الهجوم الاستراتيجي على الأبواب والكيان وأميركا تحت مرمى نيراننا…!
محمد صادق الحسيني
من حلب كانت إشارة سقوطهم وفي الموصل اكتملت نهاية خرافتهم، واللحظة هي لحظة الالتفاف على قواعدهم والزحف عليهم من المدن والأرياف كلها، والعين دائماً على ضرورة إخراج أميركا مرضعة الإرهاب بكل أصنافه وأشكاله..!
وحتى تكتمل حلقات الاستراتيجية التحرّرية كان لا بدّ من بعض التوافقات والاتفاقيات التكتيكية على أكثر من مستوى واكثر من جبهة بانتظار حلول هجوم الربيع الكبير…!
ينطلق العسكريون الاستراتيجيون عند وضعهم أيّ خطة هجوم استراتيجي، بغض النظر عن مكان وزمان هذا الهجوم وحجم القوات والإمكانيات المشاركة فيه، ليس فقط على حسابات ما لديهم من قوة نارية ومن معدّات عسكرية ووحدات قتالية بمختلف صنوفها وحجمها والمهمات القتالية التي ستكلف بها كلاً من تلك القوات عند بدء الهجوم، ومن ثم تطويره ليبدأ بتحقيق أهدافه…
وإنّما أيضاً من ضرورة تأمين الظروف السياسية اللازمة لإنجاح الهجوم سواء على الصعيد المحلي او الإقليمي او الدولي، إذ إن الحرب ليست سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى طبقاً لعقيدة الجنرال الألماني فون كلاوزوفيتز.
وانطلاقاً من طبيعة الحرب المشار اليها أعلاه، فإنّ أهمّ شروط نجاح الهجوم الاستراتيجي تكمن في تأمين الظروف السياسية المناسبة، من خلال اتباع التكتيكات العسكرية الضرورية للاستمرار في تطوير الأداء الميداني للقوات العسكرية بهدف خلق مظلة حماية سياسية تضمن استمرار الهجوم الاستراتيجي وتطويره..
إنه الطريق السليم والضمان الأساسي لنجاح الهجوم الاستراتيجي وتحقيق الانتصارات التي تقود الى هزيمة العدو وحسم الصراع السياسي والعسكري ضدّه بشكل نهائي..
بالعودة إلى التاريخ نستطيع الإشارة الى ان الاستعدادات العسكرية الكبرى، التي قام بها الاتحاد السوفياتي وقيادته العسكرية، بعيد احتلال القوات النازية مدينة ستالينغراد الاستراتيجية المهم في جنوب روسيا في صيف العام 1941، انما جاءت في إطار التحضير لتحرير تلك المدينة من الاحتلال. لكن بالنظر الى الظروف السياسية والعسكرية التي كان يمر بها الاتحاد السوفياتي آنذاك والتي ليس آخرها وقوع مدينة لينينغراد في شمال الاتحاد السوفياتي الغربي تحت الحصار واحتلال المناطق المحيطة بها كلها من قبل الجيوش النازية في شهر أيلول 1939 وما ترتب على تلك الواقعة من تحول كبير في بنية الدولة السوفياتية وقدراتها العامة، فإن القيادة العسكرية والسياسية السوفيتية يومها قررت ما يلي:
– بدايةً تأجيل إطلاق الهجوم الخاص لفك الحصار عن لينينغراد وتحريرها.
– حشد الإمكانيات السياسية والعسكرية الكلية في البلاد كلها وتهيئتها للحظة انطلاق تحرير ستالينغراد لما لها من أهمية في حماية الجبهة الجنوبية، أي جبهة القوقاز السوفياتية من الانهيار وسقوطها بأيدي الجيوش النازية مع كلّ ما تحتويه من مخزون نفطي ضروري جداً لإمداد القوات السوفياتية بالوقود اللازم لاستمرارها في أداء مهماتها القتالية.
ولكن الى جانب ما ذكر أعلاه، فقد عقدت القيادة السوفياتية اتفاقاً في غاية الأهمية مع الدول الغربية المشتركة في الحلف المعادي للنازية، يوم 1/10/1941 في إطار مؤتمر عُقد من أجل ذلك في موسكو الهدف منه ضمان استمرار إمداد الصناعات السوفياتية بما يلزمها من تكنولوجيا وآلات صناعية لتعويض ما فقدته نتيجة الاحتلال النازي لمناطق شاسعة في غرب الاتحاد السوفياتي، وكذلك للتعويض عن الخسائر في المعدّات العسكرية التي لحقت بالجيوش السوفياتية في فترات الحرب الأولى.
أيّ أنّ القيادة السوفياتية قد عملت عملياً على تأمين الظروف الضرورية لإنجاح هجومها الاستراتيجي على جبهة ستالينغراد قبل إطلاق العنان للهجوم نفسه.
