باكستان و تداعيات الجهر السعودي بالتطبيع مع «إسرائيل»

هادي حسين

خطاب الـ 76 دقيقة بمناسبة يوم القدس العالمي لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، لم يكن كغيره من الخطابات، فكما عوّدنا السيد نصرالله في كلّ إطلالاته السابقة هناك دائماً جديد ومفصلي، ولعلّ أعمق وأخطر ما قيل في هذا الخطاب ما تحدّث عنه الكاتب المُخضرم عبد الباري عطوان الذي قرأ في الخطاب كشفاً لا يقلّ أهمية عن كشوفات ابن عربي في فتوحاته المكية، فالسيد نصرالله كشف عن استراتيجية قتالية جديدة مع العدو الإسرائيلي – بحسب عطوان وهدّد بإمكانية فتح الأجواء لعشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كلّ أنحاء العالمين العربي والاسلامي… من العراق واليمن، ومن إيران وأفغانستان وباكستان.

نعم، وباكستان…

لا شك أنني كباكستاني مؤمنٌ بخيار المقاومة كثقافة وأعتزّ ككثيرين من الباكستانيين بسيد المقاومة، أشعر بجسدي تملأه النشوة من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي عندما يذكر سماحته باكستان، فكيف إذا كان الأمر وهو يتوعّد العدو بالآلاف من باكستان؟

لكن ومن منطلق الحرص الوطني على توجه باكستان السياسي من جهة، ومستقبل القضية الفلسطينية من جهة أخرى، دعونا نتساءل: أين باكستان من القضية الفلسطينية؟ وماذا عن تداعيات التطبيع السعودي مع الكيان الإسرائيلي وأثره على مستقبل العلاقات الباكستانية الإسرائيلية؟ وهل تعي القوى والحركات الإسلامية خصوصاً، خطورة جهر السعودية بعلاقاتها مع الكيان على الساحة الباكستانية؟

بداية لا بدّ من الإشارة إلى أنه دائماً ما كان الموقف الباكستاني من القضية الفلسطينية محاكياً لموقف النظام العربي، لا سيما بعد اتفاقية أوسلو، التي كانت الملح الذي أذاب جليد الموقف المتشدّد لإسلام آباد إزاء تل أبيب، التي ومنذ اليوم الأول لتأسيس كيانها المشؤوم عام 1948 سعت إلى فتح علاقات دبلوماسية مع الدولة الجديدة في شبه القارة الهندية، لكن ردّ محمد علي جناح على رسالة بن غوريون رئيس حكومة الكيان جاء سلبياً ومتحفظاً، لكن تل أبيب لم تيأس ففي عام 1953، وبرعاية أميركية هذه المرة، التقى وزير الخارجية الباكستاني في وقتها محمد ظفرالله خان بسفير الكيان في واشنطن أبا إيبان الذي سمع من ظفرالله خان ما يُبشر بتقبّل باكستان لفكرة العلاقة مع «إسرائيل»، لكن المسألة تحتاج إلى وقت…

فقد قال ظفرالله لإيبان: «الحكومة الباكستانية لا تحمل أيّ كراهية تجاه إسرائيل، وتفهم أنها لاعب مهمّ في الشرق الأوسط يجب أن يؤخذ في الاعتبار».

وفي عام 1994 قام مولانا أجمل قادري بزيارة إلى الأراضي المحتلة بعد مجموعة لقاءات تمهيدية، كان أبرزها لقاء رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو عام 1993 بمسؤولين من الموساد الإسرائيلي في نيويورك، وكان قد وصف الزيارة بعد عودته بـ»المثمرة». كما تمّ تداول أخبار في الإعلام الباكستاني عن وجود قنوات اتصال بين باكستان والكيان المحتلّ في فلسطين.

بعد اتفاقات أوسلو، كانت باكستان مستعدّة للمضيّ قُدماً في الإعتراف بـ»إسرائيل» وتوالت اجتماعات المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين الباكستانيين مع نظرائهم الإسرائيليين في مختلف أنحاء العالم.

بيد أنّ انهيار عملية أوسلو بعد صعود حزب الليكود إلى السلطة أوقف هذا الزخم في العلن أقله. ونعتقد أنّ إسلام أباد ستستأنف في المستقبل مبادرة الاعتراف بدولة الكيان الإسرائيلي، لا سيما بعد التطورات الأخيرة بين الدول العربية وعلى رأسها المملكة السعودية وجهرها بالتطبيع مع حكومة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.

حيث انّ ظروف النظام الدولي قد اتاحت لـ«إسرائيل» الاستفادة من القواعد والنُظم التي تحكم السياسة الدولية، ما جعل غالبية دول المنطقة تسارع إلى التطبيع مع تل أبيب.

برأينا لم يعد هناك ايّ عائق إقليمي أمام باكستان لتحذو حذو تركيا التي تربطها بباكستان علاقات تاريخية، فضلاً عن حليفتها الاستراتيجية السعودية نحو التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

في المعلومات، هناك في إسلام آباد من يرى أنّ النظام العربي وبالتحديد المملكة العربية السعودية قد مهّد الطريق لباكستان لتخطو خطوات أكثر جرأة باتجاه تعزيز العلاقات الباكستانية الإسرائيلية، لا سيما أنّ باكستان تأمل في إعادة كسب ثقة الولايات المتحدة إلى جانب سعي إسلام آباد للتأثير على العلاقات الهندية الإسرائيلية.

وهذا ما يجب أن تتنبه له الحركات والقوى الإسلامية في باكستان التي تقدّم نفسها كحاملة لواء الدفاع عن المقدسات والممثل الأوحد لمحور المقاومة في البلاد، من خلال وضع برنامج عملاني جدي للوقوف في وجه تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، لما للتطبيع الرسمي من تداعيات داخلية وخارجية، خاصةً لما لباكستان من موقع جيو سياسي، سيمكن تل أبيب من الوصول الى قلب آسيا وما يحتويه من ملفات ساخنة قابلة للاستثمار الإقليمي والدولي، لا سيما أنّ باكستان تقع شرق إيران وجنوب الصين…

كاتب وباحث باكستاني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى