الشعوذة السياسية وقراءة الفنجان تليق بدولة «عظمى»!

محمد ح. الحاج

بديهي أن ترتكب الدول أو تنظيمات العصابات المسلحة في كلّ أنحاء العالم الأخطاء والمخالفات التي يعتبرها القانون الدولي والإنساني جرائم حرب، وهنا تبادر المنظمات والهيئات الدولية لتشكيل لجان تقصي حقائق يتمتع أعضاؤها بالحيادية والنزاهة إضافة إلى الخبرة، واستناداً إلى تقارير هذه اللجان يتخذ مجلس الأمن الدولي أو محكمة الجنايات الدولية مواقف وقرارات تنسجم مع الفعل، إدانة، أو فرض عقوبات بعيداً عن استثماره لغايات شخصية أو توظيفه لخدمة أطراف أخرى وهكذا.

مع بداية العدوان العالمي على الدولة السورية والشعب السوري، وعلى نفس النهج الأميركي في الفبركة التي جرت في العراق قبلاً، وتسخير الاتهامات لتحقيق غايات أبعد ما تكون عن تحقيق العدالة أو الحفاظ على الحقوق الإنسانية للشعوب تكرّر توجيه تهم متعددة للحكومة السورية تدّعي استخدام الجيش لأسلحة الدمار الشامل الكيميائية سواء في الغوطة أو غير مكان آخر مع فبركة لوقائع وصور تبيّن بعد زمن أنه تمّ جمع أعداد من وفيات الأطفال واستخدام برامج كومبيوترية للعرض مع قصّ ولصق لمجازر تعرّض لها الأطفال في غير دولة ومنطقة، وحتى لا تكون ذريعة لعدوان دولي على سورية تحالف أميركي اوروبي عربي توصّل الروس مع الأطراف الدولية ومنظمة نزع الأسلحة الكيميائية إلى اتفاق تسليم المخزون الكيميائي السوري وتدميره بإشراف أميركي وأوروبي وفي عرض البحر، وصدر صكّ خلوّ سورية من هذا السلاح بشهادة الخبراء والمنظمة المختصة.

رغم ذلك كله وجهت الإدارة الأميركية أصابع الاتهام للجيش السوري باستخدام السلاح الكيماوي في أكثر من موضع كان الضحايا فيه إما من الجيش أو المدنيين الموالين للدولة لكنهم موجودين في مناطق تسيطر عليها العصابات المسلحة، وبناء على تلك الاتهامات المفبركة قامت الإدارة ومن معها من حلفاء بالاعتداء على الوحدات العسكرية السورية أو القواعد والمطارات مع رفض مسبق لأيّ تحقيق دولي محايد ونزيه ثم ليتبيّن لاحقاً عدم صحة الاتهام والتزام المعتدي الصمت وكأن شيئاً لم يحدث، وهذا ما حصل بعد العدوان على مطار الشعيرات المتهم أنه قاعدة انطلاق الطائرة التي ضربت خان شيخون.

الذريعة بالنسبة للولايات المتحدة هي الأهمّ وليست النتائج الأولية التي يمكن أن تظهر بعد التحقيق، تبدأ العملية بالتلفيق، ثم الاتهام، فالمبادرة إلى العدوان كعقوبة، وهذا ما حصل عبر مسيرة طويلة سواء في العراق أو الشام وهذه قاعدة سلوك صهيو أميركي، يتمّ تطبيقها عند اتخاذ قرار العدوان وقد يتمّ الطلب من عملاء القيام بإطلاق قذائف على مناطق خالية من أيّ وجود عسكري أو مدني للادّعاء بأنّ العدوان جاء دفاعاً عن النفس ورداً على قذائف من مناطق لا وجود للجيش السوري فيها، وإنما هم أدوات وعملاء تحتضنهم القوات الأميركية في الشمال والشرق، وقوات الكيان الصهيوني في الجنوب ومنطقة الجولان.

بدا ذلك السلوك عادياً وإنْ كان مفتعلاً، أما غير العادي فهو الادّعاء باكتشاف التحضير لضربة كيماوية يقوم بها الجيش السوري، والطلب من عصابات العملاء لتحضير المشافي الميدانية والإسعافات اللازمة في المنطقة بناء على معطيات الاستطلاع والمراقبة الفضائية.

بلغت السخرية أوجها بعد الادّعاءات الأميركية بتحضير الجيش السوري لضربة كيماوية، وانتظر السوريون كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي أنّ قراءة الفنجان الأميركي تأكدت من موقع الضربة وعدد الشهداء والمصابين، وأنّ قوائم اسمية جرى إعدادها بالضحايا حتى مع اتخاذ إجراءات الاحتياط والإسعافات والوقاية، لكن وللحقيقة، ربما هناك أعداد من غير المرغوب في بقائهم على قيد الحياة في بعض مناطق سيطرة المجموعات المسلحة، وما أكثرهم، يرغبون بالتخلص منهم بطريقة يمكن استثمارها كأن يتمّ إعدامهم سواء بالغاز أو غيره، وتصويرهم أكداساً وأشلاء بمن فيهم الأطفال والنساء والعجزة، والنتيجة تعاطف واسع مع عدوان الإدارة الأميركية على قوات الجيش السوري أو قواعده ومطاراته، ولكن ليس لغاية الثأر والانتقام لضحايا بشرية انسانياً، بل هم بالأساس الأداة والذريعة التي تبرّر العدوان.

في كلّ مطارات العالم المدنية منها والعسكرية هناك ساحات صغيرة عند بداية المهابط تقف فيها الطائرات المدنية أو العسكرية استعداداً لتلقي أمر الاقلاع، المدنية منها تقف هناك للتحمية والتأكد من المحركات وتلقي الموافقة على الإقلاع بعد معرفة اتجاه الرياح والضغط الجوي ومعلومات الحركة الجوية والارتفاع المسموح الوصول اليه مبدئياً، أما العسكرية منها فهناك دائماً مجموعة رف في وضعية الاستعداد والتأهّب، خصوصاً في حالات الاستنفار والتأهب لصدّ عدوان محتمل، وهذه المجموعة تكون جاهزة، تحمل ذخائرها، قنابلها وصواريخ الدفاع الجوي عن نفسها وهكذا، وحسب معلوماتي المتواضعة لا يمكن معرفة نوع القنابل المحملة إنْ كانت متفجرة أو حارقة أو كيماوية عبر الاستطلاع والتصوير الجوي، بل يلزم لتحديد ذلك عملاء وجواسيس مشاركون في عمل الوحدة الجوية المعنية.

قد يصدّق البعض القول إنّ الرقابة والاستطلاع الفضائي الأميركي قادر على رؤية الطائرات والأشخاص في ساحة صغيرة في مطار ما، أو موقع ما، واستقراء الجاهزية لهذا الموقع وهي أمور عسكرية روتينية، لكن القول بمعرفة أنّ هذه المجموعة تستعدّ للقيام بهجوم كيميائي أمر لا يقبل التصديق إلا عند العامة، لكن الخبراء وأصحاب الاختصاص يسخرون من مثل هكذا ادّعاء، وفي أوساطنا الشعبية ارتفعت كثيراً نسبة من يتفهّمون الواقع ويعيشونه وقد اكتسبوا عبر مسافة وزمن العدوان خبرات واسعة، من هنا انطلقت السخرية بأنّ الادارة الأميركية تستخدم الشعوذة في أغلب ما تطلقه من معلومات في مجال التمهيد لعدوانها المحتمل، ومن ذلك القول بأنّ الشعوذة تشكل قاعدة سلوك للسياسة الخارجية التي توظف أيضاً عدداً من المبصّرين وقراء الفنجان أو ضاربي الرمل والودع، خصوصاً بعد وصول هذا «الطرامب» إلى سدة الرئاسة والقيادة العسكرية العليا وقد ارتكب وسيرتكب المزيد من الأخطاء إنْ لم يسحب الشيوخ والنواب هذه الصلاحية من يديه ويتمّ تقييدها وعقلنتها في سياق تعاون دولي حقيقي.

الادارة الأميركية ومن معها في غرف العمليات التي تخطط للعدوان، ومعهم الكثير من الأدوات المصنّفين إرهابيين دوليين لا يقبلون لجان تحقيق محايدة أو اختصاصية، ويقف مع هذا الرفض ثلاث دول تتمتع بحق النقض الفيتو وهكذا يتمّ تمييع الموقف الدولي في هذا الاتجاه بحيث لا يجرى أيّ تحقيق فعلي، وإنْ تبيّن لا حقا وبجهود دولية فردية أو بمبادرة من خبراء محايدين كذب ما تمّ نشره من تهم وأنها مفبركة، فإنه لا مساءلة ولا إمكانية لاتخاذ موقف دولي مضادّ أو إلزام المعتدي بتعويضات عن الخسائر التي لحقت سواء بالمدنيين أو المنشآت أو العسكريين، وتظلّ القاعدة… ما حيلتنا والخصم هو… الحكم!

المؤسف أنّ المناطق الشرقية والشمالية تعرّضت للعدوان الأميركي والتحالف بصورة واسعة وألحق هذا العدوان الخراب والدمار بالبنية التحتية وقطع كلّ شريان للتواصل الطرقي بين الشام والجزيرة ويحاول إفراغ مناطق واسعة من سكانها مستخدماً شريحة من المكوّن الكردي بعد أن خدعهم الأميركي بوعود لن تتحقق لا على أرض الواقع ولا في المستقبل، ذلك يدركه الكثير من القيادات في تلك المناطق ويعلمون يقيناً أنهم ورقة قابلة للحرق في أية لحظة وباليد الأميركية ذاتها، ويعلمون أنّ ما تحقق من تخريب على يد قوات التحالف لم يطل بالسوء أياً من تنظيمات داعش التي كان بينها، يساعدها ويخطط لها خبراء أميركيون، وأنّ هجمات طيران التحالف استهدفت قطع الطرق على الجيش السوري حتى لا يتمكّن من الوصول إلى تلك المناطق، ومنها أيضاً منع هزيمة داعش في نقاط بعينها، وما إسقاط القاذفة السورية إلا رداً على مقتل خبراء أميركيين كانوا برفقة عصابات دواعش المنطقة الذين يحاولون فرض وجودهم على المطار العسكري في الطبقة ووضعه في خدمة التحالف الأميركي وفي ذلك مخالفة صريحة للقانون الدولي الذي لا تحترمه الإدارة الأميركية ولا تحالفها المزعوم الذي يدّعي محاربة داعش مع إصرار على رفض التنسيق مع القوى الحقيقية التي تحاربه – موقف يضمن استمرارية القدرة على ادّعاء الخطأ وإفساح المجال لضرب القوة السورية تحت هذا العنوان.

الشعوذة السياسية في مثل هذا الزمن، والاتكال على عمليات التنجيم وقراءة الطالع والفنجان، كانت تليق ببعض قادة الدول ومنها فرنسا في الماضي القريب، والكثير من الدول المتخلفة، لكنها بعد وصول ترامب، صارت مناسبة وتليق بسياسته الخارجية ودولته «العظمى» ولم يجانب الصواب من قال إنّ ترامب سيتفوّق على بعض منجّمينا المحليين…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى