تهدئة الجنوب السوري انظروا إلى أقصى القوم…!
27
محمد صادق الحسيني
في السلم كما في الحرب، وفي التهدئة كما في التصعيد، لن نخاف المفاوضات ولن نخاف التحوّلات في مواقف الخصم أو العدو ما دمنا نعرف ما نريد ونعرف عنكم أكثر مما تعرفون عنا، وإليكم بعض ما دفع تحالفنا للنزول عند ظرف التهدئة في الجنوب السوري:
أولاً: على الرغم من كثرة الحديث، في وسائل إعلام عدة، خلال الأيام القليلة الماضية عن «تنازلات» قدّمها الأميركيون للحليف الروسي وأن هذه «التنازلات» كانت نتيجة لتغيّر جوهري حدث على الاستراتيجية الأميركية إزاء سورية، خاصة بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الاميركية، ريكس تيلرسون عن أن مصير الرئيس الأسد أصبح بيد الروس، نقول إنه ورغم كل هذا التنازل الظاهري الملغوم، فإن الاستراتيجية الصهيو أميركية على صعيد العالم وتلك المتعلقة بالعالم العربي لم تتغيّر على الإطلاق.
إذ إن الهدف الاستراتيجي الدولي للولايات المتحدة لا زال يتمثل في استخدام المنظمات الإرهابية في العالم العربي بشكل خاص الى جانب ادوات اخرى من اجل استكمال انشاء وتثبيت قواعد واشنطن العسكرية في العالم العربي في إطار المواجهة الحتمية التي تسعى اليها الادارة الأميركية مع إيران، وفي اللحظة التي يشعر فيها الأميركي أن الدولة الإيرانية قد بدأت تعاني من ضعف ما يمكنه أن يساعد في الانقضاض عليها وإنهاء حكم الثورة الإسلامية فيها.
وهو ما ينطبق على كل من الصين وروسيا اللتين لا تتوقف الولايات المتحدة عن التحشيد العسكري استعداداً للمواجهة العسكرية معهما على المدى المتوسط والبعيد، وإلا فما حاجة دولة مثل بولندا لبطاريات صواريخ الباتريوت إذا لم تكن موجّهة ضد روسيا؟ وما حاجة قطر لقوات وقواعد تركية على أراضيها وهي التي تأوي أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، حيث تكفي مكالمة هاتفية واحدة من أحد حراس هذه القاعدة لملك آل سعود سلمان لمنعه من القيام بأي تحرك عسكري ضد قطر…!
إذن فهي جزء من عمليات التحشيد المستمرة ضد الجمهورية الإسلامية لا غير….
ثانياً: أما في الجانب المتعلق بالوضع السوري المباشر والحرب الكونية التي تشنّ على الدولة الوطنية السورية وحلفائها، فإننا نؤكد أن لا تغيير كذلك على أي من عناصر الاستراتيجية الأميركية المطبقة هناك…
إذ إن هذه الاستراتيجية كانت ولا تزال تتمثل بهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية وتدمير جيشها وتقسيم جغرافيتها الى مجموعة من الدول العميلة والتابعة للاستعمار والصهيونية، وأن ما يدور الحديث عنه من «تنازلات» ليس إلا تكتيكات يستخدمها الاميركي لتسهيل تنفيذ أهدافه المشار اليها أعلاه…!
فإلى جانب التمسك الأميركي بهدف إسقاط النظام فإنه يهدف أيضاً ومن خلال «تنازلاته» إلى محاولة إحداث شرخ بين سورية وإيران وإنهاء تعاونهما بوجه الحلف المعادي…
ثالثاً: إن الهدنة أو وقف إطلاق النار الذي يدور الحديث عنه في الجنوب السوري ما هو إلا تبريد لوجبة طعام ساخنة تسهيلاً لتناولها بهدوء ومن دون الاكتواء بحرارتها…! ومن هذا المنطلق فقد كان من الحكمة ترك بعض الخلافات تبرد ليسهل حلها أو احتواؤها وهذا ما تقوم به الدولة السورية ومعها حلفاؤها الى جانب الدولة الروسية…
إذ إن هذا الاتفاق قد تمّ التوصل اليه بالتنسيق الدقيق بين وزير الدفاع الروسي والقيادة السورية العليا ومستشار الأمن القومي الإيراني، الأدميرال علي شمخاني، حيث أجريت عشرات الاتصالات الهاتفية بين شمخاني وبين وزير الدفاع الروسي سيرجيو شويغو، إلى جانب اتصالات التنسيق بينهما مع الدولة السورية المعني الأساسي بأي اتفاق يتعلق بجبهات القتال السورية…
وهنا لا بد من الإضاءة إلى جانب غاية في الأهمية في هذا الإطار، ألا وهو أن ما يشاع عن مشاركة الأردن في الاتصالات او كونها جزءاً من الاتفاق لا يتعدّى كونه تقييداً للدعم الأردني «الإسرائيلي» للجماعات المسلحة المدارة من قبل غرفة عمليات الموك في عمان والتي هي ليست أكثر من فرع لوزارة «الدفاع الإسرائيلية» في عمان.
كما ان فرض هذه القيود الالتزام بوقف لإطلاق النار لم تقبل به الاردن و«إسرائيل» من موقع القوة، وإنما من موقع الضعف خاصة بعد فشل محاولاتهم المستميتة على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية لفرض تغيير ميداني لصالحهم في جبهات درعا والقنيطرة. اي ان وقف إطلاق النار قد فرض عليهما من خلال صمود ونجاحات الجيش العربي السوري وحلفائه في ميادين الجنوب السوري.
كما أنه لم يغب عن بال المخططين الاستراتيجيين السوريين دفع التحالف الصهيوأميركي للشعور ببعض الراحة لإنجازات وهمية لهم في الجنوب السوري، بينما أعين أولئك المخططين السوريين تنظر إلى ما هو أبعد من الأرياف الجنوبية وما بعدها…
إذ إنهم يعملون على استكمال الاستعدادات وتأمين ما يلزم لحسم معركة البادية من عدة وعديد…
مع ما يعنيه حسم تلك المعركة من إحكام التطويق للقوات الأميركية المعادية وعملائها في صحراء التنف، وكذلك من تأمين لقاطع الحدود العراقية السورية وتعزيز سيطرة جيشَي البلدين عليها، لما لذلك من أهمية استراتيجية على ميادين الصراع مستقبلاً.
رابعاً: ورغم قناعتنا بأن مشغّلي العصابات المسلحة سوف يقومون بخرق وقف إطلاق النار بعد أن يستكملوا إعداد وتسليح مجموعات جديدة في معسكرات التدريب الأردنية التي تديرها وكالة المخابرات المركزية، فإننا لذلك لا بدّ لنا أن نبذل كل الجهود الممكنة لدفع المصالحات الوطنية قدماً في منطقة حوران الشديدة الأهمية والحساسية بخاصة لطرف المخططات الصهيونية الرامية الى اقتطاعها من سورية وضمّها للأردن، ضمن مخطط الوطن البديل الذي تعمل على تنفيذه الحكومة الأميركية، بالتعاون مع بعض الدوائر الفلسطينية والأردنية العميلة تماماً، كما يجري في الجنوب الفلسطيني، أي في قطاع غزة، حيث تعمل تلك الدوائر الصهيوأميركية وبالتعاون مع بعض الجهات الفلسطينية، ومن خارج أطر الفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتعاون مع بعض الأعراب والعثمانيين وعن طريق استغلالها لوجود داعش الإرهابي المسلّح في سيناء على إجبار الدولة المصرية على قبول مشروع توسيع قطاع غزة على حساب سيناء وإقامة مشاريع بعينها تهدف إلى تحسين الوضع الحياتي لمواطني قطاع غزة، بالإضافة إلى استيعاب عدد من اللاجئين الفلسطينيين الذين يُخطّط لإعادتهم إلى قطاع غزة، إذا ما قدّر لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية هذه أن ترى النور.
خامساً: ومن هنا، فإننا نرى من الضرورة بمكان التأكيد للعدو الأميركي على أن سورية التي تسعى لنقلها الى الضفة الاخرى المعادية سوف تبقى حجر عثرة اساسية بوجهك، ولن تلين لك في المراحل كلها، وأن القضية الفلسطينية غير قابلة للتصفية ولا للنسيان، ما دام هناك أحرار يحملون لواءها ومستعدّون للشهادة من اجل احقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية واستعادة فلسطين حرة عربية. وما وقف إطلاق النار ومناطق وقف التصعيد هنا وهناك سوى محطات على طريق حماية القضية الفلسطينية وتمهيد الطريق لجولات صراع جديدة مع العدو المحتل. وكما مهّدت جولات القتال السابقة في الجنوب السوري الى كسر شوكة التنظيمات المسلحة وإفشال جهودها الموجّهة والمدعومة إسرائيلياً لإقامة منطقة عازلة لحماية وجود الاحتلال في الجولان وفلسطين المحتلة، فإنها قد أفرزت كذلك مقاومة وطنية منظمة ومسلحة ومتجذرة وبقواعد عسكرية تتطوّر باستمرار في قطاعَيْ القنيطرة ودرعا وكذلك في قاطع السويداء المساند.
إن ما ستسفر عنه فترة وقف إطلاق النار هذه سيكون ذا بعد أعمق بكثير مما نراه الآن… حيث إن الأمر لن يقتصر على تحصين قواعد المقاومة في منطقة الجولان فحسب، وإنما لمزيد من دمجها في إطار جبهة المقاومة العربية الإسلامية الشاملة لمخططات العدو..
تلك الجبهة التي باتت ممتدّة من طهران مروراً ببغداد ودمشق ومن ثم إلى غزة التي سيكون لها دور مركزي في هزيمة المشروع الاستعماري الصهيوأميركي وأدواته في المنطقة العربية…
كما أن المقاومة الفلسطينية الشريفة ستضطلع بدور هو غاية في الأهمية في مساندة الجيش المصري في سيناء وإن دون المشاركة في نشاطه العسكري.
وختاماً فإننا نقول: كيف لنا أن نخاف وقف إطلاق النار في الوقت الذي لا نخاف فيه إطلاق النار!؟
فكما تقول كلمات إحدى أغنيات الثورة الفلسطينية:
كيف بدو الموت يخوّفني كيف بدّو الموت
اذا كان سلاحي استشهادي كيف بدّو الموت
نحن فرسان الميدان ولا نهاب الموت، ونحن من يشيد البنيان المستقبلي لهذه الأمة، ونحن من يرسم مشهد الميدان وليس غيرنا. فسواء كان الظرف ظرف إطلاق للنار او ظرف وقف لإطلاق النار، فإن أيدينا هي التي تمسك باللجام وأقدامنا هي التي تدوس الميدان.
وبالتالي لا أحد يتحكم بمآلاته إلا أبطاله….
جنود الجيش العربي السوري وحلفائه الإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين.. والعراقيين الذين لم يتأخروا لحظة عن تلبية نداء فلسطين منذ العام ١٩٤٨ وحتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتعود فلسطين حرة عربية إلى أهلها.
فليطمئن «بيّاع الكاز، تيلرسون بياع الكاز هو بائع مادة الكيروسين باللهجة العامية لأهل بلاد الشام ، لأنه كان مديراً لشركة إكسون موبايل لسنوات طويلة، ولأنه لم يعرف عن السياسة شيئاً إلا بعد أن عيّنه تاجر العقارات، ترامب، وزيراً للخارجية، نقول له إن عليه أن يطمئن أن من يقرر مصير بلادنا ليس من أحد سوانا وأن مصير الرئيس بشار حافظ الأسد ليس في مهب الريح كي يكون في يد الجهة الفلانية أو العلانية…! بل إن مصيرك أنت، يا بياع الكاز، هو الذي بيد فلان وعلان في الولايات المتحدة وخارجها. وأنت تعرف تماماً ما ينتظرك من فضائح واتهامات من قبل دوائر الدولة العميقة في الولايات المتحدة والتي ستبدأ بالافتصاح من خلال علاقاتك مع القيصر الروسي ووسام الصداقة الروسي الذي تسلمته شخصياً من يد الرئيس بوتين، قبل جلوس سيدك الجديد على مقعد الرئاسة في البيت الأبيض، وكيف انتقلت بعد ذلك الى العلاقة المتميزة بصفقات النفط والغاز التي عقدتها مع شركة غازبروم الروسية وما يرتبط بها أي بالصفقات من مخالفات مالية ارتكبتها عن وعي وسبق إصرار…!
إن مصير الرئيس الأسد بيد الشعب السوري فقط. وهو مطمئن لهذا المصير. أما أنت فمصيرك بيد المدعي العام الأميركي أي بيد شخص واحد، فأنت مَن يجب أن يقلق على مصيره وليس الرئيس الأسد…!
يدنا هي العليا.
بعدنا طيبين.
قولوا الله.