنية، العالم شاهد ذلك وما زال في سورية وليبيا والعراق والباكستان والهند من خلال كشمير وأوكرانيا، وما يعدّ للبنان حالياً والأردن لاحقاً عبر اللعب في الديمغرافيا الأردنية ذات الأصول والمنابت.
إنّ خطّة أوباما الاستراتيجية، والتي هي في الأساس خطّة نواة الولايات المتحدة الأميركية ونواة «الناتو» البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية التي تحكم العالم هي نتاج رؤية مصنّعي حرب الوكالة، حيث عناصر الجيوش الحربية الأميركية يقصفون وهم جلوس في غرف نومهم مع عشيقاتهم، وباقي الأمور القذرة يقوم بها الأدوات عديمو القيمة، التي تمّ إنتاجها وعبر الفكر الممنهج لبعض ديكتاتوريات دول الخليج، فمثلاً أثاروا الكرد ضدّ دواعش الماما الأميركية، ثم تبع ذلك مفاوضات هنا وهناك مع طهران إلى أن أوضحت إيران، وبلهجة عميقة وقاسية للغاية عن شكوكها حول النوايا الأميركية.
ولأنّ نواة الفدرالية الروسية ومجتمعات مخابراتها المتعدّدة تدرك حقيقة خطّة البطّة العرجاء باراك أوباما الناطق الرسمي باسم جنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأميركي ، حيث موسكو تتأهّب لأيّ حرب شاملة محتملة، فإنّ مسألة تحليق مقاتلات روسية استراتيجية فوق اسكتلندا، ثم في المجال الجوي السويدي، كذلك قيام المدمّرات الجويّة الروسية من طراز Ut 95 ، بإجراء مناورات اعتراض القنابل النووية في شمال الولايات المتحدة الأميركية وبشكل متزامن مع قمة ويلز للناتو، مع قيامات أخرى للمقاتلات الروسية بالتحليق على ارتفاعات منخفضة فوق سفينة تورنتو الحربية الكندية التي كانت تجري مناورات عسكرية في البحر الأسود بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مع تعطيل أنظمة إطلاق الصواريخ فيها، ثم بعد ذلك قيام طواقم من فئة الضبّاط العاملين فيها بتقديم استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي، حيث غضبت قيادات «الناتو» لهذا الفعل الروسي المتفاعل والمدروس، وكما حصل من فترة قصيرة وقبل تفعيل مجتمعات الدواعش في الدواخل العربية، حيث تمت مضايقة السفينة الأميركية Uss Donland Cook أثناء سيرها في البحر الأسود، عن طريق الطائرات العسكرية الروسية من طراز Su -24، بحيث استطاعت أنظمة هذه الطائرات الروسية إقفال أنظمة الصواريخ في السفينة الأميركية، وكان من نتائج هذه الحادثة أن قدّم أكثر من ثلاثين ضابط وضابط صف أميركي من طاقم السفينة هذه استقالاتهم، نتيجة الذعر والانهيار النفسي والعصبي. وبجانب ذلك كان هناك التهديد الروسي بإغلاق المجال الجوي الروسي أمام أعضاء «الناتو» كنتاج للتوترات الحاصلة مع واشنطن وحلفائها الأوروبيين واستمرار فرض العقوبات على روسيّا، مع العمل على منح إيران وباكستان والهند عضوية عاملة في منظمة شنغهاي للتعاون الإقليمي، وهي بمثابة المعادل الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي والمخابراتي والبشري والجغرافي للناتو ووجهه المدني الاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة الأميركية ومن تحالف معها من بعض عرب تبّع. حيث يتجلّى هذا التحدي السلوكي الروسي العسكري والاستخباري، في صورة شاملة ومختلفة وفي أكثر من مكان وصورة وبشكل متزامن، انّه تحدّ روسي عميق وعريض لحروب الوكالة الأميركية الأطلسية.
تلاقح المصالح بين مختلف الأطراف في المنطقة، صارت أكثر وضوحاً في تنفيذ خطّة البطّة العرجاء أوباما، لضرب ما أنتجته واشنطن من دواعش في الداخل العراقي والداخل السوري، حيث المعارضة السورية المسلّحة تراها فرصة لإعادة ترتيب أوراقها واستعادة المناطق الشاسعة التي قضمتها «داعش» وبالتالي التحرك لاحقاً ضدّ قوات النظام السوري، في حين ينظر إقليم كردستان إلى «داعش» على أنّه الجدار الأخير الذي يعيق ضمّ بعض المدن قبل إعلان الاستقلال كدولة بشكل كامل، لتكون «إسرائيل» جديدة في الشمال العراقي بديلاً من «إسرائيل» الحالية.
