النهضة لا تزال تتألّق بفكر مؤسّسها الشهيد
يوسف الصايغ
نُحيي الثامن من تموز لا من أجل الوقوف والبكاء على أطلال رمل بيروت وذرف الدموع، بل لنجدّد إيماننا بأنطون سعاده منارة فكرية وزعيماً هادياً لنقول له اليوم وبعد ثمانية وستين عاماً على اغتياله، بأننا أصبحنا متيقنين أكثر لماذا اغتالوه.
اغتالوك يا سعاده لأنك حدّدت العدو الحقيقي، وحذّرت من يهود الداخل الذين لا يقلّون خطراً عن يهود الخارج، وها نحن اليوم نخوض أشرس حرب بوجه شذاذ الآفاق ومغول العصر الحديث، الذين لا يقيمون وزناً لحضارة أو دين أو معتقد، بل يعيثون فساداً وخراباً أينما وجدوا، فيثبتون بأنهم برابرة هذا العصر.
اغتالوك يا سعاده، لأنك أثبتّ بالعلم والبرهان أنّنا أمة حية يسعى أعداؤها إلى تقسيمها وتقاسمها، اغتالوك لأنك حذّرت وكشفت زيف المنافقين والمتاجرين بالدين والطائفة، وها هم اليوم يذبحون ويغتصبون ويسفكون الدماء باسم الله، وهو منهم براء، اغتالوك لأنك أعلنتها حرباً على الفساد والمفسدين، فكان قرارهم المشؤوم بتصفيتك جسداً فقتلتهم بكلمة شكراً التي مزّقت جبنهم وعارهم الذي لا يزال يلاحقهم حتى اليوم. فها هم يسعون إلى محاكمة المقاومين الأبطال، بجرم تخليص الوطن من الخونة والعملاء الذين صافحوا العدو يوم اجتاح بيروت ونكّل بأهلها، قبل أن تنطلق رصاصات خالد البطل علوان لتعلن بزوغ فجر المقاومة، فتنطلق شرارة المقاومة أجساداً متفجّرة وعمليات نوعية أذلّت العدو فخرج مهزوماً ذليلاً.
ثمانية وستون عاماً مرّت على جريمة الاغتيال السياسي بحق أنطون سعاده والنهضة لا زالت متألقة بفكر مؤسّسها الشهيد، شهيد الأمة الذي أدرك حقيقتها وروى ترابها بدمه، هذه الدماء التي لا تزال هادرة وتخطّ بلسان سعاده عبارته التي تحدّى بها قتلته: «أنا أموت أما حزبي فباقٍ…»، وها هم نسور الزوبعة يردّون الوديعة للأمة على روابي الشام، وها هم القوميون الاجتماعيون يسطرون ملاحم البطولة والإباء، أينما وجدوا. فهم المؤمنون بأنّ الحياة وقفة عز فقط، ففي جنوب لبنان كانت دماء وجدي وسناء وابتسام ونورما وباقي الشهداء الأبطال تكرّس قول سعاده بأنّ الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكاً لنا بل هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها.
في يوم الوفاء والفداء لفادي الأمة التي ظنّها أعداؤها إلى زوال، ها هي أمة الحياة أمة البداية والنهاية أمة سورية الجغرافيا والتاريخ والصراع من أجل الحق والخير والجمال، الأمة التي تصارع التنين الإرهابي وبدأت تصرعه بعدما عاث فساداً وخراباً وقتلاً وإجراماً في العراق والشام، لتثبت بالدليل القاطع أنها أمة لا تعرف القبر مكاناً لها تحت الشمس، فتنتصر الدماء وتزهر نصراً تلو نصرٍ لتخط بالأحمر القاني تاريخ العز والبطولة من الشام الى العراق فلبنان وأخيراً وليس آخراً في القدس والأقصى وكلّ دسكرة في فلسطين المحتلة.
الثامن من تموز هو يوم الوفاء للدماء التي لا زالت تهدر في شرايين أبناء النهضة لتعلن أنّ أجسادنا تسقط أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود. فها هو سعاده الشهيد لا يزال شامخاً في نفس كلّ قومي اجتماعي، وها هم القوميون الاجتماعيون من الأجيال التي لم تكن قد ولدت بعد، حين استشهاده، يحملون الأمانة ويحفظون القضية، هذه القضية التي تساوي الوجود، فاطمئنّ يا سعاده لأننا أبناء الحياة نعمل لها ولن نتخلّى عنها، فنحن نؤمن بأن لا حياة تليق بنا إلا حياة الأحرار وحياة الأحرار لا تكون إلا بالعزّ…
ناموس عمدة الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي