تأهيل آثار صور… بين الإرادة وتوافر الإمكانيات
محمد أبو سالم
فوق أعمدة قوس النصر، أحد أبرز معالم صور السياحية، الذي يعود إلى العصر الروماني، ارتفعت السقالات الحديدية وغطّت الهيكل المصنوع من الحجارة الرملية، والذي يعود إلى القرن الثاني الميلادي.
الأعمال التي لا يعرف كثيرون من أبناء المدينة تفاصيلها، هي جزء من عملية الترميم والتأهيل التي بدأت في آثار صور، ضمن المرحلة الثالثة من مشروع الإرث الثقافي. ومن ضمنها تجهيز مبنى المتحف من الداخل وتأهيله كي يستقبل القطع الأثرية الموجودة في مخازن المدينة.
خطر زوال بعض المعالم الأثرية واختفائها، استدعى تدخلاً طارئاً بتقنيات حديثة تستعمل للمرّة الأولى بحسب مسؤول المواقع الأثرية في منطقة الجنوب المهندس علي بدوي .
تشمل الأعمال ثلاث منشآت رئيسية في البصّ، وثلاثاً أخرى في منطقة الحفريات داخل المدينة. بعض الآثار التي نُقّب عن جزء منها ورُمّمت في ستينات القرن الماضي، دخلت مرحلة الخطر والتداعي بسبب توقف أعمال الصيانة.
ويقول بدوي: «بدأنا بنقاط معينة لمراجعة التقنيات المستعملة من خلال ورشة عمل نقوم بها بمساعدة خبراء من منظمة اليونسكو، والمجلس العالمي للمنشآت والـECO، وهي مؤسّسة عالمية تتعاطى شؤون مواقع التراث العالمي، ضمن خطة شاملة لضمان استدامة هذه التقنيات».
مراحل العمل تستهدف في المرحلة الأولى قوس النصر في موقع البصّ، وهو أحد أهم المنشآت التي بناها سكان المدينة، إذ سيُحصّن عبر استخدام تقنيات حديثة، من الكربون إلى الربط والتوصيل والتدعيم، ما يشكل له حماية أكبر في حال حدوث زلازل أرضية. كما تستهدف هذه المراحب عدداً من المدافن في الموقع.
أما داخل موقع صور المدينة، والكلام لبدوي، فسيصار إلى صيانة كمية من الموزاييك الذي يشكل جزءاً من الطريق التي تداعت، وكانت قد رمّمت بتقنيات قديمة، والتي تأكد أنها تسبّب ضرراً، ليستبدل الحديد والباطون بالكلس ومجموعة من المعادن التي لا تصدأ ستانليس، تيتانيوم ولا تتأثر بالعوامل الجوية. إضافة إلى تدعيم منشآت مثل الآرينا، أو ما يعرف بالمسرح المربّع، ومبنى الباليسترا ـ القاعة الرياضية، عبر إعادة التغطية والتقوية. أما المشروع الثاني، فسيستكمل أعمال ترميم المنشآت الأثرية مثل مزار الإله آبولو، وحمام الفريق الأزرق بينتون في موقع البصّ.
ترميم الآثار والمحافظة عليها من العوامل الزمنية، يبدو أنهما ليسا كافيين من وجهة نظر بدوي، فغياب الأدلّاء السياحيين، وورشات العمل عن تاريخ المنشآت الأثرية سواء للسكان المحليين أو السيّاح الذين عادة ما يستعينون بكتيّبات خاصة أو مرافقين، استدعى إنشاء ما يُسمى «لوحات تقديم الموقع»، وهي من الأساسيات ضمن المرحلة الأولى ليتمكن الزائر من التعرّف إلى تاريخ كل منشأة، والحقبة التي تعود إليها من خلال هذه اللوحات.
ويتابع بدوي: «صعوبة الوصول إلى بعض المواقع مُشكلة أخرى حُلّت ضمن هذا الإطار عبر إنشاء مسارات سياحية داخل المواقع. جسور خشبية، ممرات بمواصفات حديثة، فالحمام الروماني الذي يتعذر الوصول إليه سيتمكن الزائر من معاينته عن قرب بعد انتهاء الترميم، إضافة الى المعبد الفينيقي وهو من أحدث الآثار المُكتشفة ضمن موقع صور المدينة، بالتعاون بين رئيس الموقع والمتحف والجامعة الأميركية في بيروت.
يوماً بعد يوم تكشف صور عن القيمة الأثرية والتاريخية التي تتمتع بها، خصوصاً مع استمرار اكتشاف عدد كبير من المواقع الأثرية، ولكن هذه الاكتشافات قد تتحول إلى مشكلة بسبب ضآلة الإمكانيات. لذلك تحاول المديرية قدر الإمكان الحفاظ على الأراضي قبل الانطلاق في عمليات بحثية جديدة، فأعمال التنقيب التي تنتج مواقع جديدة بحاجة إلى صيانة وإمكانيات مادية ضخمة للحفاظ عليها للأجيال المقبلة. لذا يجري العمل في الآثار التي تُكتَشف داخل المدينة، وفق ثلاثة أنماط: نمط متكرر يتمّ توثيقه وإزالته، ونمط يُدمج بالمنشأة التي يُكتشف فيها، وثالث على درجة عالية من الأهمية إذ تُستملك الأرض للحفاظ عليه.
ويختم بدوي: «بالنسبة إلى الآثارات البحرية، المشروع الرسمي والجاري العمل فيه، هو السفينة الفينيقية التي تقع على بعد خمسة كيلومترات إلى الغرب من صور. فهناك، يُحفَر في موقعها، كما أنّ في البحر تراثاً غارقاً جرى توثيق جزء منه في حقبة الثلاثينات المرفأ الجنوبي المسمى بالمصري والمرفأ الشمالي ، ولكن توقف العمل في المركز «التحتمائي» بعد استقالة فريق العمل. أوقف عمل المركز والذي رُصد تمويله من مشروع الإرث الثقافي، ولكن واجه عدّة عوائق أهمها خسارة الإمكانيات البشرية المتخصّصة نتيجة الروتين الإداري والعروضات من الخارج، ليخسر لبنان بذلك إصدار دراسات علمية ترصد الآثار الغارقة في بحره إلى أن يُعيّن فريق بحثي جديد».