نعم الأمر ليس مبالغة… رقبة لبنان تحت سكين «داعش»
د. وفيق ابراهيم
تجاهلُ الأزمة ليس حلاً لها، ونفيُ وجودها أخطر. هناك مَن يُقامر بلبنان متكئاً على قوى في الإقليم العربي، متوهّماً أنّ إسقاط النظام السوري يُقْطِعَهُ «ولاية لبنان»، ويولّي السعودية على إيران ويعيد الانتداب الفرنسي وربما «الإسرائيلي» إلى معراب.
هذه أوهام كهول لا تفعل إلا التأسيس «لأوكارٍ» حاضنة للإرهاب وربما بيئة أكبر تستبطنُ عداءً خفياً للآخرين ـ وتدمّر الكيان اللبناني.
من الواضح أنّ هناك ائتلافاً بين أربع قوى يؤدّي تكامل أدوارها إلى إنتاج بيئات حاضنة لـ«داعش» وأمثاله في لبنان.
أولها: وجود قوى سياسية لا تزال تجاهر بدعوة «الإخوان» إلى حكم لبنان وتنكر وجود «داعش» في البلاد، وتعطل انتخاب رئيس للجمهورية ومجلس نيابي جديد وحكومة جديدة، وتحوّل الإدارة إلى مزرعة لزبانتها.
تنتمي إلى هذه الفئة، أحزاب «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الجماعة الإسلامية» و«الكتائب» و«هيئة علماء المسلمين» والفروع اللبنانية لـ«داعش» والقاعدة وآخرين… وقسم من الرهبان.
ثانياً: الاقتصاد ويُعنى بتمويل الفروع العسكرية والمدنية للتنظيمات المذكورة وأجنحتها في قوى الإرهاب التكفيري. والاقتصاد هنا نوعان: خارجي يهطل كالمطر من السعودية وقطر والإمارات والكويت. وداخلي من الصناديق والهيئات التي يُهيمن عليها حزب المستقبل، كالهيئة العليا للإغاثة و«أوجيرو» ومجلس الإنماء والإعمار وعشرات الهيئات والصناديق التي تخضع لإشراف رئيس الوزراء مباشرة، إضافة إلى بعض الأجهزة الأمنية.
ثالثاً: استخدام الدين كظاهرة لا تزال تفعل في المجتمعات التقليدية وتؤسّس بنية صلبة تؤثر في القناعات وتحجب العقول لمصلحة الغرائز. ولا تقتصر الإدانة على «هيئة علماء المسلمين»، بل تشمل مئات المساجد المنتشرة في مدن وقرى لبنان ومخيماته، والتي يديرها أئمة مذهبيون لا يتمتعون بالقليل المقبول من العلم الأصلي. هؤلاء يطلقون راجمات ألسنتهم على الآخرين وكأننا في حروب الفتوحات «أسلِم على الطريقة الوهابية أو تُذبح كنعجة». وأئمة المساجد تابعون لدار الفتوى وتساعدهم جوقة قليلة من رهبان الكنائس والأبرشيات.
رابعاً: استخدام عشرات محطات التلفزة المحلية ومثلها من الصحف ومحطات الإذاعة. إضافة إلى مئات الفضائيات كلها للتأثير في الرأي العام وإعادة تشكيله على نحو يساعد في تفجير الحروب المذهبية والطائفية والعرقية.
وللأسف، فإنّ هذا الإعلام نجح ببناء بيئات حاضنة للإرهاب من خلال التحريض المذهبي واختراع ما يُسمّى «الخطر الإيراني والروسي وحزب الله». في حين أنّ الإعلام المواجه لهذا المشروع لا يزال ضعيفاً ويعمل على الأسلوب الخطابي البريء والمباشر مع الاتكال على إمكانات العلي القدير.
إنّ اجتماع هذه العناصر في بيئة شديدة التعقيد والتنوّع، عجّل في تصديع الوحدة الوطنية الداخلية، مسهّلاً لـ«داعش» وأمثالها اختراق المجتمع اللبناني ورجرجة استقراره في كثير من أنحاء لبنان… نعم… أصبح لدينا في لبنان من بين الفئات المدنية من يتمنّى لو يُبيد «الإرهاب» الطرف المذهبي الآخر والأطراف المسيحية المتحالفة معه. وصار يساوي بين الصهيونية وحزب الله لأنّ الإعلام صوّر له أنّ «الحزب» يشكّل على جماعته تهديداً وجودياً.
لقد أدركنا أوج الخطر الداخلي… و«داعش» وأمثاله استفادوا من هذا الانقسام الوطني المريع فاستوطنونا، وهم يلعبون في ملعبنا بعناوين مختلفة وببراعة قلّ نظيرها، ونجحوا بتعطيل دور الجيش الوطني الذي يمثّل الوحدة الوطنية بأجلى تصوّراتها. وأصبح سهلاً توجيه الاتهامات إلى الجيش بهدف تسعير الناس ضدّ أدواره، الأمر الذي يعطل دور التصدي لـ«داعش» والإرهاب… ولولا أنّ حزب الله لا يُعير للتسعير وزناً، لكانت «داعش» وأمثاله في ربوع بلداتنا ومدننا.
هذا غيضٌ من فيض. لكن الموضوع يستحق أن نطرح تساؤلات كثيرة أبرزها: هل ما زلتم تريدون لبنان؟ وكيف نتعامل مع الأخطار الإقليمية المحيطة؟ وكيف نوقف الإعلام المذهبي؟… الخ. علينا أولاً القبول بأنّ مرحلة الإمارة الحريرية ولّتْ وبغير إمكانية للرجعة، بكوارثها السياسية المذهبية، والطائفية والدكتاتورية والاقتصادية نهب المال العام وستون مليار دولار ديوناً .
ثانياً: مؤتمر وطني للدفاع عن لبنان ضدّ الإرهاب ودقّ النفير العام وإعلان التحالف مع سورية.
ثالثاً: انتخاب رئيس للجمهورية يمثل نقاط القوة عند المسيحيين لتأكيد أهمية العيش المشترك.
رابعاً: التحضير الأمين للتعامل مع الإرهاب من دون معوقات اجتماعية دينية ومذهبية في كلّ أنحاء لبنان ومخيماته وأماكن النزوح فيه… وإلا فإنّ مصير لبنان تحت رحمة سكاكين «داعش» وصغار الأئمة وأهل القاعدة… وعندها يرحمكم الله ويرحمنا.