وخصوم الدولة الوطنية السورية ينتظرون أن يسرّع التحالف الدولي ضدّ «داعش» بإسقاط النسق السياسي السوري، في حين حلفاء الدولة الوطنية السورية ينتظرون أن يواجه التحالف واقعاً صعباً واقفاً أمام خيار الفشل والانكسار لواشنطن ومن يدور في فلكها في المنطقة والعالم، أو الذهاب إلى التنسيق مع دمشق لتغيير مناخات المنطقة، حيث التحالف يحمل فيروسات إنهاء نفسه بنفسه منذ الإعلان عنه أميركيّاً من قبل البطّة العرجاء أوباما، لندن اعترضت عليه وعلى لسان وزير خارجيتها الجديد فيليب هاموند حين قال: إنّ بلاده لن تشارك التحالف في ضربات لـ«داعش» في سورية، مستنداً هاموند إلى تصويت سابق للبرلمان البريطاني، وقريباً لندن ستفتح سفارتها بشكل كامل في طهران وعبر سفير، في نفس الوقت الأردن عيّن سفيراً في طهران وهو يستعدّ للمغادرة بعد حلف اليمين أمام الملك، كما استقبلت عمّان السفير الإيراني الجديد مجتبى فردوسي بور والذي سبق العمل له في عمّان في 2004 و 2005 و2006، وضمن هذه السردية في الحدث السياسي الدبلوماسي، فإنّ الرسائل البريطانية غير الرسمية إلى إيران سترسلها لندن عبر عمّان والرسمية عبر سفيرها وتبدأ اللعبة من جديد، حيث سيبقى تطور العلاقات الإيرانية ـ الأردنية مرهوناً بسقف تطور خطوط العلاقات البريطانية ـ الإيرانية، وبمقدار ما تسمح به لندن ونقطة على السطر… اقلب الصفحة.
رفض ألماني وتردّد فرنسي
ألمانيا رفضت وفرنسا متردّدة لضرب الدواعش في سورية، بالرغم من أنّ الحدث السوري بدأ بحرب بريطانية ـ فرنسية سريّة، تركيا لديها أسبابها الخاصة في عدم ضرب «داعش» عبر التحالف في الداخل السوري، كونه يدور في فلكها، وأفادت كثيراً من نقل النفط من «داعش»، وكذلك هي غير مرتاحة لدعم «الناتو» لأكراد سورية وإلحاقهم بأكراد العراق، فتحركت واشنطن وضغطت على دواعشها بالداخل العراقي على إطلاق الرهائن الأتراك وهذا ما جرى أخيراً، لتظهر العملية على أنّها عملية مخابراتية تركية صرفة مع دفوعات مالية هنا وهناك، لتدفع أميركا تركيا نحو المضيّ الفاعل المتفاعل ضمن التحالف الدولي.
قطر اتخذت مواقف متباعدة نوعاً ما نكاية بالدور السعودي في التحالف ضدّ «داعش»، مصر أعلنت أنها لن ترسل جيشها إلى خارج الحدود، والأردن متحفظ على التحالف لضرب الدواعش في الداخل السوري درجة الرفض، بل وصلت درجة الرفض الآن وبعد فكه لشيفرات المفخخات في داخل التحالف الذي أعلنت عنه البطّة العرجاء أوباما، حيث بدا تحالفها مفخخاً من داخله.
ورصد مجتمع المخابرات الأردني، ما سارع إليه الجمهوريون إلى انتقاد أوباما وخطته الاستراتيجية الجديدة إزاء «داعش» في العراق وسورية إذا اقتصرت فقط عملياته على الغارات الجويّة، حتّى أنّ الجنرال الأميركي المتقاعد ميشيل هيدن قارن بين الهجمات الجويّة التي أعلن عنها باراك أوباما وبين النزوات الجنسية، مشيراً إلى أنّ كليهما يحقق الإشباع من دون أن يكون هناك إلزام، بعبارة أخرى فإنّ الضربات الجويّة ستحقق رغبة واشنطن في ضرب «داعش» من دون أن تكون ملزمة بخوض حرب على الأرض، وميشيل هايدن هذا كان مديراً لوكالة الاستخبارات الأميركية ولوكالة الأمن القومي التي يرأسها الآن جيمس كلابر الذي يشبه كاتب هذه السطور بالشكل لا الجوهر، فالجوهر على نقيض.
الفدرالية الروسية ليست عاجزة بسبب الملف الأوكراني أو غيره من ملفات الخلافات مع واشنطن، عندما تحذّر فقط من ضرب «داعش» وبنفس الوقت ضرب قوّات النظام السوري، فموسكو مدركة أنّ واشنطن وحلفاءها مقبلون بقوّة على فخ عميق ومتاهات جديدة لن يخرجوا منها بسهولة، وسوف تمارس روسيّا سياسة الانتظار والمراقبة مع الاستمرار بدعم الدولة الوطنية السورية ونظامها عسكرياً ومالياً وبكلّ شيء.
نعم العرب كثبان بشرية على غرار الكثبان الرملية تتقيأ المال مثلما تتقيأ الدم والطعام، والغرب كان يعلم أنّ ذلك الوحش الأيديولوجي «القاعدة» و«داعش» وفاحش وطالس يترعرع في دورتنا الدموية، وعملوا على برمجته إلى اللحظة المناسبة التي تدق فيها ساعة الانفجار، وعندما تبعثر السوريون تبعثر العرب معهم، والأميركان تسكنهم قعقعة المصالح بينما العرب تسكنهم قعقعة الغرائز، ولا أحد يستطيع أن يغسل تلك الخطيئة التي تدعى العرب، والخلاف بين العربان حول تقاسم الجثث والموتى فقط.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com