ما بعد سقوط دولة الخلافة «الداعشية»
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
دولة ما يسمّى بالخلافة «الداعشية» التي أعلن أبو بكر البغدادي في 14/7/2014 عن قيامها من على مئذنة جامع النوري الكبير في الموصل القديمة الذي جرى استعادة ركامه بعد ان فجرت «داعش» مئذنته التاريخية… يبدو انها تتجه نحو الأفول والهزيمة الشاملة بالمعنى العسكري… فمن بعد هزيمتها في الموصل واضح انها ستلقى نفس المصير في الرقة ودير الزور السوريتين آخر معاقلها هناك… وحتى نقرأ الأمور بشكل دقيق، يجب علينا ان نعتمد التحليل الملموس للواقع الملموس… فأميركا والقوى الإستعمارية الغربية ودولة الإحتلال الصهيوني لديها مشاريعها الإستعمارية في المنطقة، مشاريع قائمة على استمرار تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في العالم العربي، ومنع أيّ حالة نهوض وحدوي قومي يهدد مصالح تلك الدول في المنطقة، او يشكل خطراً وجودياً على دولة «إسرائيل»، ولذلك جاءت مشاريع «الفوضى الخلاقة» الأميركية وإعادة إنتاج سايكس – بيكو جديد يقوم على أساس تفتيت وتقسيم وتجزئة وتذرير الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على تخوم المذهبية والطائفية والثروات بإقامة كيانات اجتماعية هشة مرتبطة بأحلاف واتفاقيات ومعاهدات أمنية مع أميركا و«إسرائيل» على وجه الخصوص، لها قيادات فاقدة للسيطرة على خيراتها وثرواتها وفاقدة لقرارها السياسي… ما يسمّى بدولة الخلافة «داعش» جرى تضخيم قوتها من قبل الولايات المتحدة الأميركية بشكل كبير عسكرياً واقتصادياً لكي تبرّر الولايات المتحدة، عملية الإصطفاف الدولي الكبير خلفها لمحاربة هذا «البعبع» ومن ثم تجلب قواتها للمنطقة، لكي تواصل ممارسة القتل والتدمير والتفكيك السلطوي والمؤسساتي والعسكري في العراق وسورية… وتستمرّ في استثمار تلك الورقة لمنع نشوء أيّ حالة استقرار في سورية او العراق.. فأميركا اعتمدت مع «داعش» سياسة الاحتواء المزدوج وليس الحرب والاجتثاث، بمعنى كانت تقوم بضربها في منطقة ودعمها في منطقة أخرى، مثلاً تضرب في العراق وتدعم في سورية وهكذا… ولذلك كانت «داعش» فخر الصناعات الأميركية بامتياز، جرى الترويج لها وتضخيم قوتها، وتمويل الحرب عليها بأموال عربية وإسلامية في الأغلب وباحتياطي بشري إرهابي له حواضنه من مشيخات النفط والكاز الوهابية والخليجية والمغرب العربي والعديد من بلدان جنوب شرق اسيا الإسلامية… ناهيك عن الجيش العراقي المنحلّ… الذي اتجه جزء كبير منه نحو الإسلام المتشدّد والمتطرف والدروشة… ولا اعتقد بأنّ الهزيمة القاصمة التي مُني بها التنظيم في العراق وسورية ستنهي وجوده بشكل كلي… حيث انّ هناك من سيواصل استثمار تلك الجماعات الإرهابية لخدمة أهدافه ومصالحة… وبعد فقدان تلك الجماعات وخسارتها لقلاعها وإماراتها في العراق وسورية، فالمناطق الآمنة لها والتي تمكنها من العمل بحرية أكبر وأوسع، هي ما نتج من دول فاشلة نتيجة الحروب التي قادتها الدول الإستعمارية وأدواتها التنفيذية العربية الخليجية وتركيا كدور وشريك ومقاول مالي وبشري في تغذية تلك العصابات الإجرامية والإرهابية والتكفيرية للسيطرة على تلك البلدان… ولذلك ستتجه تلك الجماعات الإرهابية الى ليبيا واليمن وأفغانستان وسيناء والى السواحل المغربية والصومال والسودان وحتى الى نيجيريا لكي تواصل إجرامها وإرهابها، حيث سيجري توظيفها لضرب القوى والدول المعادية للمشاريع الأميركية والإستعمارية الغربية ومشيخات النفط الخليجية..
إنّ الهزيمة العسكرية لما يسمّى بدولة الخلافة… تتطلب هزيمة على المستوى الفكري وهزيمة على مستوى الوعي والثقافة.. حتى نقرّ بسقوط مثل تلك الدولة… ففي ظلّ وجود حواضن وفضاءات ومنابر إعلامية وثقافية ودينية ومؤسسات وجمعيات خيرية وإغاثية تدعم مثل هذه الجماعات وتتبنّى أفكارها التكفيرية الإجرامية الإرهابية، فإنها ستجد في الدول والبلدان الفاشلة، وفي البيئة الفقيرة والمعدمة، والمناطق التي تنشر فيها ثقافة الجهل والتخلف والحجر على العقول تربة خصبة لنشر أفكارها وبناء تنظيمها من جديد على نحو أكثر شراسة وتطرّفاً وإجراماً من التنظيم الحالي.
لا اعتقد بأنه سيجري حلّ هذا التنظيم، بل سيعمل على إبقاء خلايا نائمة في الكثير من البلدان العربية والإسلامية وحتى في ساحات أوروبا، تلك الخلايا التي يجري توظيفها لخدمة أجندات ومصالح وأهداف للعديد من الدول، وخاصة أنّ هذا التنظيم جرى اختراقه من أكثر من جهاز مخابرات عربي وإقليمي ودولي، حتى «إسرائيل» توظف هذا التنظيم الإرهابي وما يقوم به من عمليات إجرامية وإرهابية للتحريض على النضال الوطني الفلسطيني ووسمه بالإرهاب والتطرف، كما حدث في أكثر من عملية نفذها شبان فلسطينيون، عملية الشهيد فادي القنبر في أوائل العام الحالي وعملية الشبان الفلسطينيين من رام الله/ دير ابو مشعل في شهر رمضان من العام الحالي نموذجاً، حيث اتهمت أجهزة مخابرات الإحتلال منفذيها بانهم ينتمون الى تنظيم «داعش» الإرهابي.
من المرجح بعد هذه الهزيمة القاسية التي تلقاها تنظيم الدولة الإسلامية، الذي توفرت له إمكانيات مالية وعسكرية كبيرة، وصلت حدّ صك العملة في العراق، وبعد ان فرّ الكثير من قياداته بعد سرقة مئات الملايين من الدولارات التي كانوا يجبونها من تجارة النفط والغاز العراقي والسوري المسروقين، والتجارة غير المشروعة في التهريب والمخدرات، ونهب الآثار والمقتنيات الثمينة وبيعها، فإنه سيجري استيلاد حركات وتنظيمات إرهابية بأسماء جديدة، لكي تنزع عنها صفة الإرهاب والتطرف، وربما تشكل لها أذرع سياسية وحزبية، تمكنها من إختراقات مجتمعية وسياسية، وبما يسمح بوصولها للسلطة في هذا البلد الفاشل او ذاك.
«داعش» سيستولد «دواعش» جددا وبمسمّيات جديدة وستستخدم «الدواعش» الجديدة لخدمة مشاريع واهداف معادية، هدفها استدامة الموت والدمار والتخريب في بلداننا العربية والإسلامية واحتجاز تطوّرها واستمرار نهب خيراتها وثرواتها وتحويلها الى دويلات فاشلة.