نصرالله – سليماني ـ السيستاني: تبريكات بالجملة
روزانا رمّال
أطلّ أمين عام لحزب الله السيد حسن نصرالله احتفاء بسقوط داعش في موصل – العراق وما تعنيه من رمزية دولة الخلافة التي أرادها أبو بكر البغدادي دولة للإرهاب، في وقت أعلن رسمياً عن مقتله. إطلالة نصرالله للاحتفاء بإنجاز أبعد من الحدود اللبنانية والحدود السورية هو إعلان واضح يؤكد من جديد ارتباط المحاور وتماسك المنهج الدفاعي التسلسلي ضمن رؤيا سياسية واستراتيجية واحدة، ليبقى الأهم الدور الأكبر الذي يتكشّف يوماً بعد الآخر من خلال الانتصارات لحزب الله في معارك سورية والعراق.
كلام نصرالله غير منفصل عن تهنئة الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي كشف عن مدى من الحبّ والتقدير لنصرالله غير مسبوق، وعن اعترف إيراني بقدسية دور حزب الله والدماء المبذولة مع إجلال لتضحيات حزب الله وامتنان كبير على عكس ما يُشاع محلياً عن اعتبار حزب الله تابعاً للإيرانيين توضع حركته ضمن تنفيذ أجندة طهران، من دون أن يكون للحزب كينونة قادرة على اتخاذ القرارات الأحادية، يقول سليماني، «اقبّل يدَيْ نصرالله»، ويُكمل حديثه بالتهاني والتبريكات للعراقيين، موضحاً دور حزب الله المنقطع النظير. كيف يمكن لقائد إيراني بهذا الحجم الانحناء إجلالاً وتقديراً لنصرالله وتقبيل يدَيْه وهي إشارة احترام كبيرة لو ان الإيرانيين يتصرفون بفوقية مع حزب الله وقائده؟
كلام سليماني يحتاج وحده تفسيراً لطبيعة العلاقة التي يبدو ان رفقاء الارض يفتخرون فيها، والتي صارت معززة لدرجة روحية عالية المستوى بمعنى التعلق العقائدي وبمعاني التمسك برفاق السلاح الذين جمعتهم الارض في وجه الإرهاب.
سليماني الذي حيا نصرالله وحزب الله وتشارك التبريكات خصص جزءاً من حديثه للإشادة بدور المرجعية العراقية السيد علي السيستاني، لما لفتاويه من دور شديد التأثير على العراقيين، في ما يتعلق بالتوحد من اجل قتال الإرهاب والمشاركة في طريق الجلجلة كخيار أوحد أمام العراقيين. وهو الأمر نفسه الذي افرد له نصرالله مساحة من خطابه أمس، من اجل التعبير ايضاً للسيد السيستاني عن صوابية خياراته وما قدمه باتجاه الانتصار الذي تكشفت معالمه اكثر في الساعات الماضية.
تنسيق واضح بين الحلفاء من دون ترتيبات مسبقة، فالأمور مرسومة ضمن خيار لا يمكن فصله عن استراتيجيات الحكومات التي قرّرت السير بخيار القتال لآخر لحظة الى جانب تقبّل المنظمات المساندة للجيش على اختلاف أطيافها بين الحشد الشعبي العراقي والجيش السوري وحزب الله.
التهاني المتبادلة بين أقطاب النصر «نصرالله – سليماني السيستاني»، دلالة واضحة على انسجام رفيع المستوى بين الحلفاء. وهو الأمر الذي يُغني عن عقد لقاءات مباشرة بينهم بشكل كثيف. فالتنسيق ينشأ تدريجياً ضمن كيمياء موحّدة خلقها الخيار الموجّه نحو الهدف الأهم وهو تحرير الاراضي الواقعة ضمن سيطرة الإرهاب.
الرسالة الأهم في هذه الثلاثية تطلب قراءة أميركية غربية لهذا المحور الذي بدا أكثر متانة من اي وقت مضى. وهو الأمر الذي يرتب عليها تفاهمات حول العراق وسورية، مع أخذها بعين الاعتبار فشلها في مسألة اللعب على خط فكّ مرجعيات العراق عن إيران وإظهار الاختلاف بينها وهي نقطة أساسية جداً ضمن التطور الحاصل في السنوات الماضية. وهو ما قد ينعكس إيجاباً على صعيد باقي المرجعيات والأميركيون يعرفون جيداً أن هذا وحده طريق يعزز النفوذ العراقي أكثر ويصعب عليهم اعتبار أن فكرة تمرير التسويات من دون احتساب المحاذير الإيرانية في العراق وسورية أبعد من أي وقت.
بالعودة الى خطاب نصرالله المخصص لتهنئة العراق بشقه الاستراتيجي، تبرز دعوته الى استغلال الانتصار والأهم الحفاظ عليه كي لا يعاود الإرهاب محاولات الدخول من جديد، إضافة الى لفت النظر الى ما قد يفرزه النصر من تأثيرات على الجوار، ومن ضمنها لبنان ومعارك جرود عرسال إذ بدت لهجة نصرالله واثقة بشكل حازم أن الوقت قد حان للبدء بتخليص اللبنانيين من هاجس الإرهاب على الحدود، مؤكداً أنها المرة الأخيرة التي يتحدث فيها عن معركة عرسال ولهذا تفسير وحيد وهو «إذا لم تتحد القوى المحلية حول موضوع اعطاء الجيش اللبناني الضوء الأخضر بتزخيم المعارك بكل متطلباتها ضد الإرهاب في عرسال»، فإن لحزب الله تصرفاً آخر بعد ما تبين ان فكرة استغلال التوقيت هي أكثر ما يهم نصرالله. وهو ما يشير الى ضعف بنية داعش والنصرة بمجرد تحرير الموصل وأراضي سورية جديدة من معارك الحدود للبادية والرقة اليوم من أيديهم.
خطاب نصرالله إعلان واضح على سيطرة حزب الله الكاملة على كل مفاصل الميدان والخطط المستقبلية مع الحلفاء، وحديثه عن الاستعجال بمعارك عرسال موضوع ضمن خطة تنسيق شاملة تبدو أنها خاضعة لخريطة طريق كانت قد قسمت المعارك وأولوياتها في المرحلة السابقة فأهملت نقاطاً وصعدت بنقاط أخرى بين الجبهات ضمن إطارها واليوم الأجواء مناسبة لفتح معركة عرسال، حسب نصرالله.
واحد من اهداف كلام نصرالله ايضاً هو التأثير على الجماعات المسلّحة وإشاعة جو من الاستنفار والضياع فيما يصبح التفكير جدياً بالاستسلام ضمن عناصرهم ويسهل التفاوض على المواقع لإخلائها.
ثلاثية النصر العراقي نصرالله سليماني السيستاني هي إعلان انتصار كامل لخيار إيران بوجه الأميركيين في العراق.