وهذا بالضبط ما قامت به القيادة العسكرية والسياسية السورية قبيل إطلاق هجومها الاستراتيجي في حلب نهاية العام 2016 وبداية العام 2017. إذ إنها وبموازاة الجهد العسكري المميّز الذي قام به الجيش السوري وحلفاؤه مدعوماً بالجهد الروسي، فإنّ الدولة السورية قد عمدت إلى إجراء العديد من المصالحات المحلية والتحرّكات السياسية/ الدبلوماسية وتفاهمات حول إجراء العديد من ترتيبات الهدنة أو وقف إطلاق النار وفي أكثر من منطقة والتي كان المسلّحون يعملون على خرقها وإنهائها…
رغم ذلك، فإنّ القيادة السورية قد واصلت جهودها الرامية الى تأمين كلّ ما هو ضروري لإنجاح الهجوم الاستراتيجي في الميدان، والذي لم يتوقف لا عند مسار فيينا ولا جنيف أو غيرهما، بل ذهبت تلك القيادة السورية الحكيمة الى الموافقة على لقاءات أستانة ومصالحات حمص والغوطة الشرقية، في إطار العمل الدؤوب على تطوير وتوسيع الهجوم ليشمل جبهات أخرى بعد تحرير مدينة حلب بداية العام 2017.
وانطلاقاً مما تقدّم فإننا لا نرى في موافقة القيادة السورية وحلفائها، ولو ضمنياً على ترتيبات وقف إطلاق النار في الجبهة الجنوبية، التي دخلت حيّز التنفيذ ظهر يوم 9/7/2017، لا نرى في ذلك أيّ تغيّر في الاستراتيجية ولا أيّ خطأ في التقدير ولا أيّ إخلال بالالتزام بالمبادئ التي تسير عليها القيادة السورية والمتمثلة في ضرورة القضاء على الإرهاب في أراضي الجمهورية العربية السورية كافة والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها.
أما ما نرتكز إليه في طرحنا وفهمنا هذا لمواقف القيادة السورية ومعها حلف المقاومة والحليف الروسي فهو ما يلي:
أولاً: الإنجازات العسكرية الكبرى التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه على جبهتي ريف دمشق الشرقي وريف السويداء الشمالي الشرقي. إذ إنّ تحرير الجيش وحلفائه كلّ تلك القرى والبلدات في المناطق المشار اليها أعلاه وبعد اقلّ من أربع وعشرين ساعة على دخول ترتيبات وقف إطلاق النار في الجبهة الجنوبية حيّز التنفيذ لهو دليل قاطع على صوابية مواقف وتقديرات وتكتيكات القيادة السورية في الميدان وفي السياسة.
أيّ أنّ نجاحات عمليات الفجر الكبرى التي ينفذها الجيش السوري وحلفاؤه في بادية الشام هي خطوات مهمة على طريق إحكام الحصار على القوات الأميركية البريطانية الموجودة في قاعدة التنف تمهيداً لإجبارها على الجلاء عن هذه المنطقة المحتلة، كما أنها قفزات غاية في الهجومية. على طريق استكمال السيطرة على الحدود العراقية السورية بالتعاون مع الجيش والقوات المسلحة العراقية، بما فيها قوات الحشد الشعبي، وذلك من خلال التمهيد الميداني لانقضاض الجيش وحلفائه على مدن السخنة والبوكمال والقائم ودير الزُّور وقطع دابر المؤامرات الصهيو أميركية بالتعاون مع العملاء المحليين وأهدافه الى إعاقة تحرير القوات المسلحة السورية والعراقية على مناطق الخطوط وجيوب داعش في كلّ من سورية والعراق.
ثانياً: أما إذا أردنا تقييم او تعزيز صوابية القيادة السورية وحلفائها في التعامل مع جوهر ترتيبات وقف إطلاق النار على الجبهة الجنوبية، فإنه يجب علينا الانطلاق من أنّ ما أعلن عنه ليس أكثر من مجموعة عناوين متناقضة أهمّها عنوان التعاون السياسي والعسكري الروسي الأميركي المحتمل في المستقبل، والذي لم يتبلور بعد سواء في ما يتعلق منه بالوضع السوري أو غيره من الملفات. إذ إنّ الجانبين لم يتفقا لا على حدود مناطق وقف إطلاق النار التفصيلية ولا على جنسية القوات التي ستراقب ذلك ولا حتى على أماكن تواجدها.
ثالثاً: وعلى الرغم مما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات والأبواق «العربية» العميلة، فإنّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» ووزير حربه وقادة أجهزته الأمنية والعسكرية، وحسب معلومات مجموعة الرصد الاستراتيجي والتي مقرّها لوكسمبورغ، قد توصّلوا يوم أمس الأول 9/7/2017 وخلال اجتماعهم الذي استمرّ ساعات عدة، الى أنّ هذا الاتفاق، وعلى الرغم من قيام نتنياهو بعرض المخاوف «الإسرائيلية» على الرئيسين بوتين وترامب، فإنّ الاتفاق قد بدأ العمل به من دون إزالة تلك المخاوف المتعلقة بما تسمّيه «إسرائيل» بالوجود الكثيف لقوات حزب الله والحرس الثوري على جبهة الجولان.
وقد أبلغ المسؤولون الأمنيون والعسكريون وزير دفاعهم ورئيس وزرائهم خلال الاجتماع المشار اليه أعلاه إلى انّ الاتفاق قد أعلن وبدئ بتطبيقه على الأرض من دون حدوث أيّ تغيّر على انتشار قوات حزب الله والحرس الثوري وقوات المقاومة السورية والمكوّنة من سوريين وعراقيين وفلسطينيين وأفغان جنّدتهم إيران. وهو حسب المعلومات الاستخبارية «الإسرائيلية» التي تمّ بحثها يوم أمس، وأنّ قواعدهم في مدينة البعث وخان أرنبة وبلدات مختلفة في أرياف القنيطرة والتي لا تبعد بعضها سوى كيلومترين اثنين عن مواقع الجيش «الإسرائيلي» في الجولان المحتلّ. كما أشارت تلك المعلومات الاستخبارية الى وجود قواعد إسناد، لهذه القوات الموجودة بالقرب من الجبهة، في كلّ من درعا والسويداء واللتين تبعدان في حدود الثلاثين او أربعين كيلومتراً عن الجبهة، كما أنها، أيّ تلك القواعد، لا تبعد سوى كيلومتر واحد عن الحدود الأردنية. وهذا يعني أنّ أياً من الأخطار المحدقة بـ«إسرائيل» على جبهة الجولان لم تتمّ إزالتها.
ثالثاً: وبالإضافة الى ذلك فقد عبّر وزير الدفاع «الإسرائيلي» عن حنقه من الاتفاق، وما سيترتب عليه من نتائج إيجابية في تعزيز القدرات القتالية لقوات الجيش السوري وبقية مكوّنات حلف المقاومة، على طول جبهة الحلف الممتدّة من طهران وحتى غزة. إذ قال ليبرمان في تصريحه إنّ الاتفاق حول وقف إطلاق النار يتيح لحزب الله الاستمرار في نقل ما يريد من وسائل قتالية، يستخدمها في الحرب التي يديرها في سورية، بالاستمرار في نقلها من سورية إلى لبنان، مما يجعلنا مضطرين للعمل ضدّ أهداف محدّدة في سورية. وعلى الرغم من قناعتنا بأنّ عمر وقف إطلاق النار لن يكون طويلاً وذلك بسبب وجود الكثير من الجهات في سورية المعنية بخرقه وإسقاطه.
رابعاً: وعلى الرغم من أنّ المعلومات المؤكدة المتوفرة لدى مجموعة الرصد الاستراتيجي في لوكسمبورغ تؤكد انّ الجهات الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية» قد بدأت ومنذ أمس الأول العمل على إسقاط الاتفاق الروسي الأميركي الخاص بوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، وبالتعاون مع جهات بعينها في المؤسسة العسكرية والأمنية الأردنية، بهدف العودة الى معزوفة المنطقة العازلة كتلك التي كانت قائمة في جنوب لبنان. إذ إنّ الجهات العسكرية «الإسرائيلية» المعنية، ايّ هيئة الأركان العامة، قد أجازت لسلاح الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» بالبدء بإنشاء جيش جنوب سورية والذي سيبدأ بقوة قوامها أربعمئة مرتزق موجودين حالياً في محيط مدينة القنيطرة.
خامساً: وهنا فإننا نقول لهم: فلتبدأوا ولتستعدّوا ولتعلنوا عن قيام ما ستسمّونه جيش جنوب سورية ولتنتظروا مصيركم الذي كتبه الله لكم، والذي كُتب علينا أن نكون مسخّرين لتحقيقه، ألا وهو القضاء المبرم عليكم وجعل من يبقى معكم على قيد الحياة أن يهرب مع جيش الاحتلال الذي يرعاكم. بالضبط، كما حدث مع من قبلكم من أفراد جيش العملاء والذي كان يُسمّى «جيش لبنان الجنوبي» حيث هرب من بقي من فلوله مع قوات الاحتلال التي هربت من الجنوب مهزومة وتحت جنح الظلام ومن دون أن تلتفت الى من تبقى من يتامى جيش لحد.
نقول لكم انتظروا قدومنا بعد أن ننجز المرحلة الحاليّة من الهجوم الاستراتيجي على جبهات البادية وصولاً إلى البوكمال ودير الزُّور، والتي سيتمّ تحريرهما قريباً الى جانب تأمين قاطع الحدود العراقية السورية بالكامل واستكمال إحكام علبة التنك أي منطقة التنف على القوات الأميركية المحتلة تمهيداً لإجبارها على الانسحاب الذليل، ومعها عملاؤها من محليين وإقليميين، من تلك الأرض السورية المحتلة.
فبعد أن ننجز هذه المرحلة، قريباً إن شاء الله، سيكون لنا معكم لقاء على أرض الجولان السوري الذي لا يقبل الهوان والذي قرّر التخلص من رجس ارتزاقكم وبيعكم لأنفسكم لعدو يحتلّ أرضكم مقابل اثني عشر دولاراً ونصف الدولار تتقاضونها بدل عمالتكم للمحتلّ «الإسرائيلي». إننا وتلبية لنداء الأرض قد قرّرنا تطهير هذه الأرض من رجسكم. فإلى اللقاء على قمم الجولان التي ستبقى شامخة رغم انحداركم.
يدُنا هي العليا.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…