الدم ينقلب على الخرائط ويوحِّد الأمة
حسين حمّود
مثلما رسم المشروع الاستعماري القديم – الجديد، خرائط تقسيم المقسّم لدول الشرق بالدم، يُعيد بالدم أيضاً، محور المقاومة جمعَها وتوحيدَها.
كما في سورية والعراق واليمن، توحّد الشعب المقاوم في خندق واحد، كذلك سيكون الكلّ في الخنادق كلها دفاعاً عن الوجود في الحاضر والمستقبل.
وجه جديد للأمة يتشكّل، إذن. لا حدود. لا جغرافية سياسية أو ديموغرافية منعزلة عن جارتها. لن يبقى التاريخ تاريخ دول منفصلة ومستفرَدة. الهمّ بات مشتركاً والمصير واحداً والمستقبل يرسمه الجميع، ولو كره الخائنون.
فلعلها الحسنة الوحيدة للغزو الاستعماري الأخير للإقليم هو أنه أدّى إلى تجميع الشعوب المقاومة في تكتّل واحد في مقابل أعدائها لتصبح جيشاً جراراً بخبرات قتالية هائلة وتسليح حديث وعقيدة راسخة واحدة هي النهوض والتقدّم والتحرّر، وتأخذ مكانها الذي تستحقه تحت الشمس. وأبرز مَن سيواجهه هذا الحلف الواسع، هو العدو «الإسرائيلي»، فـ «يجب أن يعرف الجميع أنّ محور المقاومة أقوى، ويجب أن يعرف العدو «الإسرائيلي»، أنه إذا شنّ حرباً على سورية أو على لبنان فليس من المعلوم أن يبقى القتال لبنانياً إسرائيلياً أو سورياً إسرائيلياً فقط»، على ما أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
لكن ليس هذا معناه أنّ «هناك دولاً قد تدخل بشكل مباشر»، بل «قد تفتح الأجواء لعشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من المجاهدين والمقاتلين من كلّ أنحاء العالم العربي والإسلامي ليكونوا شركاء في هذه المعركة، من العراق ومن اليمن ومن إيران ومن أفغانستان ومن باكستان».
وهذا يعني أيضاً أنّ الكيان الغاصب يفقد إحدى وظائفه الرئيسة من خلال زرعه عنوةً في المنطقة، وهي تقسيم المنطقة لإضعاف دولها، فإذ بالمقاومة تستعيد زمام المبادرة من جديد لإعادة توحيدها عن طريق الشعوب، والذي هو أكثر قوة وأبعد أثراً وفعلاً وفعالية من التقسيم الجغرافي على أهميته. وقد يكون الحلم الجديد القابل للتحقيق هو إلغاء الحدود.
لكن بدلاً من أن يشعر الجميع بالافتخار والعزة بقوته في مواجهة الأعداء، انتهز التقسيميون والانعزاليون حتى هذه الفرصة، للتعبير عن تبعيتهم للاستعمار بكلّ أشكاله وممثليه، معيبين على أمتهم أن تكون ذات شأن بين الأمم في كتابة مسار تاريخها الجديد بعدما كان القديم في جزء كبير منه، تاريخ هزائم وتبعية وعبودية للغزاة أو الفتوحات.
أما البديل عند الناقمين على محور المقاومة ونموّه السريع والكبير، فهو الاتكاء دائماً على المستعمر ذاته لحمايتهم من أيّ اعتداء. والمقصود ليس حماية الوطن بل مصالح هؤلاء السياسية والاقتصادية والذود عن عروشهم ومناصبهم وثرواتهم وسمسراتهم.
هذه المصالح تعلو عندهم على مصالح أوطانهم التي لا تعني لهم سوى أنها مكان إقامة ومقرٌّ لتجاراتهم السياسية التي هي فوق كلّ اعتبار، وليس، كما يزعمون، حرصهم على «السيادة الوطنية»، إذ هم أنفسهم الذين يدعون الجيوش تمرّ براحة واطمئنان في كلّ غزو لدولهم أو أيّ دولة من دول المنطقة. كما حصل في لبنان والعراق وليبيا واليمن والبحرين وقبل ذلك في فلسطين.
لكن المعادلات انقلبت والقرار بات في مكان آخر. ومَن جمعهم الدم فلن يفرّقهم حبر، ولا قرقعة سلاح مادي ولا خرائط تقسيم.