الأب فرانس والدولة السورية… «إلى الأمام»
عامر نعيم الياس
«شفيع حمص». هكذا أراد أهالي الحميدية وبستان الديوان في حمص القديمة تسميته بعد اغتياله. الأب فرانس فاندرلوخت الكاهن اليسوعي الهولندي رفض الخروج من حمص القديمة واختار البقاء في ديره في قلب الحيّ الذي لم يبقَ فيه سوى أطلال أديرة وكنائس بعد «تحرير» مزعوم له من قبل «ثوار الربيع». تحرير بدأ بتهجير ساكني حمص القديمة، وما لبث أن ترك بصمته الواضحة على أماكن العبادة فيها. وانتهى اليوم بقتل رجل دين يبلغ من العمر 75 سنةً، اختار سورية وطناً له في الحياة والممات. وطناً أبدياً خالداً كما حجارة الأديرة والكنائس والطرقات التي مرّ عليها «شفيع حمص».
قُتل الكاهن اليسوعي «برصاصة في الرأس أطلقها رجل ملثّم اقتحم دير الآباء اليسوعيين في حيّ بستان الديوان»، إجماع في الصحف الغربية بدءاً من الأميركية مروراً بالبريطانية، وليس انتهاءً بالفرنسية، من دون طرح أيّ تساؤل حول دوافع الجريمة والجهات التي قامت بها، إضافةً إلى أنه لم يأتِ في سياق عرض الخبر أيّ ذكر للطرف المسيطر على الحيّ من جماعات وكتائب ما أنزل الله بها من لسان. وفي المقابل، استُغلّت المناسبة للتذكير بأن «الحيّ محاصر من قبل قوات النظام السوري منذ سنتين».
وحده الصحافيّ جورج مالبرونو في صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، وفي إطار توظيف القضية في الصراع الداخلي الفرنسي بين اليسار واليمين، تجرّأ وتساءل قائلاً: «هل كان الأب فرانس ضحية لمتطرّفين يرفضون مشروع المصالحة في حمص القديمة؟».
رواية مقتل الكاهن اليسوعي قدّمت المبرّر الأخلاقي للرومانسيين الثوريين وأصحاب الولاءات المزدوجة الذين بدؤوا نعي الأب فرانس من دون أن يشيروا إلى الطرف الذي قتله. معتبرين الرواية الضبابية صك براءة من دم من دعى إلى السلام، بل إن بعضهم ذهب إلى حدّ اتهام الدولة السورية بقتله كونها «تحاصر الحي!».
قبل حوالى شهرين من الآن، انتشر فيديو على «يوتيوب» بعنوان «الأب فرانس والشيخ أبو الحارث يفضحان النظام من قلب حمص المحاصرة»، عنوان يتماهى مع رواية اغتيال الأب فرانس، فالمصدر واحد، ومن يصوغ الخبر يريد فقط توظيفه في إطار البروباغاندا التي تستهدف تشويه صورة الدولة في سورية، وبالفعل نشر مؤيّدو ما يسمّى «المعارضة السورية» الفيديو على صفحاتهم في شبكات التواصل الاجتماعي بشكل اعتباطيّ، معتمدين على العنوان من دون سماع محتوى الفيديو الذي يبدو أنه كان أحد مسبّبات اغتيال الكاهن اليسوعي. فلدى سؤاله عن كلمته للجيش السوري أو قوات النظام بالمصطلح المعارض، أجاب: «إلى الأمام» فأعاد السائل السؤال مرة ثانية فأتاه الجواب ذاته: «إلى الأمام»، وهنا تدخل الجهادي أبو الحارث ليبرّر الإجابة بقوله: «إن الأب فرانس لا يفهم اللغة العربية!». كاهن عاش في سورية منذ عام 1966 لا يفهم لغتها!!!
تقول «لوفيغارو» نقلاً عن مصدر من داخل حمص القديمة: «منذ أسبوع اعتُدي على الأب فرانس وأصيب بكدمات، لقد هدّدوه… لكن الكنيسة اليسوعية لم ترغب بالتحدّث عن هذه الحادثة»، ترى من هدّده؟ هل هم الملثّمون المجهولون مرّة أخرى، أم أنهم أماطوا اللثام عن وجوههم حينذاك؟ لماذا رغبت الكنيسة اليسوعية بالتعتيم على الأمر؟ هل الأب فرانس أقلّ قدراً من الكاهن الآخر الذي عمل في سورية ويدعى باولو؟ «إلى الأمام». ربما ليست أمنية بقدر ما هي دعاء من كاهن كهل أراد عودة حمص القديمة إلى سابق عهدها. دعاء يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى من التحقّق.
كاتب سوري